«فورين بوليسي»: 5 عوامل تحدد ملامح حرب باردة بين واشنطن وبكين

رنا أسامة

التنافس بين الولايات المتحدة والصين فريد من نواح عديدة ويشبه «حربًا باردة» تنطوي على عداء بين قوتين عظميين.


من الحرب الروسية الأوكرانية إلى أزمة تايوان، يمكن القول إن 2022 كان أكثر الأعوام اضطرابًا وتحولًا في السياسة الدولية منذ ثورات 1989.

لكن العام نفسه شهد تحولًا في الطريقة التي أقرت بها الولايات المتحدة بأن الصين قوة عظمى منافسة، حسب ما يقول جو إنجي بيكيفولد، الزميل الأقدم بالمعهد النرويجي للدراسات الدفاعية، في تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.

نظام عالمي جديد

أشار التحليل المنشور في 29 ديسمبر 2022، إلى أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي أصدرها البيت الأبيض في أكتوبر، لم تصنف الصين على أنها التحدي الأمني الأكثر أهمية، لكنها أعلنت على نحو لا يشوبه لبس، أن حقبة ما بعد الحرب الباردة قد ولت.

وإذا كانت القوة الأمريكية أحادية القطب تمثل السمة المميزة لحقبة ما بعد الحرب الباردة، فإن التحول إلى قوة ثنائية القطب بين الولايات المتحدة والصين من شأنه أن يسهم في تشكيل نظام عالمي جديد، فيما تظل قرارات الحرب والسلام في يد القادة، وفق التحليل.

حرب باردة

قال التحليل إن التنافس بين الولايات المتحدة والصين فريد من نواح عديدة، معتبرًا إياه بمعيار توازن القوى أشبه إلى “حرب باردة” تنطوي على عداء بين قوتين عظميين.

ومن هذا المنطلق، وصف إيفان ميديروس، المستشار الأمريكي السابق لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، اجتماع الرئيسين الأمريكي جو بايدن، والصيني شي جين بينج في إندونيسيا، بأنه “أول قمة للقوى العظمى بالنسخة الثانية والمحسنة من الحرب الباردة”.

وضع مختلف

عددت المجلة 5 عوامل هيكلية ستجعل عصر القطبين الجديد أقل استقرارًا من الحرب الباردة، يتمثل أولاهم في ظهور الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كقوتين عظميين من رماد الحرب العالمية الثانية، وتنافسهما عسكريًّا منذ البداية.

لكن الوضع الحالي اختلف، وصار بإمكان الصين اللحاق تدريجيًّا بالولايات المتحدة، مع تجاوز إمكاناتها الاقتصادية كقوى عظمى إمكانات الاتحاد السوفيتي أكثر من أي وقت مضى. وبالإضافة إلى ذلك، لم تبد الصين استعدادًا لوضع حد لتطور عسكري من شأنه الحفاظ على مكانتها المتدنية.

البحرية الأمريكية والصينية

مخزون نووي صغير

أشارت تصريحات سابقة لمسؤولين عسكريين أمريكيين إلى أن الصين قد تكون تجاوزت بالفعل الولايات المتحدة في عدد الرؤوس الحربية النووية، المثبتة على صواريخها الباليستية العابرة للقارات، وفق التحليل.

وفي ما يتعلق بالمخزون النووي الكلي، بما في ذلك الرؤوس الحربية على صواريخ باليستية عابرة للقارات، والصواريخ الباليستية المنطلقة من غواصات وقاذفات استراتيجية، وكذلك الرؤوس الحربية النووية غير النشطة، لا يزال مخزون الصين من الأسلحة النووية صغيرًا نسبيًّا مقارنة بالولايات المتحدة.

حرب محدودة

على النقيض من الحرب الباردة، يتركز المسرح الرئيس للمواجهات العسكرية الأمريكية الصينية في البحرية، التي تعد أقل استقرارًا وتشي أكثر بحرب محدودة. لكن التحليل استبعد أن تشكل القوة العسكرية للقوتين العظميين بالمياه الآسيوية تهديدًا وجوديًّا للدولتين، أو أن تفضي إلى حرب نووية.

وفي حين أن الصين قد تستخدم أسلحة نووية حال تعرضت لغزو، قال التحليل إنه من غير المتوقع أن تجازف بحرب شاملة مع الولايات المتحدة، إذا تدمرت سفن لها، وهو ما يزيد من احتمالات نشوب حرب محدودة في المياه الآسيوية، قد تزعزع الاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي.

تايوان الخطر الأكبر

وفق التحليل، تدخل تايوان ضمن مصادر زعزعة استقرار النظام ثنائي القطب الجديد، وتمثل الخطر الأكبر لحرب قوى عظمى جديدة بين الولايات المتحدة والصين، مع ديناميكيات تصعيد تتفاوت من حيث الانتشار الجغرافي واستخدام الأسلحة.

وفي الوقت نفسه، توفر أساليب القتال الجديدة، فضائيًّا وسيبرانيًّا، للولايات المتحدة والصين طرائق حرب جديدة، وقد تتراوح الهجمات الإلكترونية بين التخريب والسرقة والتجسس وبين ما يطلق عليه “بيرل هاربور الرقمي”، وهو هجوم إلكتروني مفاجئ كبير يسبق صراعًا عسكريًّا أو يرجئه أو يردع رد المنافس.

حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين

تصعيد غير متعمد

حذر التحليل أيضًا من تصعيد أمريكي صيني غير متعمد، مستقبلًا، بفضل القدرات الإلكترونية لكلا البلدين. وكذلك تمكن المواجهة بين الولايات المتحدة والصين في مجال الفضاء، عبر توجيه ضربات أقمار صناعية استباقية، إلى تصعيد بعواقب وخيمة.

وبخلاف النظرية القائلة بأن الاعتماد المتبادل يقلل من مخاطر الحرب، قد يسهم ارتفاع مستوى الارتباط الاقتصادي والتكنولوجي بين واشنطن وبكين، في نشوب صراع على نحو أكبر من الاكتفاء الذاتي النسبي للكتلتين إبان الحرب الباردة.

تعايش بارد

يرى خبراء، حسب التحليل، أن الافتقار إلى الاعتماد المتبادل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كان عاملًا مهمًّا في تعزيز استقرار التنافس خلال الحرب الباردة، ويرجع ذلك بالأساس إلى أن عدم التعويل على خصم محتمل معاد فاقم الشعور بالأمان لدى القوة العظمى.

وبالنظر إلى ارتباط الصين بالاقتصاد العالمي، يميل مراقبون إلى استخدام مصطلحات مثل التعايش التنافسي أو التعايش البارد أو التعايش الخلافي، عند وصف النظام الأمريكي الصيني ثنائي القطب. وكما الحرب الباردة، توقع التحليل أن يتطور التنافس بين القوتين العظميين بمرور الوقت.

ربما يعجبك أيضا