«فورين بوليسي» تتقصى.. هل تستطيع كازاخستان التخلص من ماضيها النووي؟

عمر رأفت
فورين بوليسي: هل تستطيع كازاخستان التخلص من ماضيها النووي؟

بين عامي 1949 و1989، فجر السوفييت أكثر من 50 ميجا طن من الأسلحة النووية في منطقة اختبارات بمدينة سيميبالاتينسك في كازاخستان.


تجتذب مدينة سيميبالاتينسك الكازاخية الزوار والسائحين بل واللصوص، على الرغم من أنها بؤرة للإشعاعات النووية الخطيرة.

وتبعد سيميبالاتينسك 150 كيلومترًا عن موقع بوليجون، مقر اختبارات القنابل النووية في الحقبة السوفيتية. ورغم خطورة الإشعاعات النووية، لا تحذر كازاخستان من الاقتراب من هذه المنطقة، حسب معايشة أجرتها الصحفية والباحثة الأمريكية، شيريل إل ريد.

1.5 مليون ضحية للإشعاع النووي بكازاخستان

قالت الصحفية والباحثة الأمريكية، في تقريرها الذي نشرته في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، بعنوان “هل تستطيع كازاخستان دفن ماضيها النووي؟”، إن السياح يقصدون مدينة سيميبالاتينسك رغم خطورتها، بل ويدفع الواحد ما يصل إلى 1000 دولار ليتمكن من زيارة المكان، ولا يحمي نفسه بأكثر من ارتداء سترة بيضاء وقناع وحذاء من المطاط.

ونوهت شيريل إل ريد في تقريرها، بأن الاتحاد السوفيتي بدأ تأسيس قوته النووية منذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي، بإجراء اختبارات للقنابل النووية في كازاخستان، تضمنت تفجير 456 قنبلة نووية بموقع بوليجون في سيميبالاتينسك، تسببت في تعريض 1.5 مليون شخص من سكان المدينة لجرعات زائدة من الإشعاع.

وبين عامي 1949 و1989، فجر السوفييت أكثر من 50 ميجا طن من الأسلحة النووية في سيميبالاتينسك، أي ما يعادل 3333 قنبلة بحجم القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية، حسب بيانات من كازاخستان.

وضع خطير.. وعجز السلطات الكازاخية

رغم ما مرت به منطقة بوليجون في السابق، يعيش سكان سيميبالاتينسك القريبة حياة طبيعية الآن، ويمارسون أنشطة الصيد ورعاية الماشية وغيرها، حسب ما وصفت ريد في تقريرها. وقالت إن الأوضاع في تلك المدينة البالغة مساحتها 7065 ميلًا مربعًا محفوفة بالمخاطر.

وتتعرض السلطات في كازاخستان لانتقادات بسبب الإهمال في اتخاذ أي تدابير بشأن تلك المنطقة الخطرة. وقالت الصحفية والباحثة الأمريكية إن المكان لا تزال به مخلفات نتيجة القنابل النووية، ورغم ذلك لا توجد أي لافتات للتنبيه.

بوليجون جديدة في أوكرانيا؟

قالت الصحفية والباحثة الأمريكية أيضًا إن اللصوص يحاولون باستمرار الوصول إلى منطقة بوليجون، من أجل العثور على مخلفات القنابل والتجارب النووية، مثل الحديد والكابلات وغيرها، من أجل بيعها.

واستحضرت ريد تهديدات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين خلال العام الماضي 2022، باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، ما أثار القلق بشأن إمكانية وجود بوليجون جديدة، لكن هذه المرة في أوكرانيا.

مختبر عملاق لتجارب العلماء

أرجعت الأستاذة المساعدة في الأنثروبولوجيا الثقافية والطبية بجامعة ساوث كارولينا، ماجدالينا ستاوكوفسكي، الوضع في بوليجون إلى عدم امتلاك الحكومة الكازاخية المال الكافي لإزالة المخلفات النووية، حسب فورين بوليسي.

وشددت ستاوكوفسكي على ضرورة إقامة أسوار حول تلك المنطقة ومنع أي شخص من الوصول إليها. وعلى الرغم من أن اختبارات القنابل النووية توقفت عام 1991 بعد استقلال كازاخستان عن الاتحاد السوفيتي بفترة وجيزة، لا تزال بوليجون مختبرًا عملاقًا للعلماء من جميع أنحاء العالم، لدراسة آثار الإشعاع في الكائنات الحية.

ويتعاون معهد كازاخستان للسلامة الإشعاعية والبيئة، مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعديد من المنظمات الأخرى، في إدارة هذا المكان، ومساعدة العلماء في أبحاثهم المتعلقة بتأثيرات الإشعاع.

قصة مدينة كورتشاتوف المأسوية

توجد في بوليجون مدينة صغيرة تدعى كورتشاتوف، كانت المقر الرئيس لإجراء اختبارات القنابل النووية، ويعمل سكانها الآن في معهد السلامة الإشعاعية والبيئة، الذي يشرف على بوليجون.

وتحمل هذه المدينة الكازاخية الصغيرة اسم العالم الفيزيائي السوفيتي إيجور كورتشاتوف، الذي أجرى التجارب النووية هناك، ويعتبره الروس الأب الروحي للقنبلة الذرية في الاتحاد السوفيتي.

إرث روسيا النووي.. تحذيرات ولكن!

لا ينوه المسؤولون في كازاخستان بخطورة الأوضاع في سيميبالاتينسك بالقدر الكافي، مقارنة بالمواقع المماثلة في جميع أنحاء العالم، حسب ريد. وقال مدير معهد السلامة الإشعاعية والبيئة في كازاخستان، أسان أيدارخانوف، لفورين بوليسي، إن حراسة سيميبالاتينسك تفوق قدرات المسؤولين في البلاد، محذرًا من خطورة تلك المنطقة.

وأضاف أيدارخانوف أن الحكومة الكازاخية تؤجر الأراضي التي تدعي أنها خالية من الإشعاع، للشركات التي تعمل في تعدين الفحم والذهب والمعادن المختلفة، لكنه أشار إلى أن تلك الشركات في الواقع تعمل بالقرب من المناطق المحظورة.

ويبدو أن روسيا لم تنس إرثها النووي في هذه البلاد، ففي 2 ديسمبر 2022، اختبرت صاروخًا جديدًا لنظام الدفاع الصاروخي، وأطلقته على بعد 300 ميل فقط جنوبي بوليجون.

ربما يعجبك أيضا