في فرنسا.. «العامل البرتقالي» يعيد حرب فيتنام للواجهة

عبدالمقصود علي

“العامل البرتقالي” مادة استخدمها الأمريكيون في فيتنام ولا تزال تتسبب في ولادة أطفال بعيوب خلقية وإصابات بالسرطان وإعاقات، وفي فرنسا أعادت هذه المادة الكيميائية الحرب الفيتنامية للواجهة من جديد، بعد أن خذل القضاء أحد الضحايا.

خلال الحرب مع فيتنام، استخدمت القوات الأمريكية قنابل وموادًا كيميائية سامة تحرق كل شيء، النباتات والحيوانات والبشر، والخسائر في نهاية الحرب كانت مروعة: 1.7 مليون قتيل، و3 ملايين جريح ومشوه، و13 مليون لاجئ، لكن العواقب لم تتوقف أبدًا، لأن المواد التي ألقتها الولايات المتحدة لا تزال تسمم أجيالًا.

تران تو نجا

من بين هؤلاء الضحايا تران تو نجا، وهي امرأة فرنسية فيتنامية تبلغ من العمر 82 عامًا، تخوض منذ عام 2014، معركة قانونية مدنية ضد شركات تنتج “العامل البرتقالي” الذي استخدمه الجيش الأمريكي في فيتنام.

تران تو نجا

تران تو نجا

صحيفة “فان مينيت” الفرنسية سلطت الضوء على هذه المادة بعد أن رفضت محكمة الاستئناف في باريس، طلبات تران تو نجا، ضد 14 شركة كيماوية زراعية تنتج أو تسوق هذه المادة شديدة السمية التي استخدمت أثناء الحرب.

ما هو العامل البرتقالي؟

العامل البرتقالي مبيد أعشاب فائق السمية تم إلقاؤه في الغابات خلال حرب فيتنام. وهو مركب ديوكسين ذو قوة سامة “هائلة للغاية”، أكبر بـ13 مرة من قوة مبيدات مكافحة النباتات، مثل الجليفوسات على سبيل المثال، كما تقول فاليري كابانيس، المحامية في القانون الدولي.

طائرة تسقط العامل البرتقالي في حرب فيتنام

طائرة تسقط العامل البرتقالي في حرب فيتنام

هذه المادة السامة تلوث التربة وتسمم النباتات والحيوانات، ولا تزال العواقب الصحية على السكان المعروفة حتى يومنا هذا (السرطان والتشوهات)، حيث قامت شركة مونسانتو (التي اشترتها شركة باير الألمانية عام 2018) والشركة المصنعة الأمريكية “داو كيميكال” بتسويق هذا المركب الكيميائي.

لماذا استخدمته أمريكا خلال الحرب؟

أسقط الجيش الأمريكي مئات الليترات من هذا المبيد بين عامي 1962 و1971 على الغابات والمحاصيل الفيتنامية واللاوسية لمنع تقدم “المتمردين الشيوعيين”. وقد انتقلت العواقب الصحية لهذا الديوكسين المسرطن والمشوّه، الذي يهاجم جهاز المناعة، إلى الأجيال اللاحقة، وهو ما يشكل “إبادة جماعية” حقيقية، كما تقول تران تو نجا، التي قدمت شكوى عام 2014 ضد 14 شركة قامت بتصنيع أو تسويق هذا “العامل البرتقالي”.

ضحايا العامل البرتقالي

ضحايا العامل البرتقالي

ووفقا لفاليري كابانيس: “يولد حوالي 6000 طفل في فيتنام مصابين بتشوهات خلقية” سنويًا. ويقول مسؤولون في هانوي إن ما يصل إلى 3 ملايين فيتنامي تعرضوا لمزيج سام من المواد الكيميائية التي تسبب السرطان والعيوب الخلقية والأمراض العصبية. ولكن ينبغي عدم الخلط بين “العامل البرتقالي” وبين النابالم، وهو مركب كيميائي آخر استخدمته الولايات المتحدة لمحو القرى خلال الحرب نفسها.

لماذا يعود هذا المركب الكيميائي للواجهة؟

في فرنسا، قضت محكمة الاستئناف في باريس بأنه لا يمكن محاكمة شركة “باير مونسانتو” و13 شركة أخرى للمنتجات الكيماوية الزراعية، أنتجت أو قامت بتسويق هذه المادة شديدة السمية المستخدمة أثناء حرب فيتنام، معتبرة أن طلبات تران تو نجا “غير مقبولة”.

وذكرت محكمة الاستئناف في حكمها “أن طلبات السيدة تران تو نجا تتعارض مع حصانة الولاية القضائية التي تستفيد منها الشركات”. وبذلك أكدت حكم محكمة مدينة “إيفري” القضائية، التي قضت عام 2021 بأن الشركات، بما في ذلك “باير مونسانتو، وداو كيميكال، وهيرقل” تصرفت بناءً على أوامر ونيابة عن الدولة الأمريكية ولذلك يمكنها المطالبة “بالحصانة من الولاية القضائية” ، إذ لا توجد دولة ذات سيادة تخضع دولة أخرى ذات سيادة لولايتها القضائية.

وعقب الحكم، أعلن المحاميان ويليام بوردو وبرتران ريبو، أن السيدة الثمانينية، التي علمت بالقرار منهما وموجودة الآن في مدينة هو تشي منه، تنوي الاستئناف أمام محكمة النقض. ومن جهتها، وصفت الجمعية الفيتنامية لضحايا العامل البرتقالي/الديوكسين، قرار محكمة الاستئناف في باريس بأنه “إنكار من العدالة لضحايا العامل البرتقالي” وأكدت في بيان صحفي أنها “لن تستسلم”.

هل كانت هناك دعاوى أخرى؟

في الولايات المتحدة، أدت المعركة ضد “العامل البرتقالي” عام 1970 إلى ظهور مصطلح “الإبادة البيئية” لوصف التدمير المتعمد للبيئة. وبينما جرى تعويض محاربين قدامى من قِبَل شركات معينة دون إجراء محاكمة، رفضت المحاكم عام 2005  شكوى الجمعية الفيتنامية على أساس أن “العامل البرتقالي” كان مبيدًا للأعشاب وليس سلاحًا  كيميائيًا.

لماذا تواصل تران تو نجا هذه المعركة؟

ولدت تران تو نجا عام 1942، وعندما بلغت من العمر 24 عامًا، أي في 1966، كانت تعمل صحفية ومقاتلة في المقاومة الفيتنامية، وتغطي الحرب التي شنتها الولايات المتحدة، وعانت من انتشار العامل البرتقالي، الذي ألقت أمريكا حوالي 100 مليون لتر منه بين عامي 1961 و1971 من أجل تدمير الغابات التي يعيش فيها السكان، ولا تزال حتى اليوم المناطق المتضررة ملوثة.

تران تو نجا

تران تو نجا خلال مؤتمر صحفي في مقر الاتحاد العام للفيتناميين الفرنسيين بباريس

وروت تران تو نجا، خلال مؤتمر صحفي في أبريل الماضي، أنه “مرت الطائرة وخلفها سحابة بيضاء. يسقط منها العامل البرتقالي بسرعة كبيرة، وهكذا وجدت نفسي محاطًة بسائل لزج، وبدأت على الفور في السعال والاختناق”.

توفيت ابنتها، المولودة عام 1969، بسبب عيب في القلب بعد “17 شهرا” من ولادتها، مضيفة أن ابنتيها الأخرتين وأحفادها يعانون من “أمراض خطيرة”، بينما تعاني تران تو نجا من “مرض السل المزمن والسرطان والسكري من النوع الثاني”.

ربما يعجبك أيضا