قراءة تحليلية في «فورين أفيرز».. ما مستقبل العلاقات بين الهند وروسيا؟

آية سيد
منافسة أمريكية روسية.. من يربح القوى الوسطى؟

على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، والعقوبات الغربية على روسيا واعتماها المتزايد على بكين.. هل تنتهي الشراكة الطويلة بين الهند وروسيا؟


نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية تحليلًا لباحثين هنديين، يسلطان الضوء على مستقبل العلاقات بين الهند وروسيا.

ويرى الخبير بمركز آسيا في معهد الولايات المتحدة للسلام، سمير لالواني، أن الهند ليست مستعدة للتخلي عن شراكتها مع روسيا، في حين يرى الأستاذ المساعد في الدبلوماسية بجامعة جواهرلال نهرو الهندية، هابيمون جايكوب، ضعف شراكة الهند وروسيا.

علاقة مستمرة

قال سمير لالواني إنه بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير 2022، اصطف الكثير من الديمقراطيات العالمية، لإدانة روسيا والدفاع عن أوكرانيا، إلا أن الهند لم تفعل هذا، ما جعل العديد من الحكومات تعرب عن إحباطها من الموقف الهندي.

وبسبب رد الفعل العنيف، الذي تعرضت له نيودلهي، اعتقد بعض المراقبين أن الهند قد تغيّر مسارها، وتنفصل عن روسيا، لكن لالواني يرى هذه مجرد تطلعات، وليست إمكانات واقعية، لأن بلاده ليست مستعدة للتخلي عن تلك الشراكة المهمة.

ويقترح الباحث الهندي أن يخطط صناع السياسة الأمريكيون، وفقًا لحقيقة أن العلاقات بين الهند وروسيا مستمرة، ويساعدوا نيودلهي في إدراك أن موسكو عبء، لكن دون معاقبتها على علاقاتهما المستمرة، طالما يمكنهم الاعتماد على بلاده في لعب دور أكبر في مواجهة النفوذ الصيني في الهندوباسيفيك.

فجر كاذب

استعرض المحللان تصريحات المسؤولين الهنود وأفعالهم كدليل على محاولة الابتعاد عن موسكو، مثل تصريح رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن “اليوم ليس عصر الحرب”. وتصويت الهند، في بعض الأوقات، ضد روسيا في الأمم المتحدة، وألغت مشتريات أسلحة روسية بمليارات الدولارات.

وأوضح لالواني أن تصريح مودي تعبير عن القلق بشأن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، أكثر من كونه عتابًا على السياسة الروسية. وامتنعت الهند عن التصويت الأهم بالأمم المتحدة، على ضم روسيا غير القانوني لـ4 مقاطعات أوكرانية، أكتوبر الماضي.

وأضاف أن إلغاء مشتريات السلاح الروسي يتعلق بمحاولة تعزيز الإنتاج المحلي، في حين لم تلغ الهند الصفقات الكبرى، مثل دفاعات إس-400 الجوية، والفرقاطات والغواصات النووية.

صعوبة الانفصال

يشدد الباحث الهندي على أن نيودلهي لا تستطيع الانفصال عن موسكو، لأن الأخيرة تلعب دورًا مهمًّا في الحسابات الجيوسياسية الهندية، وتدعم ترسانتها العسكرية، وتحظى بشعبية لدى النخبة السياسية الهندية. ووفق بحث أجراه لالواني، يؤمن مسؤولو الأمن القومي الهنود بقدرة روسيا على البقاء قوية، رغم العقوبات الغربية.

ويعتقد القادة الهنود أيضًا أن الحرب في أوكرانيا ستصل إلى الجمود العسكري، وستنتهي باتفاقية لوقف إطلاق النار، ثم تسوية مستقبلية تسمح لروسيا بإعادة الاندماج في المجتمع الدولي. وتمتلك نيودلهي قناعة بأن الكرملين سيظل قوة جيوسياسية مهمة تستطيع مساعدتها في مجلس الأمن وتوفير التكنولوجيا الصاروخية والنووية.

وفيما يقلق بعض المراقبين من اعتماد روسيا المتزايد على الصين، يرى المسؤولون الهنود أن التوترات المستمرة في العلاقة بين البلدين، بسبب آسيا الوسطى والقطب الشمالي، ستمنع روسيا من الاعتماد الكامل على الصين.

رؤية مشتركة

يلفت لالواني إلى وجود بعض التوجهات الأيديولوجية المشتركة، التي تُبقي على صداقة الهند وروسيا، فالمسؤولون الهنود والروس يتبنون رؤية “متعددة المراكز” للنظام العالمي، فلا تسيطر قوة مهيمنة واحدة على النفوذ، وتحافظ القوى العظمى على دوائر نفوذها.

وإضافة إلى هذا، تحافظ النخب السياسية الهندية على تقارب مع روسيا، متأصل في عقود من التعاون مع الاتحاد السوفيتي. وكذلك يتعاطف الشعب الهندي مع روسيا. وأظهر استطلاع، في يوليو الماضي، أن أغلبية الهنود رفضوا وصف الحرب الروسية الأوكرانية بـ”الخطأ”. ويوجد استطلاع، في سبتمبر الماضي، بأن الهنود يحمّلون الغرب مسؤولية الحرب.

حقيقة مزعجة

يرجح لالواني أن التحول في العلاقات الهندية الروسية سيكون بطيئًا، وعلى الرغم من علاقات نيودلهي بموسكو، فإن شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة مهمة، لأن واشنطن أهم شريك في التنمية الاقتصادية والتكنولوجية للهند.

ويراهن صناع السياسة الغربيون بقوة على أن نيودلهي متأرجحة في النظام الدولي، لموازنة صعود الصين ودعم النظام القائم على القواعد.

وتهتم الهند بتوازن القوى في الهندوباسيفيك، لذلك، إذا استطاع صناع السياسة الأمريكيون مواصلة الاعتماد عليها في تحقيق التوازن ضد الصين في منطقة جوارها، سيكون من السهل على واشنطن تقبل تكلفة شراكة نيودلهي المستمرة مع موسكو.

تحول جذري

في المقابل، يرى هابيمون جايكوب أن لالواني يقلل من شأن التحول الجذري الحالي. ويقول جايكوب إنه بعد زيارته لروسيا في ديسمبر الماضي، عاد إلى نيودلهي باعتقاد جازم بوجود عوامل هيكلية وتعقيدات جيوسياسية تُضعف قوة العلاقة بين البلدين.

ويشير الأكاديمي الهندي إلى وجود شبه إجماع في الهند على أن المخاوف بشأن الصين تشجع صناع السياسة على الابتعاد عن روسيا، وأن الحرب الروسية الأوكرانية تسرع ذلك الاتجاه.

خيار صعب

وفق جايكوب، وضعت الحرب الهند أمام خيار صعب بين روسيا والولايات المتحدة والشركاء الغربيين. وعليه، فإن موقف بلاده يفرض عبئًا غير متوقع على الدبلوماسية الهندية، وسياسة الانحياز المتعدد.

وعلى الرغم من أن موقف نيودلهي المتضارب في بداية الحرب جعلها محط الاهتمام الغربي والروسي، فإنه لن يستمر هذا الاهتمام، وقد تكون التداعيات المنهجية لهذه الحرب على الهند سلبية وممتدة.

وأوضح أن نيودلهي ستمتلك مساحة ضيقة للمناورة في عالم منقسم إلى معسكرات متعارضة، ولأن تأثير الحرب في أسعار السلع العالمية يضر الاقتصاد الهندي بالفعل، وستحافظ نيودلهي على علاقات تجارية مع موسكو، ولكنها ستواصل الابتعاد عنها بما يتوافق مع استراتيجيتها الكبرى للتقارب مع الغرب، من أجل تحقيق التوازن مع الصين.

مستقبل علاقات الهند وروسيا

يرى جايكوب أن مسار الحرب في أوكرانيا سيحدد مستقبل العلاقات بين الهند وروسيا، فهزيمة الأخيرة ستؤدي إلى اعتمادها الأكبر على بكين وابتعاد نيودلهي، وإذا استمرت الحرب ستتدهور علاقة نيودلهي بموسكو، وستضطر إلى البحث عن شركاء موثوقين، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا.

ومن العوامل الأخرى، التي تحدد علاقة الهند وروسيا، موثوقية إمدادات الأسلحة، وبسبب الحرب والعقوبات على صادرات أشباه الموصلات، عجزت موسكو عن تسليم منظومات أسلحة معينة إلى الهند، ما يُضعف حماس نيودلهي للسلاح الروسي، وتقلق كذلك من احتمالية اعتماد روسيا على الرقائق الصينية في أسلحتها.

وختامًا، يقول الأكاديمي الهندي إن علاقة الهند وروسيا أصبحت علاقة تجارية يشوبها عدم اليقين، وقد تستمر كذلك لفترة، لكن إذا فشلت روسيا في الوفاء بوعودها الدفاعية للهند، أو ازداد قلق الأخيرة من علاقات روسيا بالصين، قد تبتعد أكثر عن موسكو.

ربما يعجبك أيضا