في بحر الصين الجنوبي.. استفزازات صينية وترقب أمريكي حذر

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

استنفار عسكري صيني يلقي بظلاله على تصاعد التوتر في بحر الصين الجنوبي بين واشنطن وبكين، لينذر بنشوب حرب ما لم يتم التدخل لتفادي انعكاساته على السلام العالمي، بدأت بمناورات عسكرية صينية ضخمة وترقب أمريكي لإدارة بايدن التي تعتمد في مواجهتها مع الصين على تعزيز التحالفات، لكنه حتمًا لن ينتهي بمواجهة مسلحة بين واشنطن وبكين بسبب ما قد تتكبده الولايات المتحدة من خسائر هي في غنى عنها بسبب تداعيات كورونا.

مناورات صينية

قامت البحرية الصينية بعمل مناورات بالذخيرة الحية وشاركت فيها مدمرات وفرقاطات حديثة، كان مسرحها بحر الصين الجنوبي مستفيدة من عمليات التوسع التي قامت بها في إحدى القواعد البحرية في المنطقة، بهدف تأكيد جاهزيتها وقدرتها القتالية على مواجهة أي سيناريوهات عسكرية محتملة.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، نفذت الصين، التي تعتبر تايوان جزءًا من أراضيها، طلعات جوية شبه يومية فوق المياه الفاصلة بين الجزء الجنوبي من تايوان وجزر براتاس التي تسيطر عليها تايوان في بحر الصيني الجنوبي.

تأتي جهوزية الصين ومناورات المتزايدة في ظل تصاعد التوتر بينها وبين واشنطن بسبب النزاع على سيادة بحر الصين الجنوبي، ومخاوفها من الدعم الأمريكي المتنامي للنظام الديمقراطي في تايوان، خاصة خلال فترة إدارة دونالد ترامب التي انتهت يوم الأربعاء.

وفي سياق التوتر المتصاعد في المنطقة، صادقت الصين على قانون يجيز لحرس السواحل إطلاق النار على السفن الأجنبية، عند الضرورة.

ويفوّض القانون لخفر السواحل تدمير أي منشآت لدول أخرى مبنية على الشعاب المرجانية والجزر التي تطالب بها الصين، والاستيلاء أو أمر السفن الأجنبية التي تدخل المياه الإقليمية للصين بشكل غير قانوني بالمغادرة.

يذكر أن بكين تعتبر نحو 95% من بحر الصين الجنوبي ملكا خاصا لها، وتقول إن لها حقوقا تاريخية به، في حين تحتج جاراتها (تايوان، وفيتنام، والفلبين، وماليزيا، وبروناي) وتطالب بما تعتبره حقوقا لها في تلك المياه يكفلها قانون البحار الدولي.

بحر الصين الجنوبي هو ثاني أكبر مسطح مائي وهو جزء من المحيط الهادي، ومنه تمر حوالي ثلث تجارة العالم، أو ما قيمته 5.3 تريليون دولار سنويًا، حصة الولايات المتحدة من هذه التجارة 1.2 تريليون دولار، إلى جانب كونه معبر تجاري تمر منع سفن العالم ولذلك تتنافس عليه كلا من واشنطن وبكين.

صراع صيني – أمريكي

بفضل أهمية المنطقة الاستراتيجية هناك ثمة تنافس أمريكي – صيني، واتهامات متبادلة بين الجانبين لعسكرة هذه المنطقة، وهو ما يزيد التوتر القائم هناك بشكل مستمر لاسيما مع كثرة المناورات العسكرية بأحدث الأسلحة البحرية، وبرغم أن المنطقة لم تشهد صدامات مسلحة بين البلدين، فقد وقعت أحداث خطيرة عدة تنذر بصدامات مسلحة.

ويرى المحللون أن الولايات المتحدة تسعى لإثارة المشاكل مع الصين، بداية من هونج كونج والتبت وتايوان، مرورًا بالخلافات التجارية واستهداف شركات التكنولوجيا الصينية، ثم قضية بحر الصين الجنوبي التي تبدو أكثر خطورة من المحتمل أن تهدد طرق التجارة العالمية والسلم والأمن الدوليين.

وفي إطار التصعيد، أدى اختراق المدمرة الأمريكية «يو إس إس موستين» التي كانت تحمل على متنها صواريخ موجهة نحو المياه الإقليمية للصين بالقرب من جزر «باراسيل» في بحر الصين الجنوبي إلى زيادة التوتر في تلك المنطقة.

وفي المقابل، فإن الموقف الصيني بشأن بحر الصين الجنوبي ثابت وقائم على الالتزام بحل النزاعات المتعلقة بالسيادة من خلال المفاوضات مع دول الأسيان للحفاظ على السلام والاستقرار في تلك المنطقة، وهو ما حقق التعاون في مجالات البحث والإنقاذ البحري، وحماية البيئة البحرية، والبحث العلمي البحري وغيرها من المجالات.

في حين أن التدخل الأمريكي يثير الأزمات في تلك المنطقة، وبشكل واضح، برغم من أن الولايات المتحدة ليست طرفًا في النزاعات في بحر الصين الجنوبي، لكنها تدخلت مدفوعة بمصالحها الذاتية، لمنع الصين من أن تتحول لقوة عالمية رئيسية إذا ما تمكنت الولايات المتحدة من شل حركتها في تلك المنطقة، لذلك فإن صدام النفوذ في منطقة بحر الصين الجنوبي على وجه الخصوص يمثل عقدة الصراع في الوقت الحاضر بين القوتين الرئيستين في العالم، وهذا ما يفسر رفض إدارة ترامب إعلان تأكيد بكين سيادتها على بحر الصين الجنوبي ، فضلًا عن محاولات واشنطن تحريض الدول المحيطة ضدها.

وفي الخلاصة، فقد أفرزت الحسابات الأولية والتقديرات المبدئية لأي مواجهة مسلحة أميركية – صينية، في بحر الصين الجنوبي، أن هناك قصوراً في المجال البحري الأمريكي، مما يستدعي بحث واشنطن عن دروب ومسالك أخرى في التعاطي مع بكين، واعتبار خيار المواجهة المسلحة الورقة الأخيرة.

كيف ستتعامل إدارة بايدن؟

لا شك أن التوترات الأمنية ستظل متصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، خاصة فيما يتعلق بتايوان وبحر الصين الجنوبي، لكنها لن تمثل أولوية بالنسبة لإدارة بايدن الجديدة، والتي يتوقع أن توجه اهتماماتها للاستجابة للتداعيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لجائحة كورونا، ليتوجه بعدها إلى تعزيز التواجد الأمريكي بالمنطقة.

 يضاف إلى ذلك أن إدارة بايدن تعتمد على سياسة التحالفات لمواجهة بكين، ومن ثم سيوجه الأولوية لتعزيز تحالفاته كجزء من استراتيجيته في مواجهة الصين، لكنه قد يواجه صعوبات في ذلك، لأن كثيرًا من دول النانو ليس لها مصالح مباشرة في آسيا، وبالتالي لن تنخرط في صراع إقليمي مع الولايات المتحدة ضد بكين، بينما ستعتبر الصين أي محاولات لإنشاء دوريات إقليمية لحلف الأطلسي على أنها استفزاز.

ورغم سياسة ترامب تجاه الصين التي أدت إلى دفع العلاقات إلى ما وصفه العديد من الخبراء بأنه أدنى مستوى لها منذ الحرب الباردة، تعتزم إدارة بايدن الحفاظ على موقف متشدد تجاه الحزب الشيوعي الصيني، لكنه سيختلف أسلوبه في التعامل، حيث يسعى بايدن لتعزيز تحالفاته لمواجهة أي تهديدات صينية، وربما تصبح العقوبات هي الطريق الطبيعي الذي تسلكه إدارة بايدن حيال أي تهديدات أو استفزازات محتملة.

ربما يعجبك أيضا