القمة الصينية الروسية في سمرقند.. هل تعكس صعود «أوراسيا»؟

رنا أسامة

هل يعكس لقاء الرئيسين الصيني والروسي على هامش قمة منظمة شنجهاي للتعاون بأوزبكستان صعود منطقة أوراسيا على المسرح السياسي العالمي؟


بينما تقيّم الصين تطورات الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة، يبقى لقاء الرئيسين، الصيني شي جين بينج، والروسي فلاديمير بوتين، في أوزبكستان، يوم الخميس الماضي، حدثًا بارزًا.

وقال مدير دراسات المخاطر الجيوسياسية والاستراتيجية بمعهد كوينسي الأمريكي، سارانج شيدور، في مقاله المنشور بموقع “ريسبونسيبل ستيتكرافت“، إن التقلبات داخل منظمة شنجهاي للتعاون تستحق اهتمامًا كبيرًا بالتزامن مع الاجتماع السنوي للمنظمة مدينة سمرقند الأوزبكية.

فاعلية أوراسيا

يرى شيدور أن صعود منظمة شنجهاي للتعاون يعكس انخراط أوراسيا على نحو أكثر فاعلية وتنسيقًا في السياسة العالمية، حتى مع استمرار التوترات والتناقضات الكبرى في المنطقة.

وبالرغم من أن منظمة شنجهاي للتعاون تمثل 40% من سكان العالم و30% من الناتج المحلي الإجمالي عالميًّا، فإنها لا تزال أقل شهرة من حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي حين أن المنظمة التي تأسست عام 2001 ومقرها في بكين ليست تحالفًا عسكريًّا صراحة، فإنها المنظمة الإقليمية الأولى التي تغطي أوراسيا.

من نزاع حدودي إلى تعاون إقليمي

يلفت شيدور إلى أن الصين تقاربت مع روسيا في التسعينات بشأن نزاع حدودي مثير للجدل، شمل 3 جمهوريات سوفيتية، كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، حتى جرت تسويته في العام 2005.

واستمرت المحادثات الحدودية حتى بعد حصول الجمهوريات الثلاث على استقلالها عند انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991، ما أفضى في نهاية المطاف إلى تسوية شاملة مكنت الدول الخمس، التي انضمت إليها أوزبكستان لاحقًا، من إرساء الأساس لمنظمة جديدة. بيد أن منظمة شنجهاي للتعاون لم تتوقف عند آسيا الوسطى، وبدأت في التوسع مؤخرًا.

توسع لا مركزي

في عام 2017، منحت المنظمة الهند وباكستان عضوية كاملة. وخلال القمة التي انطلقت بالعاصمة الطاجيكية دوشنبه، يوم 17 سبتمبر الحالي، بمناسبة الذكرى 30 لتأسيسها، صادقت أيضًا على منح إيران عضوية كاملة، في تطور وصفه شيدور بأنه مهم للغاية، تزامنًا مع المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي. كما قدمت بيلاروسيا طلبًا مماثلًا، ما يدع أفغانستان ومنغوليا فقط دولتين بصفة مراقب بالمنظمة.

ونوه شيدور في مقاله بأن منظمة شنجهاي للتعاون كيان لا مركزي، وتضم دولًا تحمل صفة شركاء حوار، وهي خطوة تلي وضع مراقب، بما في ذلك أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا. وخلال قمة سمرقند الأوزبكية، حصلت 3 دول عربية، هي السعودية ومصر وقطر، على تلك الصفة، مع البدء في إضافة البحرين والكويت والإمارات وجزر المالديف وميانمار كشركاء حوار.

بيد أن انضمام أعضاء جدد لا يعد مؤشرًا على وجود اتساق كبير داخل منظمة شنجهاي للتعاون، بحسب شيدور الذي استشهد في ذلك بحالة الصعود والهبوط داخل الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، أشار إلى أن المنظمة التي أسستها دول غير ليبرالية لا تزال محط اهتمام خارجي واسع، وهو أمر جدير بالملاحظة.

دافع غير معلن

تتبنى منظمة شنجهاي للتعاون مبادئ، من بينها السيادة وسلامة الأراضي والمساواة والمنفعة المتبادلة، وحل مختلف القضايا بالمشاورات المتبادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فضلًا عن مكافحة التطرف والإرهاب، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة في هذا الصدد.

ولكن يوجد دافع غير المعلن لكنه واضح للمنظمة، بحسب شيدور، ممثل في بناء هيكل موازٍ مشابه جيوسياسيًّا للتحالفات التي تقودها الولايات المتحدة. من خلال اجتذابها كبريات الدول في جنوب الكرة الأرضية، كما مصر والهند وباكستان وتركيا وإيران، فإن المنظمة برسالة بشأن التقارب بين الشرق والجنوب.

علامة فارقة

بالعودة إلى لقاء الرئيسين الصيني والروسي، قال شيدور إن الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة علامة فارقة لمستقبل أوراسيا ومنظمة شنجهاي للتعاون، مرجحًا أن تلقي الانتكاسات الروسية الأخيرة بظلالها على العلاقة بين موسكو وبكين.

ومن المفارقات، وفق شيدور، أنه بالرغم من توسيع روسيا والصين لمنظمة شنجهاي للتعاون، بضم أعضاء جدد من جنوب آسيا والشرق الأوسط، فإن الدول الأعضاء الأساسيين مثل كازاخستان تنفصل على نحو متزايد عن روسيا مع استمرار الحرب. وفي حين وسعت المنظمة جدول أعمالها، ليتجاوز الأمن والإرهاب إلى الاقتصاد والتكنولوجيا ومجالات أخرى، يتوقع أن تمثل الديناميكية الروسية الصينية العامل الأساسي الذي يحكم آفاقها المستقبلية.

الاحتواء المزدوج

بحسب شيدور، يوجد دوافع قوية لاستمرار التقارب بين موسكو وبكين، ومن المرجح أن تدوم، بما في ذلك ما أسماه استراتيجية الاحتواء المزدوج التي تمارسها الولايات المتحدة تجاه قوتين عظميين بحجم قارتين، كما روسيا والصين.

وذكر أن تحالف العقوبات الغربية الذي تقوده الولايات المتحدة ضد روسيا، لم يضم أي أطراف من خارج أوروبا واليابان وأستراليا، في حين تقاوم معظم الدول بإفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا بشدة الانضمام لذلك التحالف. وأبدت إندونيسيا، المقرر أن تستضيف قمة مجموعة العشرين المرتقبة، استعدادها لشراء مزيد من النفط الروسي.

صعوبات كبرى

مع توسع منظمة شنجهاي وصعود أوراسيا، واجهت واشنطن صعوبات كبرى لمواجهة بكين، ولم تُظهر دول الآسيان أي اهتمام مطلقًا بالانضمام إلى تحالف احتواء الصين، في حين بقت كوريا الجنوبية على مسافة من زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، التي وصفت بالمتهورة، إلى تايوان في أغسطس الفائت.

وفي حين أيّدت الهند استراتيجية واشنطن تجاه الصين، فإن الروابط الروسية الصينية لم تمنعها من الاقتراب أكثر من روسيا، وهو الأمر الذي قد يدفع بدوره نيودلهي وبكين للتراجع، ولو تدريجيًا، عن مواجهة محتملة على إثر نزاعهما الحدودي.

وأضحت الهند ثاني أكبر مشتر للنفط الروسي، وحضر رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، قمة شنجهاي، واجتمع مع الرئيس الصيني للمرة الأولى منذ الاشتباك الحدودي بين البلدين في يونيو 2020، ما يظهر جليًا، بحسب شيدور، أن نيودلهي ممزعة بين أوراسيا والهندوباسيفك.

الاستراتيجية الكبرى

بالنظر إلى كل ما سبق، يبدو أن واشنطن تبذل ما في وسعها لجعل أوراسيا أكثر تدهورًا وتداخلًا، لكن بعيدًا عن التشدق بالكلام الدبلوماسي، زعم شيدور أنه يوجد محاولة نشطة جارية لتقويض سياسة الصين الواحدة، التي أسهمت بصفة غير مباشرة، إلى جانب القومية الصينية، في تجميد أنواع أخرى من التعامل مع بكين مثل تغير المناخ.

واختتم شيدور مقاله بالقول إن الاستراتيجية العسكرية في أوكرانيا ليس لها نظير دبلوماسي، غير أنه عندما يتعلق الأمر بالاستراتيجية الكبرى، فقد تكون واشنطن أسوأ عدو لها.

ربما يعجبك أيضا