في فرنسا.. أجهزة مخترقة وماكرون يعتبرها معركة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

“معركة دون هوادة” ضد التطرف الإسلامي، هكذا أعلنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب الحادث الدموي الأخير، الذي أسقط 4 عناصر من الشرطة في قلب العاصمة باريس على يد زميل لهم اعتنق الإسلام، لكن تصريحاته لاقت استهجانًا كبيرًا، لاسيما في ظل خلل الأجهزة الأمنية وسوء إدارة وزير داخليته للملف الأمني، في سابقة اعتبرتها المعارضة “فضيحة دولة”، الأمر الذي سيعيد فرنسا سنوات للوراء في ملف مكافحة الإرهاب.

حادثة في القلب

في قلب العاصمة الفرنسية، قرب كاتدرائية نوتردام، دخل مقر شرطة باريس، لقي 4 عناصر من الشرطة بينهم امرأة مصرعهم طعنًا بالسكين على يد زميل لهم يعمل في مديرية الاستخبارات في المقر، عمدت قوات الأمن إلى قتله لاحقًا.

ووفقًا للتحقيقات الأولية، فإن “ميكايل آربون” البالغ من العمر 45 عامًا، تبنى فكرًا متطرفًا، واختلط بأشخاص مقربين من الأوساط الأصولية، بينما كان موظفًا تقنيًا في جهاز استخبارات مقر شرطة باريس.

وخلال عمليات البحث عن شركاء محتملين للجاني، يحاول المحققون استيضاح طبيعة المعلومات التي قد يكون المعتدي وصل إليها من خلال عمله في مقر الشرطة حيث كان يعمل منذ عام 2003 بصفة تقني.

إضافة إلى ذلك، ذكر زملاء له في التحقيق أن الجاني عبّر عن “فرحه” بالجريمة التي أصابت أسرة تحرير مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة بداية عام 2015، والتي كانت نقطة الانطلاق لسلسلة من العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا وأوقعت 246 قتيلاً ومئات الجرحى.

وبفضل القرائن المادية والشهادات الحية التي توصل إليها التحقيق القضائي، اتسعت دائرة تداعيات هذه المقتلة وتحولت إلى قضية سياسية وتكاثرت التساؤلات حول كيفية حدوث عمل إرهابي داخل ما يفترض أن يكون حصناً أمنياً.

ويأتي هذا الهجوم الدموي غداة مشاركة آلاف من عناصر الشرطة في باريس بـ”مسيرة غضب”، في تحرّك غير مسبوق منذ نحو 20 عاماً، وجرت الدعوة إليه بسبب أزمات داخلية تشهدها المؤسسة وارتفاع نسب الانتحار وإصلاح المعاشات التقاعدية.

مخاوف وانتقادات

ثمة مخاوف لدي المحققين من أن يكون منفذ الهجوم قد استفاد من طبيعة عمله التي تتيح له الاطلاع على محتويات كمبيوترات قسم المخابرات لينقل المعلومات لأطراف أخرى، خصوصاً أنها قد وجدت لوائح بأسماء عدد من رجال الأمن العاملين لصالح المخابرات الداخلية مع أرقام هواتفهم وعناوينهم الخاصة.

من جانبه، اعترف وزير الداخلية كريستوف كاستانير بوجود خلل في عمل الأجهزة الأمنية بالنظر إلى أن دلائل التشدد والراديكالية قد ظهرت على سلوكيات “آربون”، وهو عكس تصريحاته الأولية عقب الحادثة.

ويسعى وزير الداخلية إلى تبرير ما تراه المعارضة خطأ فادحا؛ لا بل “فضيحة دولة”، من خلال شهاداته المتلاحقة لتوفير إجابات مقنعة عن تساؤلات النواب والسياسيين والرأي العام.

وهذه هي المرة الثالثة التي يكون فيها هدفاً لمعارضيه بعد الانتقادات العنيفة التي استهدفته بصدد إدارته السيئة لملف “السترات الصفراء”، ثم في موضوع غرق شاب في نهر لوار الذي ينساب في مدينة نانت (غرب فرنسا) الصيف الماضي بسبب تفريق رجال الأمن احتفالاً موسيقياً شبابياً في ساعة متأخرة.

وأضاف كاستانير -الذي أكد أنه لا ينوي الاستقالة- أنه تم منع حوالي 59 هجومًا إرهابيًا من قبل الشرطة الفرنسية، بما في ذلك 3 منذ بداية العام الجاري، وعقب الهجوم الأخير أعلن أن مستوى خطر الإرهاب في فرنسا حاليا يتراوح بين مرتفع ومرتفع جدًا.

ما سبق دفع رئيس الوزراء أدوار فيليب إلى تكليف جهاز مراقبة المخابرات بالتحقق من أساليب الكشف عن مؤشرات التطرف لدى العاملين في مجال مكافحة الإرهاب وكيفية معالجتها، وسط مخاوف من أن يكون الجاني قد تم تجنيده من قبل داعش.

مأساة الإسلام في فرنسا

 هكذا عنونت صحيفة “لاكروا” افتتاحيتها، قائلة إنها لحظة صعبة للغاية لمسلمي فرنسا، ضحايا هجمات خارجية يقودها كتاب ومفكرون من اليمين المتطرف، وضحايا أيضا لهجوم من الداخل انعكس من العملية الإرهابية الأخيرة التي نفذها رجل اعتنق الإسلام، وقتل أربعة من زملائه داخل مقر شرطة باريس التي تعتبر من أكثر الأماكن تحصينًا في فرنسا.

إنه تعصب في منتهى درجاته، وعلى المسلمين ان يتساءلوا عمّا يمكن ان يدفع شخصا ما إلى ارتكاب مثل هذه الاعمال الوحشية باسم دينهم، لتفادي الخلط بين المؤمنين الذين يمارسون دينهم بكل أريحيّة وبين الإرهابيين الذين ينفذون أعمالهم باسم الدين.

ومن هذا المنطلق، ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمته خلال تشييع وتكريم جثامين الضحايا، التي غلب عليها الطابع السياسي ولغة التشدد، واعدًا بشن “معركة بلا هوادة ضد الإرهاب والتطرف”، لكنه سارع بعدها لإيضاح أن هذه الحرب “ليست ضد الديانة الإسلامية” بل ضد “الوحش الأصولي”، داعياً الفرنسيين جميعًا إلى التعبئة لمواجهة هذا الوحش.

لكن تصريحاته ماكرون لم تكن كافية، كما نوهت صحيفة “لوفيجارو” التي أكدت أنها لن تبدد الذهول والسخط الذي خلفه الهجوم الجديد الذي استهدف قلب الدولة.

وفي الحرب ضد “التطرف الإسلامي” تعترف “لوفيجارو” بانه تم احراز تقدم منذ سبع سنوات، ولكن الطريق لا يزال طويلا لتجاوز الثغرات والنقائص غير المفهومة التي برزت من خلال الهجوم الدموي الأخير.

ولا شك أن هناك مخاوف لدي الحكومة الفرنسية من عودة الموجات الاحتجاجية على خلفية احتجاجات السترات الصفراء التي تطلقها بين الحين والأخر، لاسيما وأن الحادث الاخير كشف اختراق الأجهزة الأمنية الفرنسية من قبل إسلاميين متطرفين.

ربما يعجبك أيضا