في ذكرى رحيل أم كلثوم.. الكوكب الذي أضاء الشرق

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

وإن كنت أقدر أحب تاني أحبك أنت

كل العواطف الحلوة بينا كانت معانا حتى في خصامنا

وإزاي تقول أنساك وأتحول وأنا حبي لك أكتر من الأول

وأحب تاني ليه وأعمل في حبك إيه …

اندفع الأطباء في مستشفى المعادي العسكري، يحاولون فعل أي شيء من أجل إنقاذ كوكب الشرق تجمعوا حولها وقاموا بتدليك القلب ودفع للأوكسجين بأكبر قوة ممكنة داخل رئتيها، وأخيرا حقنة في القلب نفسه، لكن القلب رفض أن يستجيب، لتموت في تمام الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم 3 فبراير 1975، لتحمل الصحف تفاصيل رحيلها، وجنازتها فكل الصحف اتشحت بالسواد، وحولت بعض الصحف لون “اللوجو” الخاص بها إلى اللون الأسود حزنا على رحيل “سيدة الغناء العربي”، واليوم تحل الذكرى الـ43 على رحيل “ثومة“.
                    

كوكب الشرق“.. هو اللقب الذي أطلقه الإذاعي “محمد فتحي”، على السيدة أم كلثوم، وهي أيضا “سيدة الغناء العربي”، أما لقب “قيثارة السماء”، فقد أطلقه عليها “طاهر الطناحي” في كتابه “حديقة الأدباء”، أما “ثومة” وهو اللقب الشعبي أطلقه الوسط الفني عليها وكذلك عائلتها.
ولكن طبقا لشهادة الميلاد فهي “فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي” ولدت في ٣١ ديسمبر ١٨٩٨… وبعد ١٩١٦ تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد، وأقنعا الأب بالانتقال بابنته الموهوبة إلى العاصمة ثم استقرت في القاهرة في ١٩٢٣، وبدأت بإحياء حفلات في قصور شخصيات معروفة، وفي ١٩٢٤ تعرفت إلى أحمد رامي عن طريق الشيخ أبو العلا في إحدى الحفلات.

واستمر التعاون بينهما طوال مسيرتها وكان مصدرا رئيسيا لتثقيفها ثم تعرفت على محمد القصبجي الذي بدأ في إعدادها فنيا ومعنويا.

الزعيم والست

تقف ” أم كلثوم” على المسرح لتصفق للرئيس “جمال عبد الناصر” الذى حضر حفلا لها وتقول: “سيدي الرئيس إنني كمواطنة مصرية، أحس بالفرحة العارمة بزيارتك، كما أشعر بالفخر لكل وطن تشرفه وليس هذا مقصورا على وطننا العربي، وأقدم لك كتاب الله الكريم ضارعة إلى الله أن يحرسك ويرعاك ويسدد خطاك ويبقيك حصنا للعروبة ورمزا لنصرها”.

علاقة صداقة وطيدة ربطت بين الست والزعيم بداية من حصار الفالوجة والنكسة حتى رحيل “عبد الناصر”.

خصص “ناصر” موجة تابعة للإذاعة المصرية أطلق عليها “إذاعة أم كلثوم”، وجواز سفر دبلوماسيا، وعملها في جمع التبرعات للمجهود الحربي المصري، جعلها هدفا مكشوفا للموساد إلى درجة طرح اسمها على لجنة خاصة بإقرار قوائم الاغتيالات، ثم إعداد عملية استخبارية، أطلق عليها “عيون البقر”، لابتزازها “أخلاقيًّا”؛ تمهيدا لتجنيدها للعمل لمصلحة إسرائيل، أو على الأقل دفعها إلى الكف عن دعم نظام الحكم في مصر بالمال.

في أواخر 1956 ذكرت أم كلثوم في حوار، أنها فتحت حسابًا في الفرع الرئيسي لبنك فرنسي في باريس، وخصصته لدعم المجهود الحربي المصري، وتبين من تتبّع “موساد” بالتعاون مع الاستخبارات الفرنسية لتلك المعلومة، أن المبلغ المودع في ذلك الحساب يعادل ثلاثة ملايين دولار، كانت تكفي في ذلك الوقت لشراء خمس مقاتلات، أو دزينة دبابات حديثة، أو ثلاثة زوارق بحرية هجومية.

ووفقا للصحفي “توفيق مجدي” في كتابه “أم كلثوم وموساد: أسرار عملية عيون البقر”، فإن الوكالة اليهودية استغلت العقود الغنائية لأم كلثوم من دون علمها من أجل تمويل الجامعة العبرية في فلسطين، علمًا بأن تلك العقود التي شملت إحياء حفلات في فلسطين والشام على مدى نحو عشر سنوات، تمت بمساعدة السياسي المصري اليهودي “يوسف قطاوي”، ويزعم الكتاب أن قطاوي نفسه ساعد في تربُّع أم كلثوم وحدها على عرش الغناء الذي كانت تتصدّره منافسة قوية هي منيرة المهدية.

الموساد كان يريد معرفة من يدير ملف أم كلثوم في المخابرات العامة المصرية بعيدًا عن التمويل، حيث إنها كانت تنقل الرسائل خارج مصر، وهناك الواقعة الشهيرة مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في إطار حفلاتها كان الرئيس جمال عبد الناصر يعطيها رسائل للملوك والزعماء لأنه لم يكن يريد إرسال مبعوثين رسميين حتى لا ترصدهم الأجهزة الاستخباراتية الأخرى.

جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح

كان حب رامي لـ”الست” مختلفًا، وربما لم تشهد الأوساط الفنية قصة حب حملت كل هذا القدر من الشجن والمشاعر والحرمان والفلسفة، أحبها لحدّ الولع لكنه لم يَبُح بمكنون صدره؛ لأنه كان يرى في الاعتراف ثم الزواج قتلا للحب أو على الأقل سيخفف من وهج وحرارة حبه لها.

 من حبه الشديد لأم كلثوم، قدم لها 137 أغنية، دون أن يتقاضى أي أجر، حتى سألته أم كلثوم مرة: “أنت مجنون لأنك لا تأخذ ثمن أغانيك”، فرد عليها  “نعم، أنا مجنون بحبك، والمجانين لا يتقاضون ثمن جنونهم، هل سمعتِ أن قيس أخذ من ليلى ثمن أشعاره التي تغنّى بها؟”.

تحدث ابنه “توحيد” – في حوار قديم مع الإذاعة المصرية عن حب أبيه لأم كلثوم- “سألته يوماً: الناس تقول إنك تحب أم كلثوم فهل هذا صحيح؟!.. قال لي: نعم. فقلت له: لماذا لم تتزوجها.. أجابني: لو تزوجتها سيكون الزواج سبباً في اعتزالها الغناء لأنني رجل شرقي ولن أسمح لها بالغناء.. ولم أكن أستطيع أن أقول فيها “سهران لوحدي أناجي طيفك الساري” وهي بجانبي في بيت واحد”.

وروى “توحيد” حال والده عند وفاة أم كلثوم “عندما علم برحيلها كسر القلم بعدها وهجر الشعر والناس، وجلس مريضًا بالاكتئاب النفسي لغيابها، وظل ينظر إلى الخاتم الذي أعطته هدية زواجه المكتوب عليه (OK) وظل هذا الخاتم في يده أربعين عامًا”.

طلب الرئيس الراحل أنور السادات من “رامي” في حفل تأبين “كوكب الشرق” أن يرثيها عام 1976، فقال..

قالوا عنها

ورغم تقدمها في السن إلا أن صوتها “تحدى قوانين الطبيعة” وفقا “لرتيبة الحفني” في كتابها “أم كلثوم معجزة الغناء العربي”: “الصوت عادة يشيخ مع التقدم في السن، لكن لم يحدث غير تغيير طفيف في صوتها في السنوات الأخيرة، وذلك بعد تخطيها سن الستين، وهو انخفاض في مساحات طبقات صوتها المرتفعة بينما احتفظت بجمال رنين صوتها”.

قالت مجلة “لايف” الأمريكية عام 1962: “في الساعة العاشرة ليلة الخميس الأول من كل شهر، يحدث شيء غريب في الشرق الأوسط، يهدأ الضجيج في شوارع القاهرة فجأة، وفي الدار البيضاء التي تبعد 2500 ميل إلى الغرب، يكف الشيوخ عن لعب الطاولة في المقاهي، وفي بغداد التي تبعد 800 ميل إلى الشرق، يحدث نفس الشيء، الكل ينتظرون برنامجا معينا تذيعه إذاعة القاهرة، مدة هذا البرنامج خمس ساعات، ويذاع ثماني مرات في السنة، ونجمته مطربة اسمها أم كلثوم”.

هي “قصة فتاة ريفية كبرت لتصير رمزا ثقافيا لأمة كاملة” برأي “فرجينيا دانيلسون” في كتابها “صوت مصر – أم كلثوم” وتضيف: “في جميع جوانب حياتها العامة كانت أم كلثوم تبرز قيما قومية، لقد ساعدت على تشكيل الحياة الثقافية والاجتماعية المصرية وعلى التعجل بتحويل الثقافة المصرية إلى أيدولوجية”.

وتقول هي عن نفسها في مذكراتها المنشورة بجريدة “الجمهورية – يناير1970”: “اتحرمت من كل حاجات البنت اللي في سنى، الهدوم الملونة الزاهية أم نص كم، ماكنتش ألبس في هذا الوقت غير الجلابية اللي كانت بتجرجر في الأرض، اللي لونها حشمة، ولو خرجت لازم ألبس الطرحة، ما كنش بيبان مني، غير وشي وبس”.
 
الوداع يا ست

بعد صراع مع المرض دام 100 ساعة وأمام أعين 10 أطباء لا يملكون شيئا، وهي تحاول محاربة المرض ولكن الموت كان أسرع، لتغادرنا صاحبة الصوت الأصيل، ويظل صوتها يشدو على مسمع من محبيها في العالم أجمع، فقد كانت جنازتها من أعظم 8 جنازات في العالم حيث بلغ عدد المشيعين 4 ملايين شخص كلهم هتفوا بصوت واحد “الوداع يا ست”.
https://www.youtube.com/watch?v=P2w0sYAWw_0
https://www.youtube.com/watch?v=G9MpISei5Fk

ربما يعجبك أيضا