«فورين أفيرز»: في مواجهة الصين.. على واشنطن التعلم من الآسيويين

آية سيد
لمواجهة تحدي الصين.. يجب على واشنطن التعلم من حلفائها الآسيويين

التحالفات مثل الحوار الأمني الرباعي، وأوكوس، والعلاقات الأمنية المزدهرة تذكِّر بكين بأن القسر له عواقب وأن الترتيبات الأمنية الجماعية التي تقيد خيارات الصين ممكنة بالفعل.


رأى مدير مركز دراسات الولايات المتحدة بسيدني، مايكل جرين، أن الإدارة الأمريكية يجب أن تسترشد بحلفائها لتحسين استراتيجيتها تجاه الصين.

وأوضح، في نشرته مجلة “فورين أفيرز“،  أن أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية تفهم طبيعة التهديد الصيني على نحو أفضل، ويجب أن تنسجم واشنط مع حلفائها بشأن دور اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية والهدف النهائي للسياسة تجاه بكين.

إنذار مبكر

لفت المقال إلى أن هذه الدول تفهم التهديد أكثر من واشنطن، وكانت الأساس للكثير من مبادرات إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لمواجهة التهديد الصيني، مشيرًا إلى أنها أول من تحرك لمواجهة هذا التحدي. بعد أن توددت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما،  إلى مقترح الزعيم الصيني، شي جين بينج، بإنشاء “نموذج جديد لعلاقات القوى العظمى”.

وأوضح المقال أنه في النموذج الصيني المقتر، كانت بكين تحيل اليابان وكوريا الجنوبية إلى دول من الدرجة الثانية في هيكل ثنائي القطب مع الولايات المتحدة. إلا أن طوكيو والعواصم الأخرى احتجت بهدوء. ما يعني أنهم سعوا للمواجهة مع بكين، لكن كانت لديهم مخاوف مشروعة بشأن خسارة الدعم الأمريكي، في وقت يتزايد القسر الصيني في منطقتها.

يقظة يابانية

يشير الكاتب إلى أن المسؤولين الأمريكيين غيّروا موقفهم بنهاية إدارة أوباما، عندما أصبحت الأبعاد التنقيحية لاستراتيجية الصين أوضح. لكن واشنطن كانت متأخرة جدًا عن الآسيويين، خاصةً اليابان، التي أصدر رئيس وزرائها السابق، شينزو آبي، في 2013، استراتيجية طويلة الأمد اعتمدت على افتراضات بشأن السلوك الصيني، أصبحت مقبولة الآن في الدوائر الأمريكية.

وردًا على موقف آبي، استهدفته بكين بحملة إعلامية عالمية، لكنه استمر في استراتيجيته، على الرغم من التوغلات الصينية حول جزر سينكاكو، الخاضعة للإدارة اليابانية. ووفق المقال، كان آبي يفهم جيدًا ما كانت واشنطن تبدأ في إدراكه حينها، عندما ظن قادة الصين أن الولايات المتحدة واليابان في تراجع حاد. لذلك، عزم على تغيير هذا التصور.

3 خيارات

كان أمام اليابان 3 خيارات في مواجهة تغول بكين، بحسب المقال، الأول هو اللحاق بركب القوة الصاعدة. لكن هذا لم يكن مطروحًا عند آبي، الذي قال للجمهور الأمريكي في 2013: “اليابان ليست قوة من الدرجة الثانية، ولن تصبح هكذا أبدًا”. وكان الخيار الثاني هو التوازن الداخلي، عبر تعزيز قوة الدولة لمواجهة التهديد.

وأوضح المقال أنه في حالة اليابان، كانت الأسلحة النووية أسرع طريقة، لكنها واجهت معارضة من الشعب والحلفاء، ما دفع آبي للاستثمار في القدرات الدفاعية الموجهة، والمصادر الجديدة للنمو الاقتصادي. أما الخيار الثالث، الذي كان حجر الزاوية لاستراتيجية آبي، فكان التوازن الخارجي، أو تعزيز تحالفات الدولة.

حق الدفاع الجماعي

في 2014، قدم آبي تشريعًا ينص على أن اليابان ستمارس حق الدفاع الجماعي، وقد تحارب إلى جانب الولايات المتحدة إذا استدعت الحاجة. إضافة إلى هذا، شملت استراتيجيته تعزيز مرونة الدول ضد النفوذ والقسر الصيني المفرطين.

وفق المقال، لم ترتقِ “استراتيجية الهندوباسيفيك – منطقة حرة ومفتوحة”، التي طرحها آبي، إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية فحسب، بل وعدت باستثمارات في البنية التحتية عالية الجودة، التي من شأنها حماية البيئة وتجنيب المستفيدين خطر “أفخاخ الديون” الصينية.

قلق أسترالي

في الرد على تحدي الصين، لم تكن أستراليا بسرعة اليابان. بحسب جرين، الذي عمل مستشارًا خاصًا للرئيس لشؤون الأمن القومي، وكان مسؤولًا عن الشؤون الآسيوية في مجلس الأمن القومي خلال إدارة جورج بوش الابن، الذي أشار إلى أن توسع بكين في بحر الصين الجنوبي في 2014 و2015 أثار قلق مجتمع الأمن القومي الأسترالي.

لكن التهديد الأكبر كان في 2018، عندما أعلن رئيس الوزراء، مالكولم تورنبول، أن بكين تحاول بناء قاعدة غواصات في جزيرة ڤانواتو في المحيط الهادئ. ثم في 2019، أذاع برنامج إخباري أسترالي شهير تفاصيل عمليات الحزب الشيوعي الصيني الموسعة للتأثير في السياسة والمجتمع الأستراليين، ما دفع البرلمان إلى صياغة قوانين صارمة ضد التدخل الأجنبي.

تحرك أستراليا لمواجهة التهديد

لفت المقال إلى محاولات بكين للضغط على كانبرا عبر تقليل الواردات الصينية، وشن حملات تضليل ضدها، وتقديم 14 مطلبًا يجب على أستراليا تلبيتها لتحسن العلاقات. وفي مواجهة هذا، كانت أستراليا أول دولة تحظر “هواوي” و”زد تي إي” الصينيتين، وتنشئ مجلسًا جديدًا لمراجعة الاستثمارات الأجنبية، والحدّ من عمليات الاستحواذ الصينية على الأصول الاستراتيجية.

وإضافة إلى هذا، تحدت حكومة رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، المطالب الصينية بالموافقة على بناء غواصات نووية، وتطوير قدرات متقدمة أخرى مع الولايات المتحدة وبريطانيا، بموجب اتفاق “أوكواس“. ووسعت أيضًا تعاونها الدفاعي مع اليابان والهند، حسب المقال.

كوريا الجنوبية

كانت كوريا الجنوبية آخر حليف أمريكي في آسيا ينضم للركب، بسبب قربها الجغرافي من الصين وتاريخها المليء بعشرات الغزوات الصينية لها، وكذلك بسبب نفوذ الصين في كوريا الشمالية. وأشار جرين في مقاله إلى أن جهود سيول لإدارة العلاقات مع القوى العظمى حول شبه الجزيرة الكورية، أثارت المزيد من الشك والغيرة والضغط في بعض الأحيان.

لكن عندما أصبح السياسي المحافظ، يون سوك يول، رئيسًا في مايو 2022، أعاد مواءمة الدبلوماسية الكورية الجنوبية مع الولايات المتحدة واليابان، برغم التوترات المستمرة مع طوكيو، بسبب قضايا تاريخية. إلا أنه سيظل مقيدًا بالجغرافيا ومشكلة كوريا الشمالية.

العلاقات مع الصين

لفت المقال إلى وجود فارق دقيق، لكن حاسم، في الرؤية بعيدة المدى للعلاقات مع الصين. وقال جرين إن استراتيجية آبي كانت مبنية على إعادة ضبط العلاقات مع بكين، وليس احتواءها أو الانفصال عن اقتصادها بالكامل. وفي أستراليا، وسعت حكومة موريسون التمويل للتبادلات مع الصين، عبر منظمات وطنية.

وعلى الرغم من أن رئيس كوريا الجنوبية، يون، وعد بدعم استراتجية بايدن للهندوباسيفيك، وأن يصبح أقل إذعانًا للصين، وتعهد وزير خارجيته، بارك جين، بدعم التعاون الإقليمي والعالمي. ويعكس هذا أن الدول الـ3 تسعى للعمل مع بكين في القضايا محل الاهتمام من موقف قوة، مدعومة بمواءمة أوثق مع الولايات المتحدة، والدول ذات التفكير المشابه في المنطقة.

الاستراتيجية الاقتصادية

يبحث الحلفاء الآسيويون عن توازن عملي مع الصين، أكبر شريك تجاري لمعظم دول المنطقة، في ظل غياب الاستراتيجية التجارية الأمريكية، منذ عهد ترامب، بعد انسحابه من “الشراكة العابرة للمحيط الهادئ”، التي راقت لشركاء الولايات المتحدة في الهندوباسيفيك، لأنها تدمجهم في السوق الأمريكية، وتمهد لمفاوضات اقتصادية أكثر نجاحًا مع بكين مستقبلًا.

وبدافع فهمها لتداعيات غياب الاستراتيجية الاقتصادية، أعلنت إدارة بايدن “إطار العمل الاقتصادي لمنطقة الهندوباسيفيك” في مايو 2022 في طوكيو، الذي يجمع الولايات المتحدة مع 13 اقتصادًا إقليميًا للحوار بشأن موضوعات مثل التجارة الرقمية، والبيئة، والفساد.

ومع أن إطار العمل لا يقدم مزايا “الشراكة العابرة للمحيط الهادئ”، فإن حلفاء الولايات المتحدة يناصروه علنًا، كدليل على عودة الولايات المتحدة إلى صنع القواعد الاقتصادية في آسيا، لكن في السر يوجد قلق كبير من عدم كفايته.

قدرات الردع

يحتاج الحلفاء إلى دعم الولايات المتحدة في تعزيز قدرات الردع في وجه التهديدات الصينية. ولفت الكاتب إلى اتخاذهم خطوات كبيرة ومخاطر جديدة، مثل اعتراف اليابان بحق الدفاع الجماعي وإدخالها للقدرة الهجومية، وتعهد أستراليا بتوسيع إنتاج الأسلحة مع الشركات الأمريكية واستضافة المزيد من القوات الأمريكية، واستئناف كوريا الجنوبية التدريبات الدفاعية المنتظمة.

وعلى الرغم من تبني إدارة بايدن والكونجرس لهذه التطورات، قال الكاتب إن آليات إدارة التحالف في واشنطن تعتمد على مخططات بالية، تفتقد للجاهزية القتالية في اليابان وأستراليا، وفق ما أورد المقال.

التفوق الأمريكي

تمتلك الولايات المتحدة شبكة من التحالفات الأمنية مع الأنظمة الديمقراطية في المحيط الهادئ، على عكس الصين، التي تقتصر شراكاتها الأمنية على روسيا المتعثرة، وإيران المعزولة، وكوريا الشمالية الاستفزازية.

وأشار جرين إلى أن الاستثمار الأمريكي الأكبر في هذه التحالفات سيؤتي ثماره، ليس فقط في تكامل تلك العلاقات الثنائية وجاهزيتها، بل أيضًا في قدرة حلفاء الولايات المتحدة على تعزيز التعاون والمرونة في المنطقة. وكذلك، يساعد تعزيز شبكة التحالفات الأوسع في إعادة ضبط توقعات الصين بشأن القوة الأمريكية الدائمة بالمنطقة، واستمرارية الشبكات الأمنية الإقليمية.

والتحالفات مثل الحوار الأمني الرباعي، وأوكوس، والعلاقات الأمنية المزدهرة تخدم كتذكير مفيد لبكين بأن القسر له عواقب وأن الترتيبات الأمنية الجماعية، التي تقيد خيارات الصين، ممكنة بالفعل. وفي الوقت نفسه، قد يجد البعض في بكين أن التركيز الأمريكي على الحلفاء يساعد في إرساء الاستقرار في العلاقات الأمريكية الصينية.

ربما يعجبك أيضا