في ظل كورونا.. “الاستخبارات” تطور مناهج تعليمية لجنود الجيش الإسرائيلي

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) هي واحدة من أجهزة الاستخبارات الضخمة والمُكلفة في إسرائيل، وتتبع الجيش الإسرائيلي، وتتركز مسؤولياتها في تأمين الحكومة من الوصول للتقييمات الاستراتيجية التي تدبر إسرائيل على أساسها سياساتها العامة، فيما يتعلق بالصراع مع الأطراف الإقليمية المحيطة.

تعتمد شعبة الاستخبارات (أمان) على أحدث مقومات التقنية والتكنولوجيا، إلى جانب العناصر البشرية اللائقة ذهنية، وذلك من أجل موافاة الجيش الإسرائيلي والدولة بالمعلومات الاستخبارية وتحديثات التقييمات الاستراتيجية التي تبلور إسرائيل سياساتها الأمنية والسياسية على أساسها.

تضم شعبة أمان الكثير من الأقسام المتخصصة، مثل جمع المعلومات، والاتصالات الخارجية، والرقابة والاستخبارات القتالية، وأقسام للاستخبارات البرية والبحرية والجوية، إلى جانب قسم خاص بالإعلام.

في ظل وباء الكورونا، زاد تداخل أجهزة الجيش والاستخبارات في المجتمع المدني الإسرائيلي، ابتداء من مساعي الحصول على أدوات وقاية وأجهزة صحية من خارج غسرائيل، مرورا بتطوير تكنولوجيا الوقاية من الفيروس ومنع التفشي، وانتهاء بنشاط تعقب المصابين بالفيروس، وحصر المناطق الأكثر إصابة، عبر تطبيقات تكنولوجية حديثة.

ومع زيادة حالات الإصابة بالوباء في صفوف عناصر الجيش الإسرائيلي؛ بدأت الأقسام البحثية المتخصصة بالاستخبارات العسكرية في تكثيف العمل على إيجاد وسائل جديدة للتدريب وتعليم أفراد شعبة الاستخبارات، الأهم بالجيش.

منظومة تعليمية جديدة

من هنا نشط قسم تكنولوجيا التعليم بشعبة الاستخبارات من أجل تطوير المنظومة التعليمية، لمواجهة الواقع الجديد الذي فرضه وباء كورونا، مع هاجس الموجة الثانية، والتوقعات بعودة كبيرة للتفشي ابتداء من الخريف القادم، ما لم يطور العالم فعليًا مصلًا مضادًا للفيروس.

تهتم شعبة الاستخبارات بتطوير المستوى الذهني للجنود، ورفع نسب الذكاء واللياقة النفسية لديهم بما يسمح بمواجهة التحديات التكنولوجية الحديثة، ومواكبة التطورات الكبيرة في مجالات التجسس والتعقب وجمع المعلومات وتكنولوجيا الابتكار، وهذا كله من أجل أن تصبح إسرائيل الدولة الأكثر تقدمًا في مجالات جمع المعلومات والتعقب والتسليح السايبراني.

المنهج المستجد في التعليم يقوم بتطويره قسم تكنولوجيا التعليم بالجيش، ويركز على السماح للمستخدمين بالبناء الذاتي للأنشطة، بشكل مستقل، ومن خلال السعي لتطوير الجندي كفرد ليتعمق في أساليب التعليم بنفسه، فيطور ذاته ويشعر بالاستمتاع في آن.

التعليم بالألعاب

المثير أن قسم تكنولوجيا التعليم يستعين في تطوير أنظمة تعليم الجنود بألعاب قديمة معروفة مثل لعبة الرموز إكس أو (X-O) أو لعبة العزف على الفلوت (Piccolo)، وهو ما يبدو غريبا، ومثيرا للدهشة، أن يتعلم جنود – من المفترض بهم أن يخدموا في أكثر قطاعات حساسية بالجيش الإسرائيلي- من خلال تطبيقات مستحدثة شبيهة بألعاب الأطفال والناشئة، ولكن الغرض من هذا، وفقا لرائد في قسم تطوير التعليم، هو “تغيير تصورات الجنود حول الدراسة والتعلم، وتحفيز نشاطهم وإثارة فضولهم، وبالتالي رفع نسبة ذكائهم”.

مواكبة عقول الجيل Z : – 

تستهدف أقسام التكنولوجيا ووحدات تطوير التعليم بشعبة الاستخبارات العسكرية مواكبة الموجات الجديدة من الجنود، الذين ينتمون جميعًا إلى الجيل Z  (أي الجيل الذي يلي جيل الألفية، وأغلبه من مواليد عقد الـ 2000)، وهذا الجيل يختلف اختلافا كليا عن سابقيه، في طرائق التفكير أساليب البحث، ومدى الحماس للتعلم بالطرق التقليدية، فعندما يحاول شاب من هذا الجيل في العثور على شيء ما، أول ما يقوم به هو البحث عنه من خلال جوجل، ومن هنا لا يرغب مسؤولو تكنولوجيا التعليم في الاستخبارات أن تكون منظومة الجيش التعليمية متأخرة عن عقلية الجنود، بل يسعى المطورون لمواكبة التسارع الكبير في التفكير، واستحداث طرق تعلم معاصرة لعقليات الجنود، في الوقت الذي برزت فيه مشكلة كبيرة تتمثل في عزوف قطاع كبير من الشباب الإسرائيليين عن الخدمة بالجيش الإسرائيلي، فتتحرك قيادات الجيش وشعب التطوير لاستحداث وسائل علمية طازجة ومسلية تكون جاذبة للشباب المجندين.

يركز قسم تكنولوجيا التعليم على تطوير مشروعات تعليمية مختلفة، ابتداء من خطوات تبسيط المعلومات العامة، لتسهيل استيعابها، عبر تحليلها، وتحويلها إلى مواد تعليمية مسلية، كمقاطع فيديو قصيرة وجذابة، ثم نقل المواد المُبسطة إلى مستوى تفاعلي بين الجنود، على غرار ألعاب الكمبيوتر التي يمارسها المراهقون والشباب والهدف من هذا تشجيع الجنود على اكتشاف الواقع، واكتساب المهارات الذاتية في المعرفة، في إطار من التسلية ولفت الانتباه.

عمل قسم تكنولوجيا التعليم بشعبة الاستخبارات العسكرية على تطوير المحتويات التعليمية في قوالب إلكترونية معاصرة، بالاعتماد على الانترنت ووسائل التعليم عن بعد، مثل المساق التعليمي المعروف موك (MOOC)، الذي يتيح المشاركة بين عدد كبير من المتعلمين، وخلق ميادين للنقاش والحوارات العامة بين المتعلمين في مسارات افتراضية عبر الانترنت.

كذلك يتحرك مطورو نظم التعليم الجديدة في تنمية المتعلمين بالجيش الإسرائيلي عبر تقنيات التعلم الرقمية، ليس فقط مع بداية التحاقهم بالجيش، وإنما قبل بداية الخدمة العسكرية، ويستمر هذا الأسلوب التعليمي مع الجنود بعد خروجهم من الخدمة.

الجيش يتوغل في الدولة: 

مع بداية شهر مارس، ازدادت حالات الإصابة بفيروس كورونا، وبمرور الوقت كذلك تزايدت حالات الإصابة في صفوف مجندي الجيش، وصولا إلى مستويات الرتب الأكبر من القادة، مما استلزم إجراءات احترازية للتباعد، وقررت قيادة الجيش الإسرائيلي سلسلة من القيود التي أثرت على عمل الوحدات العسكرية المختلفة، مما دفع شعبة المخابرات العسكرية لابتكار أساليب جديدة لتعليم الجنود عن بعد.

مصادر من شعبة الاستخبارات صرحت بأن الطرق الجديدة للتعليم ليست مستقاة من الحياة العسكرية فقط، وإنما متأثرة بشكل كبير بأساليب التعليم المدنية، ومن ثم تصلح الأفكار الجديدة للتطبيق على منظومة التعليم المدنية بجانب تعليم جنود الجيش الإسرائيلي، في ظل المستجدات الصحية والاجتماعية الجديدة التي فرضها وباء الكورونا.

مع سيطرة الوباء، والتكهنات باستمراره لفترة أطول، وبالتالي تغير البيئة العامة، على المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتأكيد العسكرية، أصبح الجيش الإسرائيلي أحد اللاعبين الأساسيين الذين يتحركون لتحديد أُطر الحياة العامة في إسرائيل، سواء بوضع تقييمات الاستراتيجيات الأمنية للدولة في إطار التحديثات الإقليمية، أو بالتدخل في السياقات المرتبطة بالمجتمع المدني الإسرائيلي، ومن ثم تأتي خطط تطوير التعليم في إطار تحركات شعبة الاستخبارات العسكرية لاجتذاب المجندين الجدد، واستيعاب العقلية المختلفة للشباب الإسرائيلي، في وقت ترتفع فيه حدة الصراعات السياسية وتتوغل الشخصيات ذات الخلفيات العسكرية في مناصب مدنية وسياسية عامة، مما يجعل الجيش الإسرائيلي بوحداته المختلفة المحرك الفعلي للسياسة العامة لإسرائيل في جميع المجالات، ليس في مجال التعليم فحسب، وهذا ليس مستجدًا في إسرائيل المعروفة بـ”جيش له دولة”.

ربما يعجبك أيضا