في الذكرى الـ30.. التسامح الكويتي يبدد ظلام الغزو العراقي

كتب – حسام عيد

ثلاثون عامًا مرت على الغزو العراقي الغاشم على الكويت، ولن ينسى التاريخ ما أقدم عليه المحتل من جريمة لا إنسانية، حين استباح في فجر الثاني من أغسطس عام 1990 حرمة هذه البلاد، أرضًا وشعبًا، محاولًا طمس هويتها وتاريخها ووجودها، إلا أن الكويتيين ومع تواتر الأخبار الأولى لدخول قوات الاحتلال هذه الأرض الطيبة، أعلنوا رفضهم للعدوان السافر ووقف أبناء الكويت في الداخل والخارج إلى جانب قيادتهم الشرعية صفًا واحدًا للدفاع عن الوطن وسيادته وحريته.

ومنذ اللحظات الأولى للغزو العراقي الغاشم، سارع المجتمع الدولي لإدانة تلك الجريمة الكبرى بحق دولة الكويت وشعبها وتوحد الموقف على ضرورة انسحاب المعتدي دون قيد أو شرط من أرض الكويت التي عاث فيها فسادًا ودمارًا، في مسعى لطمس هويتها التي أبت أن تطمس، بنصر من الله وإرادة شعب هذا الوطن وقيادته، فلقد أبرزت محنة الغزو العراقي مدى تماسك الشعب الكويتي وصموده ومقاومته للاحتلال والدفاع عن بلاده سواء إن كان في الداخل أو الخارج والوقوف إلى جانب القياد الشرعية التي واصلت العمل الليل بالنهار لنصرة قضيتها العادلة.

وهنا، لن ينسى التاريخ في صفحاته البيضاء أبطال مؤتمر جدة الشعبي الذي احتضنته مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في 14 أكتوبر 1990، الذي كان بمثابة؛ بيعة ثانية من الشعب الكويتي لأسرة الصباح الكرام، ورسالة للعالم بالتفاف الشعب الكويتي حول القيادة السياسية، وملحمة في الوحدة وتجاوز الخلاف بسبب تعليق الحياة البرلمانية لاستعادة الوطن، لذلك يوصف ذلك المؤتمر الشعبي حتى الآن بالخطوة الأهم في استنفار العالمين العربي والإسلامي ودول العالم لتحرير الكويت.

ورغم فجاعة تلك الجريمة النكراء التي هزت العالم أجمع، لكونها جاءت من جار وشقيق، إلا أن الكويت، الواحة الوارفة الظلال للبشرية الجمعاء، ضربت مثالًا يحتذى في التسامح حينما تعرض العراق للاجتياح الأمريكي في عام 2003، حيث سارعت إلى مساندة الشعب العراقي حتى التحرير وبعده أيضًا، وحتى الآن تدعم أمنه وقضاياه.

الغزو العراقي.. جريمة هزت العالم

قبل ثلاثين عاماً، غزا صدام حسين دولة الكويت المجاورة وأعلنها “المحافظة رقم 19” للعراق. ربما جيل كامل من العراقيين والكويتيين لم يعرفوا لا تفاصيل ولا أحداث ذلك الغزو، هم فقط يلمسون بشكل مباشر أو غير مباشر النتائج الكارثية التي أدَّى إليها، ليس فقط في البلدين، لكن في المنطقة كلها.

من بغداد إلى البصرة، ومن كركوك إلى بابل، يجمع العراقيون على أن الغزو الذي أمر به الرئيس المخلوع صدام حسين بدأ في الثاني من آب/ أغسطس 1990 واحتلال الكويت الذي انتهى في السادس من آذار/ مارس 1991 بتدخل من تحالف دولي قادته واشنطن “كان بداية النهاية”.

فمنذ غزو الكويت لم ير العراق استقرارًا ولا أمنًا؛ إذ أن القائمة تطول بدءاً من الحصار، مروراً بالغزو الأمريكي والحرب الأهلية والعنف الطائفي، وصولاً إلى اجتياح تنظيم “داعش” للبلاد.

سجلت الكويت كل الدمار وعمليات القتل والتعذيب والسجن، وحددت خسائرها، وقدمت الأمم المتحدة الفاتورة إلى العراق. وخلال ثلاثين عاماً، دفعت بغداد 51 مليار دولار، ولا يزال العراق، الذي يشهد أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه اليوم، مديناً بنحو أربعة مليارات دولار.

نهب الثروات.. أسباب حقيقية للمستعمرين حتى اليوم

الحديث عن الغزو جاءت سيرته في العقود الثلاثة الماضية، ورويت تفاصيله من أكثر من مصدر، لكن اليوم وعبر البحث عن الأسباب العميقة والسائدة حتى اليوم في وقوع مثل ذلك الحدث الكارثي، فيمكن إجمالها في القول، إنها “شهوة التوسع من جهة، وفشل في إدارة الدولة القومية من جهة أخرى”، ذاك العاملان لم يتوقفا عن الفعل في تخريب المنطقة وتعطيل التنمية حتى اليوم، بل أنتجا الكثير من المآسي وما زالا يفعلان. حروب اليمن وسوريا والسودان وليبيا، إفلاس لبنان وتدهور الوضع في إيران، كلها لها مرجعية واحدة هي “جرثومة التوسع من جهة والفشل في إدارة الدولة من جهة أخرى”.

ويوجد اليوم مثالان صارخان على استمرار تلك الأسباب لدى المستعمرين، الأول طيب رجب إردوغان التي تعاني بلاده من مشكلات عميقة في الاقتصاد والبطالة والكثير من الفساد، فيتمدد إلى الخارج، والآخر في إيران علي خامنئي الذي يتمدَّد في الجوار العراقي والسوري واللبناني واليمني. قد يرى البعض أن هناك فرقاً بين شهية صدام حسين في التمدد وشهية أردوغان أو خامنئي، لكنه فرق في الدرجة وليس في النوع ولا المسار. هروب من استحقاقات في الداخل وتنمية روح توسعية في الخارج يخلق وهماً بالانتصار، لكنه وهم سرعان ما يرتطم بالحقائق على الأرض.

صدام حسين قبل ثلاثين عاماً كانت شعاراته لتبرير احتلال الكويت هو “تحقيق الوحدة العربية، وأيضاً طريق لتحرير القدس”! لا تختلف في العمق شعارات أردوغان وخامنئي عن ذلك إلا في الصياغة والتوقيت، وهما أول من يعلم أن كل ذلك لإخفاء الحقيقة، وهي التوسع والاستحواذ على الموارد لعلها تسد بعضاً من الطلب المتنامي لإنعاش الاقتصاد في الداخل. النتيجة كانت بالنسبة لصدام حسين هي التي نعرفها هدم العراق وتفتيته وتعريض موارده للنهب من الآخرين.

تصرف غير مسؤول

وبدوره، غرد السفير العراقي في الأردن، حيدر العذاري، على حسابه الشخصي في موقع “تويتر”، بمناسبة الذكري الثلاثين لغزو الكويت، واصفًا ما جرى بأنه “تصرف أرعن وغير مسؤول”.

ولفت رئيس البعثة الدبلوماسية العراقية في الأردن إلى أن غزو العراق للكويت في عهد صدام حسين “تحمّل تبعاته شعبان شقيقان جاران وأمة عربية بأكملها لسنوات طويلة”.

وقد استغرق إصلاح العلاقات بين البلدين 20 عامًا. ولم ترفع الأمم المتحدة العقوبات التي فرضتها في العام 1990، إلا في العام 2010، أي بعد سبع سنوات من سقوط نظام صدام حسين.

ورغم ذلك، لا تزال الخلافات الحدودية قائمة، إذ أن العراق يعترف بالحدود البرية التي رسمتها الأمم المتحدة في العام 1993، لكنه يعتبر أن حدوده البحرية تمنعه من الوصول إلى الخليج، وهو أمر حيوي لاقتصاده. ولذلك تعتقل البحرية الكويتية الصيادين العراقيين بانتظام.

المفقودون لا يزالون بالآلاف من الجانبين. وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لم تتم إعادة سوى 215 كويتيًا و85 عراقيًا.

التسامح الكويتي.. يظل معدنًا ثمينًا

لكن بالمجمل، تحسنت العلاقات بشكل كبير بين البلدين. وفي العام 2018 استضافت الكويت مؤتمراً للمانحين لإعادة بناء العراق، وكانت أوّل من ساهم بمبلغ ملياري دولار.

وتستعيد الكويت في ذكرى الغزو الغاشم صفحات مؤلمة من تاريخها لا يمكن نسيانها ولكنها في الوقت ذاته تضرب أروع الأمثلة في التعالي على الجراح والتسامح ومد يد التعاون مع العراق.

وتعد الزيارة التي قام بها أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى العراق في 19 يونيو 2019 دليلاً دامغاً على النوايا الكويتية النبيلة وخطوة صادقة نحو تعزيز الاتفاقيات السابقة بين البلدين وحل ما تبقى من أمور عالقة وتذليل العقبات أمام التعاون الثنائي في العديد من المجالات.

كما ارتكزت سياسة الكويت الخارجية تجاه العراق طوال تلك الفترة حتى عام 2003 على نقطتين مهمتين وهما أن النظام العراقي السابق لا يمكن الوثوق به والتعامل معه، وأن الشعب العراقي مغلوب على أمره وهو ضحية للنظام الحاكم وقتها.

ولذلك وقفت الكويت إلى جانب الشعب العراقي باعتباره شعباً عربياً مسلماً ترتبط معه بروابط الجوار والدين والدم، وقد قال الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في تلك الفترة: “نحن نفرق جيداً بين النظام والشعب ولا يسعنا إطلاقاً أن نسمع عن شعب شقيق يتعرض للجوع والفقر”، مؤكداً أن الكويت تساعد الشعب العراقي بعد التحرير بإرسال المعونات وخصوصاً للنازحين من الشمال والجنوب العراقي.
 

ربما يعجبك أيضا