في خطوة تاريخية.. تونس تجرم العنصرية بالدستور

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

تعرضت للتحرش الجنسي، في وضح النهار، أمام مقر إقامتي عندما كنت بصدد انتظار سيارة أجرة تقلني إلى الجامعة، لا أحد من حولي ممن شهد الحادثة قام برد فعل أمام هذه الواقعة ولا حتى أعوان الأمن، مثلت هذه الكلمات شهادة طالبة أفريقية وفدت من بلد جنوب الصحراء، تدرس بالجامعة الحرة بتونس“.

وأضافت الطالبة الأفريقية، عقب نقاش حول مشروع قانون مناهضة التمييز العنصري، “الجالية الأفريقية تتعرض يوميا لانتهاكات عنصرية، نشعر دائما بالخوف والظلم والإحباط”، متسائلة: كيف لهذا القانون أن يمكن من حماية حقوقنا ويغير عقليات التونسيين؟.

تباينت ردود الأفعال التونسية تجاه مصادقة برلمان بلادهم على قانون تجريم التمييز العنصري، ففي الوقت الذي اعتبره مواطنون انتصارا جديدا لمدنية تونس، انتقده آخرون بوصفه دليلا على ممارسة تونس للتمييز، فقد صادق البرلمان التونسي في 9 أكتوبر على أوّل قانون للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في البلاد، في نص كان ينتظر بترقب كبير اعتبرته منظمات مدافعة عن الأقليات “تاريخيا”.

وتتفق الدساتير في الدول العربية، في النص على تجريم التمييز بكافة صوره، غير أن تونس وحدها هي من بادرت بترجمة النص الدستوري في قانون يفرض عقوبة تصل للسجن 3 سنوات لأي مسؤول يمارس التمييز ضد المواطنين والمواطنات على أرضها، ورغم ذلك انتقد بعض المواطنين تصديق مجلس نواب الشعب التونسي على القانون.

خطوة عملاقة

يقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية “مسعود الرمضاني”: “إن القانون هو نقطة تحول مهمة في تونس، يضاهي قرار إلغاء العبودية”.

وأكد الرمضاني على أنه “خطوة عملاقة، ولكن يبقى الكثير من العمل لتطبيقه في مجتمع يعاني 10 في المئة من التونسيين ذوي البشرة السمراء والأفارقة من جنوب الصحراء الشتم والعنف الشديد في بعض الأحيان”.

وتابع “هناك إقرار بالعقاب، ولكن يجب بث الاحترام من خلال التربية”.

ومن جانبها، قالت عضو مجلس نواب الشعب “جميلة دبش الكسيكسي”: “إن الشعب التونسي وممثليه في البرلمان أجمعوا على ضرورة إقرار هذا القانون، فالحضور الكثيف الذي شهدته جلسة التصويت على القانون داخل مجلس نواب الشعب خير دليل على ذلك”.

وأشارت إلى أن القانون يعالج العادات والتقاليد البالية، ويصب في مصلحة كل الفئات المميزة عنصريا في تونس سواء أصحاب البشرة السوداء أو الأمازيغ، إضافة إلى  الأقليات المسيحية واليهودية والبهائية وغيرها.

السجن والغرامة

ينص المشروع على أنه يقصد بالتمييز العنصري على معنى هذا القانون، كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو غيره من أشكال التمييز العنصري على معنى المعاهدات الدولية المصادق عليها، والذي من شأنه أن ينتج عنه تعطيل أو عرقلة أو حرمان من التمتع بالحقوق والحريات أو ممارستها على قدم المساواة، أو أن ينتج عنه تحميل واجبات وأعباء إضافية.

ويعاقب بالسجن من شهر إلى عام وغرامة من 500 إلى 1000 دينار أو إحدى هاتين العقوبتين، كل من يرتكب فعلا أو يصدر عنه قول يتضمن تمييزا عنصريا بقصد الاحتقار أو النيل من الكرامة، وتضاعف العقوبة إذا كانت الضحية طفلا أو في حالة استضعاف بسبب التقدم في السن أو الإعاقة أو الحمل الظاهر أو الهجرة أو اللجوء، أو إذا صدر الفعل عن مجموعة أشخاص سواء كفاعلين أصليين أو مشاركين، أو إذا كانت لمرتكب الفعل سلطة قانونية أو فعلية على الضحية أو استغل نفوذ وظيفته.

كما يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وغرامة مالية من 1000 إلى 3000 دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يرتكب أحد الأفعال التالية، التحريض على الكراهية والعنف والتفرقة والفصل والعمل أو التهديد بذلك ضد كل شخص أو مجموعة أشخاص أساسه التمييز العنصري، أو نشر الأفكار القائمة على التمييز العنصري أو التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية بأي وسيلة من الوسائل، أو الإشادة بممارسات التمييز العنصري عبر أي وسيلة من الوسائل أو تكوين مجموعة أو تنظيم يؤيد بصفة واضحة ومتكرر التمييز العنصري أو الانتماء إليه أو المشاركة فيه أو دعم الأنشطة أو الجمعيات أو التنظيمات ذات الطابع العنصري أو تمويلها.

كما نص القانون على أنه إذا كان مرتكب الأفعال المنصوص عليها شخصا معنويا، يكون العقاب بغرامة من 5000 إلى 15 ألف دينار.
وصادق نواب البرلمان بـ125 صوتا على القانون، مقابل صوت واحد ضده، في حين امتنع خمسة نواب عن التصويت، ويبلغ عدد النواب في البرلمان التونسي 217 نائبا.

كرة القدم

كانت الحكومة التونسية قد أعلنت عن مشروع القانون لأول مرة قبل عامين ردا على موجة أعمال عنف طالت طلبة ومهاجرين من دول أفريقية بتونس.

والاعتداءات الأكثر إثارة للجدل ارتبطت خاصة بالأحداث، التي أعقبت خروج منتخب تونس من الدور ربع النهائي لمسابقة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم أمام البلد المنظم غينيا الاستوائية في 2015 بخطأ تحكيمي.

وأعقب ذلك اعتداءات أخرى متكررة من بينها تعرض ثلاثة كونغوليين للعنف الشديد بسلاح أبيض، ما دفع عدة طلبة أفارقة إلى الخروج للشارع والاحتجاج وسط العاصمة في ديسمبر 2016.

ويشتكي الطلبة القادمون من دول أفريقية أيضا من تباطؤ السلطات في إصدار بطاقات إقامة لهم وحرمانهم من الخدمات الصحية في المؤسسات العمومية.

ربما يعجبك أيضا