«فورين بوليسي»: حرب الطائرات المسيرة في أوكرانيا.. صناعة صينية رخيصة ومميتة

استخدمت أوكرانيا، في حربها ضد روسيا، طائرات مسيرة صغيرة رخيصة ومميتة، وهي من النوع الذي يمكن شراؤه في متاجر الإلكترونيات أو صناعته بأدوات بسيطة.

وقالت الباحثة والخبيرة في تكنولوجيا الطائرات غير المأهولة والاستشعار عن بُعد، فاين جرينوود، إن أوكرانيا أذهلت العالم باستخدامها الطائرات المسيرة، وأن هواة الطائرات المسيرة وخبراء التكنولوجيا طوروا قدراتها منذ الحرب الروسية السابقة عام 2014.

شركة واحدة تهيمن على السوق

في تقرير مطول نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، الخميس 16 فبراير 2023، قالت جرينوود إن شركة DJI الصينية تسيطر على السوق العالمية للطائرات المسيرة، وتبيع منتجاتها بأسعار رخيصة ومتطورة وسهلة الاستخدام ومفيدة في جميع المجالات، ما جعلها جذابة للمدنيين والعسكريين أيضًا.

وأضافت أن الطائرات المسيرة من طراز DJI هي أكثر الطائرات المسيرة شيوعًا في حرب أوكرانيا، التي يستخدمها المقاتلون أكثر أي نوع آخر من المسيرات، فمن بين 463 طائرة مسيرة، استحوذت DJI على 59%، ولفتت إلى أن طراز Mavic القابل للطي خفيف الوزن، أصبح مطلوبًا بدرجة كبيرة.

وتابعت أن رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الأسبق، يوري بالويفسكي، وصف في مقدمة كتاب له صدر في أغسطس 2022 بعنوان “الحروب الأجنبية.. نموذج جديد”، طراز Mavic بأنه “رمز حقيقي للحرب الحديثة”، ما أثار استياءً كبيرًا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، وحتى شركة DJI نفسها.

طائرات مسيرة من طراز MJI الصينية في مطار بالقرب من كييف

حرب تطوعية بالطائرات المسيرة

ذكرت الكاتبة أن الروسيين والأوكرانيين ممن لديهم خبرة في صناعة الطائرات المسيرة تطوعوا لتطويرها للاستخدام الحربي، سواء بإطلاق الطائرات المسيرة بأنفسهم أو تقديم التدريب والدعم الفني للآخرين، ويعمل المتطوعون أيضًا على توفير الطائرات المسيرة للمقاتلين في الخطوط الأمامية.

وأشارت إلى أن شركة DJI أعلنت أنها لا تبيع منتجاتها للاستخدام الحربي، وأنها منذ إبريل 2022، حظرت بيع منتجاتها في أوكرانيا وروسيا، إلا أنها لا تزال تبيع منتجاتها للمدنيين في دول أخرى، فيجمع جيش صغير من المتطوعين في أوكرانيا وروسيا الأموال من الأشخاص المتعاطفين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتابعت أن هؤلاء المتطوعين يشترون عبر الإنترنت مستخدمين العملات المشفرة، ثم ينقلون الطائرات عبر الحدود إلى منطقة الحرب، موضحة أن بيع طائرات DJI المسيرة كمنتجات غير عسكرية، تجعل نقلها عبر الحدود الدولية أسهل من نقلها عبر الوسائل العسكرية الخاضعة للسيطرة الشديدة.

جندي أوكراني يستخدم طائرة مسيرة صينية لاستهداف المدفعية الروسية في خاركيف

أكثر تعقيدًا

أصبحت جهود شراء الطائرات المسيرة في أوكرانيا أكثر تعقيدًا. وفي يوليو 2022، اشترك المسؤولون مع منصة “يونايتد 24” لجمع التبرعات في مشروع جيش الطائرات المسيرة، ومحاولة توجيه التدفق النقدي، لتمويل الطائرات، وفي غضون 3 أشهر، زعم المشروع أنه جمع ما يكفي لشراء 1400 طائرة مسيرة.

وأضافت أن الصورة متشابهة في روسيا، فظهر عالم مواز من جامعي التبرعات، بمجرد أن أصبح واضحًا أن الحرب لن تنتهي في غضون أسابيع قليلة، ومع ذلك، فإن جهود جمع التبرعات عبر الإنترنت ليست دائمًا منظمة على نحو جيد. وفي محاولة خداع، ادعت مجموعة أوكرانية أنها خدعت المانحين الروس لدفع ثمن طائرة المسيرة لصالحهم.

ونفس الحال في أوكرانيا، تواصل مجموعات المتطوعين الروس جمع الأموال بقوة وإرسال طائرات المسيرة إلى خط المواجهة، وتكييف طلباتهم مع تغير أوضاع الحرب، وأصبحت الدعوات إلى الحصول على قطع غيار الطائرات المسيرة “كاميكازي” المتفجرة من طراز FPV، والمال لتدريب الطيارين، شديدة الرواج.

اختبار نموذج أولي لطائرة بدون طيار محلية الصنع محملة بقنبلة يدوية في حقل خارج كييف

بث الحرب على الهواء

تكمن فائدة الطائرات المسيرة في التقاط صور لا يمكن الحصول عليها من الأرض، ما يجعلها مفيدة في استهداف ضربات المدفعية، وأقر المقاتلون الأوكرانيون والروس باستخدام الطائرات المسيرة الصغيرة، لمساعدتهم على تحديد الأهداف بدقة، مستفيدين من الطائرات الرخيصة المجهزة بكاميرات مراقبة.

وأصبحت الطائرات جزءًا رئيسًا من أدوات المراسلين الحربيين، فمحطات الأخبار الدولية استخدمت كميات هائلة من لقطات الطائرات المسيرة من الخطوط الأمامية، في حين استخدمها الصحفيون الغربيون لتصوير الأضرار الجسيمة، التي لحقت بالبنى التحتية في كييف، خلال المراحل الأولى من الحرب.

وأصبحت أيضًا أداة علاقات عامة، فالمئات من قنوات التليجرام وحسابات اليوتيوب وصفحات الفيسبوك تنشر مقاطع عن المعارك، التي تصورها الطائرات المسيرة يوميًا، مشيرةً إلى أنها الحرب الأولى التي تمكن العالم من متابعتها عبر كاميرا طائرة مزودة بعدسة تكبير تحلق فوق المقاتلين في الخطوط الأمامية.

صورة جوية التقطتها طائرة مسيرة لآليات عسكرية روسية مدمرة على جانبي الطريق في دميتريفكا

تحقيقات جرائم الحرب

قالت فان جرينوود إن محققي جرائم الحرب يستخدمون الطائرات المسيرة أيضًا لجمع البيانات. ففي وقت مبكر من الحرب، التقطت طائرات مسيرة يوجهها أوكرانيون مقطع فيديو لمقتل سائق مدني خارج كييف، ولقطات لجثث ملقاة في شوارع بوتشا، وهذه المعلومات ستفيد في التحقيقات الجنائية المقبلة.

وأضافت أن المحققين الفرنسيين استخدموا طائرات مسيرة، لالتقاط صور لمناطق من بوتشا بعد فترة وجيزة من خروج الجيش الروسي، ويبدو أنهم كانوا يستخدمون نفس التقنيات في تشيرنيهيف، لافتةً إلى ضرورة تنبيه المدنيين الذين يستخدمون الطائرات المسيرة في مناطق الحرب إلى توخي الحذر، وحذرت من ذلك لجنة الصليب الأحمر الدولية.

جنود أوكرانيون يتدربون على التحكم في الطائرات المسيرة

مؤشرات 2023

ذكرت الكاتبة أن الطائرات المسيرة ستستمر في التدفق إلى منطقة الصراع بأعداد متزايدة، وسيكتسب المقاتلون من كلا الجانبين المزيد من المهارات في صناعتها وتعديلها، وتعليم أعداد متزايدة من الجنود كيفية استخدامها، وأن الجانبين يعملان على تطوير تقنيات حرب إلكترونية أفضل لإسقاط الطائرات المسيرة.

وأوضحت أن جيوش الطائرات المسيرة في أوكرانيا وروسيا تواجه تهديدًا فريدًا في تاريخ الحرب الحديثة، فشركة DJI الصينية لديها القدرة على التحكم في الطائرات وإيقاف فاعليتها. في حين تبذل جميع الدول جهودًا كبيرة لاستبدال طائرات، لم يصل أي منها إلى درجة يمكن أن تتولى فيها المهمة بسلاسة.

وأشارت إلى أنه في الوقت الذي تتصارع فيه بكين وواشنطن على الجواسيس الطائرة في سمائهما، سيراقب الجنود والمحللون في حرب أوكرانيا العلاقات المتدهورة بين الصين والغرب هذا العام باهتمام شديد.