في إيران .. صراع الإخوة الأعداء على خلافة “روحاني” و”خامنئي”

يوسف بنده

رؤية

لا يزال رئيس البرلمان والمرشح الرئاسي السابق، محمد باقر قاليباف، يفكر في الوصول إلى رئاسة الجمهورية لهذا فهو يقدم على خطوات تُضعف من صورة رئيس الحكومة الحالي، حسن روحاني، وتضع حكومته في حرج.

وقد انتقدت صحيفة” آفتاب يزد” أمس الأربعاء، المعركة الكلامية التي دارت بين أنصار الحكومة ومعارضيها المنتسبين للتيار الأصولي، بعد قرار إلغاء اجتماع رؤساء السلطات (القضائية والتشريعية والتنفيذية) على أثر زيارة محمد باقر قاليباف لمستشفى الإمام الخميني، أحد المستشفيات الذي يعالج فيه مرضى كورونا.

وأشارت الصحيفة إلى الحساسية المفرطة التي يتعامل بها رئيس الجمهورية، وفي المقابل التصرفات الدعائية التي يستخدمها رئيس البرلمان لجلب الانتباه له.

وفي المقابل يغامر رئيس السلطة التشريعية بالحضور في أماكن مثل المستشفيات من أجل أهداف انتخابية، وذلك غير مجدٍ لأن مهام رئيس السلطة التشريعية هو شيء آخر ولا يتعلق بالجولات التفقدية.

وأشارت الصحيفة إلى أن قاليباف لا يزال يفكر في الوصول إلى رئاسة الجمهورية لهذا فهو يقدم على مثل هذه الخطوات عله يصل إلى كرسي الرئاسة كما وصل إلى كرسي البرلمان، وأصبح رئيسا له، لا سيما وأنه عارف بأن نسبة كبيرة ممن صوتوا لروحاني في الفترة السابقة لم يعودوا يرغبون في المشاركة في الانتخابات القادمة.

الإخوة الأعداء

وحسب تقرير قناة إيران انترنشنال، فقد أظهر قادة النظام الإيراني اتفاقهم في مواجهة “ظاهرة تكرار الاحتجاجات الشعبية والمناهضة للنظام”، وقمع هذه الاحتجاجات، خاصة في السنوات الأخيرة. وتشير الأدلة المتوفرة إلى عدم وجود خلاف بين قاليباف وروحاني وعلي خامنئي ومسؤولين آخرين حول هذه القضية.

لكن وحدة الرأي هذه في قمع المحتجين لا تعني أنه لا يوجد صراع على السلطة بين قادة ومسؤولي النظام الإيراني، حيث يتكون النظام الإيراني من مجموعات وعصابات مختلفة في صراع دائم مع بعضها البعض على المزيد من القوة والمصالح.

وأوضح التقرير، أن اجتماع قادة السلطات الثلاث والصور المنشورة لهذا الاجتماع، والتي تظهر قاليباف وروحاني وإبراهيم رئيسي في هدوء، وأحيانًا مبتسمين وجهاً لوجه، لا تعكس العلاقة الحقيقية بين الثلاثة وصراعاتهم الشديدة.

ويمكن رؤية علاقتهم الحقيقية في مناظرات انتخابات عام 2017، التي هاجموا فيها بعضهم البعض بأشد الكلمات والعبارات، ووصف روحاني قاليباف بالعقيد الذي يسعى لقمع المتظاهرين والطلاب الناشطين، ووصف رئيسي بالشخص المعروف بالإعدام، حيث كان يشير إلى دور إبراهيم رئيسي في الإعدامات الجماعية في العقود الأخيرة.

أما قاليباف فقال: “لم أكن أسعى إلى القمع بل كان روحاني هو الذي يسعى إلى ذلك”. إلا أنه، بعد عامين من الانتخابات، عندما بدأ قمع الاحتجاجات الواسعة المناهضة للنظام في إيران، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والتي شملت جميع أنحاء إيران تقريبًا، أصبح من الواضح أن روحاني وقاليباف ورئيسي كانوا متفقين، على حد سواء، مع قمع المتظاهرين ووقفوا إلى جانب نظام الجمهورية الإسلامية.

اجتماع من أجل صناعة المشكلة

الاجتماع التنسيقي للسلطات الثلاث في إیران، الذي أضحى أكثر نشاطا في السنوات الأخيرة مع تزايد الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن تزايد الضغوط الخارجية والعقوبات على النظام الإيراني، أصبح في الواقع ساحة لتصعید الخلافات في الرأي بين قادة السلطات، بدلًا من التنسیق بینهم، وتحولت هذه الخلافات إلى حرب كلامية، وانتقلت إلى ساحة الإعلام والرأي العام.

والمثال على ذلك يمكن رؤيته في الحرب الكلامية بين روحاني ورئيسي حول كيفية الإعلان عن زيادة أسعار البنزين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.

والمثال الآخر هو الصراع بين روحاني وقاليباف في الـ24 ساعة الماضية والتحشيد ضد بعضهما البعض.

والمرشد الأول، الخميني، هو صاحب فكرة اجتماع رؤساء السلطات الثلاث؛ حيث في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وأثناء هيمنة الخميني على السلطة في البلاد (1979 إلى 1988) عين الخميني لجنة مكونة من 4 أشخاص لإدارة أمور البلاد بالنيابة عنه. وكان أعضاء هذه اللجنة الرباعية يسمون “رؤساء السلطات”، وهم علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان وقائد الحرب آنذاك، ومير حسين موسوي، رئيس الوزراء، وعلي خامنئي، رئيس الجمهورية، وعبد الكريم موسوي أردبيلي، رئيس المحكمة العليا (وهو ما يعادل حاليا إلى حد ما رئيس السلطة القضائية).

وكان أحمد الخميني، نجل روح الله الخميني، يشارك في اجتماعات هذه اللجنة، ممثلا عن أبيه، وناقلا لما يجري من قرارات وأحداث لوالده.

وبعد موت الخميني عام 1989 استمرت اجتماعات رؤساء السلطات لكنها لم تدم طويلا، حيث توقفت لقرابة عقدين من الزمن. وأعاد المرشد الحالي علي خامنئي إحياء فكرة اجتماع رؤساء السلطات في العقد الأخير لتحقيق هدفين اثنين وهما: إضعاف البرلمان وإضعاف رئيس الجمهورية؛ فخامنئي يسعى باستمرار إلى إضعاف البرلمان (السلطة التشريعية) ورئيس الجمهورية (السلطة التنفيذية) بصفتهما مؤسستين منتخبتين.

وعلى الرغم من وجود العديد من العقبات أمام وصول نواب خارجين من عباءة النظام أو المرشد ووجود رقابة صارمة من مجلس صيانة الدستور وعدم تزكية العديد من الأشخاص بحيث أصبح نواب البرلمان ممثلين لمجلس صيانة الدستور وليس الشعب، فرغم كل ذلك إلا أن المرشد لا يزال يرغب في إضعاف هذا البرلمان الضعيف أصلا. وأحد طرق خامنئي لتحقيق هذه الغاية هي سلب حقوق النواب وإعطاؤها لشخص رئيس البرلمان (محمد باقر قاليباف- مقرب من المرشد) أحد رؤساء السلطات الثلاث.

ونفس الخطة ينتهجها المرشد في محاولته إضعاف رئيس الجمهورية، وذلك من خلال وضع قيود على الترشح، كمنع ترشح النساء أو أحد الأشخاص المنتسبين لمذهب أهل السنة والجماعة، ومع ذلك يقيد المرشد صلاحيات رئيس الجمهورية عبر أدوات كالحرس الثوري والسلطة القضائية والإعلام ومجلس صيانة الدستور.

ومع هذا الإضعاف إلا أن خامنئي لم يتوقف عند ذلك الحد بل شرع في تفعيل فكرة اجتماع رؤساء السلطات لفرض مزيد من القيود على صلاحيات رئيس الجمهورية.

مؤسسات موازية

إن إحدى الأدوات والأساليب التي يعتمدها معظم القادة المستبدين والحكام الدكتاتوريين لترسيخ سلطتهم ونفوذهم في البلاد التي يحكمونها هو إنشاء مؤسسات موازية للسيطرة على مؤسسات الدولة.

و وحسب تقرير قناة إيران انترنشنال، يستخدم المرشد علي خامنئي هذه الخطة للسيطرة على جميع المؤسسات والشخصيات السياسية والقادة العسكريين.

على سبيل المثال لا الحصر، أنشأ خامنئي في داخل مؤسسة الاستخبارات وجهازه الأمني 16 مؤسسة مختلفة، أكبرها جهاز استخبارات الحرس الثوري، ووزارة الأمن، وهما مؤسستان تتنافسان فيما بينهما ويقومان بنوع من الرقابة على بعضهما البعض.

وفي هذا الإطار تأتي فكرة اجتماع رؤساء السلطات بجانب عشرات المجالس والمؤسسات الأخرى من أجل سيطرة بعضهم على بعض ويصدق ذلك على العلاقة بين البرلمان والحكومة. كما أن هناك مناصب أخرى كرئيس السلطة القضائية، ومناصب في الحرس الثوري، والمؤسسة الإعلامية، والجيش، وكلهم يتم تعيينهم مباشرة من جانب المرشد ولديه السلطة في عزلهم متى شاء.

صراع على الخلافة

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في يناير المقبل، وانخفاض شعبية الإصلاحيين إلى الحضيض بسبب فشل الاتفاق النووي والتحالف مع الرئيس حسن روحاني الذي يعد نفسه وسطياً، احتدمت الصراعات في صفوف التيار الأصولي المقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، على محورين؛ أولهما بين أولئك الذين يطمحون إلى خلافة المرشد نفسه، والآخر بين المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية الراغبين في خلافة روحاني.

وحسب تقرير صحيفة الجريدة الكويتية، فقد ذكر مصدر مقرب من خامنئي، أن مكتب المرشد يتلقى في الآونة الأخيرة عشرات الطلبات من شخصيات سياسية للقاء خامنئي، والحصول على مباركته للترشح، مضيفاً أنه رغم رفض الأخير مقابلة أي منهم متذرعاً بتدابير مواجهة وباء كورونا فإنهم لا يملون من المحاولة عبر جهات مختلفة للقائه حتى ولو عبر الاتصال الإلكتروني.

وقال المصدر إن الأمر لا يقتصر على ذلك، بل هناك حرب ضروس مندلعة حالياً بين الأصوليين الطموحين الذين يقومون بإعداد تقارير متنوعة عن انتهاكات وفضائح بحق بعضهم ويصل بعضها إلى درجة التشهير لما تتضمنه من اتهامات بالفساد، ويرفعونها إلى خامنئي، الذي يصل الأمر به إلى حد البكاء من شدة الحزن والصدمة بعد قراءة هذه التقارير التي شملت شخصيات مقربة منه.

خلافة “خامنئي”

وكشف المصدر، الذي يعتبر ضمن الأشخاص القلائل المسموح لهم بلقاء المرشد في الأيام الحالية، أن موضوع التجاذبات على خلافة خامنئي بدأت تظهر علناً، وفي خطوة هي الأولى خلال 3 عقود من حكمه، بدأت شخصيات محافظة تضغط عليه لتعيين خليفة له قبل وفاته.

وأوضح أنه في حين يفضل خامنئي تأجيل التداول بأمر خلافته إلى ما بعد وفاته حيث يقوم مجلس خبراء القيادة بتعيين خليفته حسب موازين القوى التي ستكون سائدة في ذلك الوقت، فإن الجميع يعلم أن أبرز المتنافسين على خلافة المرشد هم: الرئيس الحالي حسن روحاني ومنافسه الأسبق في الانتخابات إبراهيم رئيسي الذي يرأس السلطة القضائية، وصادق عاملي لاريجاني الذي يرأس مجمع تشخيص مصلحة النظام.

وأضاف أن التنافس بين هؤلاء الثلاثة أدى إلى إحداث توتر، فقد هددت بعض دوائر القرار في “الحرس الثوري” بانقلاب عسكري إذا استمر روحاني وحلفاؤه في الضغط لتسمية روحاني خليفة للمرشد، في وقت هدد رئيسي بنشر وثائق تقضح فساد منافسيه الآخرين روحاني ولاريجاني والمقربين منهما.

وكشف المصدر أن إلغاء روحاني اجتماعاً بين رؤساء السلطات أمس الأول لم يكن سببه، كما أُعلن، زيارة رئيس البرلمان إلى مستشفى فيه مرضى كورونا، بل امتعاضه من تقارير رفعتها السلطة القضائية للمرشد عن فساد شخصيات مقربة منه، ووصول تقارير إليه تفيد بأن أجهزة الحرس أعدت ملفات فساد جاهزة للكثير من المقربين منه والمرشحين المحتملين للانتخابات لاستخدامها لإقصائهم من الترشح.

ولفت إلى أن بعض دوائر القيادة في الحرس وبتحالف مع رئيسي ورئيس مجلس الشورى (البرلمان) محمد باقر قاليباف اقترحوا خطة، اعتبرها خامنئي “انقلاباً أبيض”، تنص على أن يعين الأخير رئيسي نائباً له ويسمح لقادة الحرس بالترشح للانتخابات الرئاسية وإقصاء الإصلاحيين وتيار أحمدي نجاد، بهدف توحيد الكلمة للدخول في مفاوضات جديدة مع واشنطن أياً كان الرئيس الجديد للولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، ارتفعت السخونة على خط المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية الذين بدأوا إثارة مواضيع كانت تعتبر خطوطاً حمراء في السابق مثل قضية إلزامية الحجاب والعلاقة مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل، أو إرسال رسائل مباشرة لزعماء يعتبرون أعداء للنظام على غرار رسالة الرئيس السابق نجاد إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكذلك الظهور في وسائل إعلام إيرانية معارضة للنظام في الخارج.

ربما يعجبك أيضا