في ليبيا.. ظلام “طريق السكة” يبتلع اللاجئين

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

خلف سياج من الأسلاك التي تغلق معسكر “طريق السكة” وسط طرابلس، تحتجز السلطات الليبية حوالي 300 لاجئ، في ظروف صعبة أشبه بالكابوس، ما أدى إلى إصابة العديد منهم بالأمراض، حيث إنهم يتركون ليموتوا أو يتعافوا دون أي شعور بالمسؤولية، بالإضافة إلى نقص شروط الصحة العامة، إذ يعاني المخيم نقصا حادا في المراحيض.

رغم ضخ الاتحاد الأوروبي ملايين الدولارات لتحسين أوضاع المهاجرين، إلا أن طريق السكة، والعديد من مراكز الاحتجاز تشهد أوضاعا مأساوية وغير إنسانية، وسوء معاملة أرهقت المهاجرين الفارين من ويلات الحروب.

مرحبا بكم في الجحيم

وتقول صحيفة “الجادريان” البريطانية، في تقرير للكاتبة فرانشيسكا مانوتشي، “إن الأوضاع في المعسكر لم يكن من المفترض أن تكون هكذا”، خاصة بعد تقارير التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، والرغبة في وقف تدفق الأشخاص إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، والتي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى ضخ أكثر من 110 مليون جنيه إسترليني منذ عام 2016 لتحسين ظروف المهاجرين في ليبيا، قبل إرجاعهم إلى بلدانهم وفق شروط إنسانية، لكن الأمور الآن أسوأ من ذي قبل، حيث تؤكد الشهادات من تلك المراكز، انتشار التعذيب والترهيب فيها، ضد مئات المهاجرين الأفارقة.

“مرحباً بكم في الجحيم”، يقول رجل مغربي من داخل معسكر الاحتجاز، وهو ينظر إلينا بدون ابتسامة، وهو يجلس وسط رجال يبدو القلق على وجوههم خلف سياج معسكر “طريق السكة”، وإلى جانبه جلس آخر يدعى محمد من غانا، ويقول إنه نجا من غارة جوية على مركز آخر في يوليو الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 53 من زملائه المهاجرين.

ظروف “طريق السكة” قاسية، لكن المراكز الأخرى أسوأ حالا، حيث تهجم المليشيات المحلية على المعسكرات ليلا وتخطف اللاجئين بغرض طلب الفدية من ذويهم، مما دفع عشرات الآلاف من المهاجرين بالانتشار في جميع أنحاء المدينة خوفا من أن تطالهم الحرب الأهلية، بحسب الصحيفة.

منذ ثورة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي لم تعرف ليبيا سوى الفوضى، وفي عام 2014 اندلعت حرب أهلية طاحنة في جوانب متفرقة من البلاد، وتحولت ليبيا إلى مركز لتهريب المهاجرين من ثلاث قارات يحاولون الوصول إلى أوروبا.

وقد بلغ عدد الوافدين ممن يرغبون في اللجوء أكثر من نصف مليون شخص، ما اضطر الاتحاد الأوروبي لتشديد قواعد الهجرة، وضبط الحدود منعاً لتزايد الأعداد القادمة من أفريقيا وغيرها.

يصطف المئات يوميا خارج مبنى تجمع ومغادرة اللاجئين التابع للأمم المتحدة، الذي أطلق عليه المهاجرون إسم الفندق، أملا في الحصول على تذكرة الطائرة السحرية، تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التي تدير المركز، إنه لم يعد هناك رحلات جوية، ما لم تقدم دول خارجية أماكن لجوء.

وتؤكد الأمم المتحدة، أنها أقامت مكتبا في حاوية وأحاطته بسياج وسط العاصمة طرابلس، لفحص اللاجئين واختيار المؤهلين منهم للسفر إلى أوروبا عبر النيجر، ورواندا، لكن هناك 45 ألف لاجئ مسجل في ليبيا وفي العام الماضي اختير 2300 لاجئ فقط، للسفر.

تعذيب 

يتحدث المهاجر الغاني محمد، بمرارة بعد إعادته إلى مركز طريق السكة، أنه لا يستطيع حتى الحصول على هاتف يتحدث فيه إلى زوجته لبضع دقائق يطمئنها خلالها على أحواله، ويقول: “آخر مرة تحدثت فيها إلى زوجتي كانت الليلة التي حاولت فيها عبور البحر مهاجرا نحو أوروبا، حين أخذ الجنود أموالي وهاتفي، ومن يومها لا تعرف زوجتي إذا كنت حيا أم ميتا”.

ومن بين المتجمعين عند السياج، تقف نفيسة سعيد موسى، 44 سنة، قادمة من دارفور بجنوب السودان، بعد إحراق قريتها ومقتل زوجها واثنين من أبنائها الثلاثة، تنتظر بفارغ الصبر عند سياج مكتب الأمم المتحدة مع ابنها عبدالله. 

وبعد سنوات قضتها نفيسة في مخيمات اللاجئين الأفارقة مع ابنها عبدالله، 27 عامًا، انضمت العام الماضي إلى 14 عائلة سودانية أخرى، واستطاعوا تجميع المال والتوجه إلى ليبيا.

في جنوب ليبيا، تعرض عبدالله للتعذيب القاسي من قبل الميليشيات المسلحة، التي أجبرته على دفع 2700 جنيه استرليني لإطلاق سراحه، واستغرق منه الأمر شهران ليجمع المبلغ، وتظهر علامات التعذيب على جسده بعضها آثار كي واضحة، وحروق بسبب إطفاء أعقاب السجائر على جلده، وتقول نفيسة: “لدي حلم واحد.. حياة كريمة، والحلم الأوروبي لابني” .

تشديد أوروبي

يقول مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئي فيليبو غراندي، الذي يدير المركز، أنه لا يوجد لديه مزيد من الرحلات الجوية، ما لم تقدم الدول أماكن لجوء”، مضيفا: “لا يمكننا تعزيز أنظمة اللجوء في ليبيا لأنها في حالة حرب”.

وفي الوقت الذي تتوقف فيه لرحلات الجوية، أصبح التهريب عن طريق البحر أصعب، خاصة بعد الصفقة المثيرة للجدل التي أبرمتها إيطاليا مع ليبيا منذ عامين، والتي دفعت فيها روما 90 مليون يورو لتدريب خفر السواحل الليبي.

وأدى الاتفاق لخفض أعداد المهاجرين إلى إيطاليا، من 181.000 في عام 2016 إلى 9.300 هذا العام، حيث اعترض خفر السواحل الليبي معظم قوارب التهريب، وإرسال المهاجرين على متنها إلى معسكرات الاعتقال.

يقول باولو بيزاتي، من منظمة “أوكسفام”: “لقد جمعنا شهادات عن التعذيب والاغتصاب والقتل في معسكرات الاعتقال، لقد سمحت الاتفاقية التي وقعتها الحكومة الإيطالية مع ليبيا في فبراير 2017 بهذه الانتهاكات التي لا توصف”.

لغز

بالنسبة للمهاجرين والليبيين على حد سواء، فإن موقف العالم الخارجي يعتبر “لغزا محيرا”، فهو يرسل المساعدات ويوبخ ليبيا لسوء المعاملة، ومع ذلك لا يقدم أي مخرج للمهاجرين، بحسب “الجارديان”.

“نرى مسؤولو الأمم المتحدة على شاشات التلفزيون، وهم يهتفون أنهم لم يعودوا يرغبون في رؤية الناس يموتون في البحر، يقول أسعد الجفير، عامل الهلال الأحمر الليبي، الذي يتجول في الشوارع لتقديم المساعدة للمهاجرين، أتساءل ما هو الفرق بين رؤيتهم يموتون في البحر وتركهم يموتون في منتصف الشارع؟، الرجال يتعرضون لخطر الاختطاف وإجبارهم على القتال من قبل الميليشيات، والنساء يخاطرن بالتعرض للإيذاء الجنسي”.

 وتابع الجفير “غالبًا ما تنام النساء في الشوارع القريبة من مراكز الشرطة بحثًا عن الأمان، وخوفًا من الاغتصاب، لكن هذا يجلب خطرًا جديدًا، يعتقدون أن 50 مترا من قاعدة للشرطة قريبة بما فيه الكفاية لحماية أنفسهم، لكن هذه هي الأهداف الأولى للقصف”.

ربما يعجبك أيضا