في اليوم العالمي لـ “التلعثم”.. حملات دعائية رخيصة ونماذج مشرفة لا زالت تتحدى

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

في أمر ظنته شركة “بيتزاهت ” بالممكلة العربية السعودية فكاهيًا، قامت بنشر إعلان عن منتجاتها مكتوب عبر تكرار عدة حروف ليبدو كما ينطقه الأشخاص المصابون بـ”التأتأة”، الإعلان انتشر بشكل واسع بين المغردين الذين طالبوا بمعاقبة الشركة، حيث اعتبروه مسيئا لهذه الفئة من المجتمع، الأمر الذي دفع وزارة التجارة والاستثمار السعودية للتدخل في القضية.

لم تتوقع الشركة عدم تقبل الجمهور للإعلان واعتباره استهزاء جارحا على هذا النحو، حيث دشن مستخدمو تويتر هاشتاجا يدعوا لمقاطعة “بيتزاهت” السعودية، الأمر الذي أجبر الشركة على تقديم اعتذار عبر صفحتها الرسمية، تعترف فيه بأنّ الإعلان غير مناسب وأنّها قد اتخذت الإجراء اللازم في حق الشخص المخطئ، وستقوم بالتواصل مع الجمعيات الخاصة لتقديم الدعم والرعاية لفعاليات الفئة التي أساء الإعلان إليها.
ما هي “التأتأة”

“التأتأة” مصطلح شائع، يطلق على من يتعثر في النطق أو ينطق الكلمات بشكل خاطئ أو يأخذ وقتا طويلا في نطقها ويعتقد البعض أنها مشكلة لها علاقة باللسان وطريقة النطق، ولكن في حقيقة الأمر، هي اضطراب في النطق والتي تظهر في بداية الكلمات عادة، كما يكون التردد مصاحبا لبداية الكلام، ويعد التكرار السمة الأساسية لأعراض “التأتأة”، من خلال تكرار صوت معين أو كلمة معينة أكثر من مرة، ويصطحب التكرار أيضا سرعة في التحدث وارتجاف الشفاه والفك أثناء الحديث، وقد تلاحظ على الشخص الذي يعاني من “التأتأة” كثرة التنهد وصعوبة التنفس وشدته أثناء التحدث، كما تلاحظ تكرار بعض اللزمات عند النطق.

الذكور الأكثر عرضة

تقول الإحصائيات: إن الذكور أكثر عرضة لهذا المرض من الإناث، ومعظم هذه النسب تتراوح بين 3 و4 للذكور لكل 100 طفل، وللإناث 1 لكل 100 طفلة، وقد قامت العديد من الدول الأوربية بالتوعية بهذا المرض ومساعدة المرضى في العثور على العلاج المناسب.

يصيب مرض “التأتأة”، الأطفال من سن سنتين حتى سن 6 سنوات وغالبًا ما يختفي عند الكبر، ولكن هناك الكثيرون الذين يستمر معهم هذا المرض حتى الممات نتيجة عدم وعي الآباء بطريقة علاج أبنائهم من هذا المرض عن طريق الخضوع لجلسات علاج نفسية والابتعاد عن معاملته معاملة سيئة حتى لا تتفاقم المشكلة.

ويتسبب هذا المرض في فقدان المريض ثقته في نفسه حتى يشعر بأنه أقل من الجميع، بالإضافة إلى ابتعاده عن المشاركة الاجتماعية.

وقد تحدث “التأتأة” كنتيجة لعدم عمل الإشارات بين الدماغ والأعصاب والعضلات بشكل جيد، مما يؤثر على القدرات اللغوية وطريقة النطق وفي هذه الحالة يحتاج المريض إلى علاج فعال من طبيب مختص.

وأرجع العديد من المختصين تطور بعض حالات “التأتأة” إلى الجانب النفسي، والذي بسببه يستمر هذا العرض إلى مرحلة ما بعد المراهقة، ويكون في الغالب أسبابه القلق والإجهاد النفسي الشديد.

طرق العلاج

طبقا للمتخصصين يوجد هناك 3 طرق رئيسية لعلاج التأتاة وهي كالتالي :

– علاج الطلاقة اللغوية

السيطرة على معدل الكلام، عن طريق ممارسة الكلام على نحو سلس وبطيء جدًا وذلك باستخدام جمل وعبارات قصيرة.

– التحكم في التنفس

عندما يمارس المصاب بالتأتأة الجمل الطويلة أو الخطابات الطويلة فإنه يقوم أيضًا بتنظيم تنفسه بطريقة عشوائية.

– العلاج عن طريق تغيير أثر التأتأة

يقوم هذا العلاج على أنه إذا كان القلق أو الخوف هو أحد المسببات الرئيسية التي تحفز التأتأة، فإن محاولة التخفيف من حدة الخوف والقلق سوف يؤدي إلى التخفيف من آثار التأتأة.

وقد طور العالم “فان ريبر” عام ١٩٧٣ طريقة هذا العلاج وفق ٤ مراحل:

 التحديد

يقوم المختص والذي يعاني من التأتأة بتحديد السلوكيات الأساسية والثانوية والمشاعر والمواقف التي تحفز التأتأة.

الحساسية

في هذه المرحلة، يقوم الذي يعاني التأتأة بتعمد اختيار السلوكيات المصاحبة للتأتأة بهدف تخفيف حدة القلق أو الخوف المصاحبة لها.

التعديل

يتعلم الشخص التأتأة البسيطة والتي تعلمها وأتقنها في المراحل السابقة. سوف يتعلم أيضًا كيف يتعمد التأتأة وكيف يوقفها أحيانا. سوف يتعلم كيفية إعادة بعض الكلمات الصعبة أيضًا.

التثبيت

سوف ينتقل الشخص من تجربة مواقف مصطنعة وغير حقيقية إلى مواقف حقيقية مع الناس في الخارج.

 أجهزة الطلاقة الإلكترونية

بعض الذين يعانون من التأتأة يستجيبون وبشكل ممتاز لمثل هذا النوع من الأجهزة بينما الغير قد لا يستجيب لها.

 الكلام الملحن

القرآن الكريم وتجويده يساعد وبشكل ممتاز على التقليل من ظاهرة التأتأة، وهو وسيلة فعالة.

رغم التلعثم نجحوا

وفقا للإحصائيات التي أذاعتها أحد المواقع المتخصصة بـ”التلعثم” فإن عدد المصابين بـ”التأتأة” 70 مليون شخص حول العالم، والأمر ليس قاصرًا على بلاد العالم الثالث، حيث قلة الوعي الصحي والتربوي، بل إنه لم يسلم منه أيضا مشاهير الفن العالميين، ولكنهم نجحوا في مباشرة حياتهم بنجاح باهر، نذكر منهم..

الملك جورج السادس

تعتبر قصة الملك جورج السادس من أروع قصص تحدي التأتأة، فلم يكن الأمير الصغير وقتها يستطيع أن ينطق جملة بشكل صحيح، مما عرضه للكثير من السخرية وقتها.

استمرت حالة التلعثم مع الأمير حتى بعد وفاة والده الملك “جورج الخامس” وتولي شقيقه الحكم، وفجأة وبدون سابق إنذار وجد الأمير المتلعثم نفسه ملكا لإنجلترا بعدما قرر شقيقه “إدوارد الثامن” التخلي عن العرش وكان لزامًا عليه أن يلقي خطاب إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا النازية، وهنا كان التحدي.

لم يدع الملك “جورج الخامس” تلك المشكلة تؤثر عليه، وساعدته زوجته كثيرًا في ذلك واقترحت أن يقوم الطبيب “ليونيل لوج” المتخصص في علاج مشاكل النطق بتدريب زوجها، وبالفعل تمكن الملك جورج بعد تدريبات شاقة وعلاج مرهق من تخطي محنته، وألقى خطابه على جموع الشعب ليحظى بإعجاب الجميع وقتها.

كنيون مارتن

أصبح أسطورة الرياضة ولاعب كرة السلة الأشهر مصدر إلهام للأطفال المتلعثمين، حيث أعطى الكبار والصغار نموذجا للنجاح، بعد مكافحته لمشكلة اضطراب الكلام.

يقول “مارتن”: إن اضطراب الكلام كان حافزهالذي دفعه إلى الحصول على أعلى مستويات كرة السلة، ولقب بـ”اللاعب الوطني”، حين كان يلعب في جامعة سينسيناتي بيركاتس.

ستيف هارفي

لا يصدق البعض أن الكوميدي الساخر، صانع الضحكة والمقدم التلفزيوني والإذاعي الأمريكى ستيف هارفي، أحد هؤلاء الذين أصيبوا بالتلعثم في الصغر.

حياة “هارفي” كانت بائسة جدا، البؤس الذي صنع نجاحا وشهرة، فقد عانى منذ الصغر من “التلعثم” خاصة أمام الجمهور بسبب خوفه من الفشل، ففي أحد الأيام سأله معلمه في الصف السادس ما يريد أن يكون عندما يكبر، قال له أنه يحلم أن يكون على شاشة التلفزيون، فسخر المعلم من حلمه نظرا لحالته.. التهكم صار حافزا له في نجاحه الأبدي ليكون من أشهر الإعلاميين الأمريكيين.

مجرد لهجة أخرى

بدون تردد وبشجاعة بالغة وقفت الإماراتية “فرح القيسية” أمام كاميرات التصوير لتسرد قصتها مع “التلعثم”، كانت تملك من القوة ما يجعلها تجبر الأشخاص المتعلثمين الآخرين على الخروج إلى المجتمع والتعامل معه دون أي خجل باعتبار أن التلعثم مجرد لهجة أخرى ليس إلا.

لم تكن تعرف “فرح” أن الفيلم الوثائقي الذي سلط الضوء على حياتها “مجرد لهجة أخرى” سيجد طريقه إلى مهرجان “كان” الدولي في دورته الـ70، ليعرض ضمن ركن الأفلام القصيرة على هامش المهرجان، ويعرض الفيلم قصة مؤسسة مبادرة “التلعثم في الإمارات”، والتي عملت على أن تكون عبارة عن منصة لرفع التوعية لدى المتلعثمين والمجتمع المحيط بشأن أهمية التعامل مع التلعثم بشكل إيجابي وتقبله لتستمر الحياة دون أي عوائق.

يوّثق الفيلم ومدته 15 دقيقة حياة “فرح” لمدة 6 أشهر ليبدو وكأن المشاهد قد انتقل للعيش معها ليطلع على كل التفاصيل اليومية التي تقوم بها خصوصاً تلك المهمة التي تسخر نفسها من أجلها لتقدم يد المساعدة للآخرين سواء عبر إعطاء محاضرات أو إدارة ورش عمل مختلفة.

الفيلم كان قصيراً في مدته الزمنية إلا أن رسالته الإنسانية والاجتماعية كانت أعمق، وهو من إنتاج وإخراج “خديجة قدسي وسامية علي”.
https://www.youtube.com/watch?v=p1TubkzxPFY
https://www.youtube.com/watch?v=29MpCaaaVhE
https://www.youtube.com/watch?v=Zqprv-FeV_M

ربما يعجبك أيضا