قنبلة موقوتة.. أزمة «تجنيد الحريدم» تعصف بالمجتمع الإسرائيلي

«تجنيد الحريدم» أزمة تعصف بالمجتمع الإسرائيلي.. ما الجديد؟

محمد النحاس

يبدو أن تجنيد الحريدييم بات أمرًا لا مفر منه لكن الغالبية العظمى من قادتهم، ما زالوا يقاومون فكرة الخدمة العسكرية وقد قادوا سلسلة من الاحتجاجات الغاضبة ضدها.


أعلن الجيش الإسرائيلي عن صدور استدعاءات للشباب الحريديم بدءًا من يوم الأحد المقبل، بهدف تجنيدهم في خضم الحرب على قطاع غزة والتصعيد مع حزب الله اللبناني على الحدود الشمالية.

يأتي القرار في ظل معارضة واسعة النطاق من قبل المتدينين، وفي إطار برنامج تعزيز دمج أفراد المجتمع الحريدي في صفوف القوات الإسرائيلية، لذا “سيبدأ إصدار أوامر الاستدعاء يوم الأحد 21 يوليو 2024″، حسبما ذكر بيان الجيش، فما الذي نعرفه عن القضية؟ وما جذورها؟ وكيف تنذر بانقسام يعصف بالداخل الإسرائيلي؟ 

تجنيد الحريديم

“القوات الإسرائيلية تعمل على تجنيد أشخاص من جميع قطاعات المجتمع بالنظر إلى الاحتياجات المتزايدة في هذا الوقت، في ظل التحديات الأمنية”، حسب البيان.

هذه الأوامر تمثل المرحلة الأولى في عملية الاختيار والتقييم التي تجريها قوات الدفاع الإسرائيلية للمجندين الجدد، بموجب قرار المحكمة العليا الصادرة في 25 يونيو، حسب تقرير لمعهد أورورا ومقره الولايات المتحدة. 

وجراء النقص المزمن في الأفراد، قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي هذا الأسبوع تقديم تشريع إلى الكنيست لتمديد الخدمة العسكرية الإلزامية 4 أشهر للرجال وبعض النساء، على مدى السنوات الخمس المقبلة.

احتجاجات واسعة

استدعاءات الجيش الإسرائيلي لم تمر مرور الكرام، وإنما جاءت بعد عاصفة من الانتقادات، فقد حذر يوسي يهشوع، المعلق العسكري في “يديعوت أحرونوت”، من مُعارضة واسعة النطاق من المجتمع الحريدي.

وقال: “سوف يفاجأون عندما يسمعون أن الأوامر قد صدرت بالفعل يوم الأحد، سواء في النظام السياسي أو في الشارع الحريدي، سيكون هناك تداعيات في الساعات القادمة”.

وبالفعل سرعان ما اندلعت احتجاجات في عدة مناطق من إسرائيل، فيما شنت قوات الأمن الإسرائيلية حملة اعتقالات، ونظم اليهود الحريديم العديد من الاحتجاجات في الأسابيع الأخيرة ضد دمج شبابهم في قوات الدفاع الإسرائيلية بالقوة، بعد أن أمرت المحكمة العليا الحكومة باتخاذ تدابير لزيادة عدد الشباب المتدينيين الذين يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية قبل أسابيع.

أعمال شغب

في الليلة الماضية، هاجمت مجموعة حريدية اثنين من ضباط قوات الدفاع الإسرائيلية في بني براك، على أطراف تل أبيب، وكانا في المدينة لاجتماع بشأن إنشاء كتيبة حريدية.

وأدان هذه الحادثة قطاعات واسعة من الساسة، بما في ذلك يوآف جالانت ويتسحاق غولد كنوف، زعيم حزب يهدوت هتوراة الحريدي، الذي يلعب دورًا أساسيًا في ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو.

وبعد إعلان القوات الإسرائيلية، أغلق العشرات من الحريديم طريق سريع  وسط إسرائيل، وهي مظاهرة وصفتها الشرطة بأنها “غير قانونية” وطلبت تفريقها.

خطوة لا مفر منها

يبدو أن تجنيد الحريدييم بات أمرًا لا مفر منه لكن الغالبية العظمى من قادتهم لا زالوا يقاومون فكرة الخدمة العسكرية، وقد قادوا سلسلة من الاحتجاجات الغاضبة ضدها، وأصدر بعض أكبر الحاخامات المتشددين أوامرهم الخاصة بالتجنيد، وهي: تجاهل أوامر الجيش.

الإعفاء، الذي جرى تمديده من خلال أحكام خاصة حتى بضعة أشهر مضت، كان دائمًا مصدرًا للجدل، وخصوصًا بعد بدء الحرب في غزة المستمرة وزيادة متطلبات الجيش من ناحية الكوادر البشرية والتصعيد على الحدود مع لبنان مع حزب الله. 

وقبل 3 أسابيع، قررت المحكمة العليا أنه “لا يوجد أساس قانوني لاستثناء الحريديم من التجنيد”، وأنه إذا لم يخدموا في الجيش، فلا ينبغي عليهم تلقي المنح الدراسية والتعليمية الممولة من المال العام.

أزمة داخل الجيش

وزير الدفاع يوآف جالانت وافق الأسبوع الماضي على إرسال أوامر التجنيد للحريديم، ولم يحدد عدد الشباب الحريديين المطلوبيين للتجنيد، لكن إجمالًا فإن العدد حوالي 63 ألفًا تنطبق عليهم متطلبات التجنيد.

مع ذلك، نوهت القوات الإسرائيلية بالفعل من أنه بحلول 2024 قد تتمكن من تجنيد 3 آلاف فقط، حيث أن اليهود الحريديم لديهم متطلبات خاصة في مجالات مثل النظام الغذائي أو العيش مع النساء، ويجب على القوات الإسرائيلية استيعاب المجندين الجدد في كتائب خاصة بهم.

لكن ورقة سياسة طرحها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي شددت على أن تجنيد 3 آلاف من الحريديم فقط لا يلبي الاحتياجات الحالية والتي تقدر بحوالي 20 ألفًا، وبالتالي لا يمكن تلبية هذه الحاجة الملحة، حسب المعهد، إلا بتعبئة الحريديم بأعداد أكبر بكثير من تلك التي ذكرتها الخدمات الأمنية.

الموقف الشعبي

وفقًا لصحيفة “هآرتس”، فإن الجيش يخطط لتجنيد 9 آلاف حريدي فقط على مدى العامين المقبلين، أي حوالي ثلث الذين سيبلغون الثامنة عشرة بين الآن ويوليو 2026. 

في المقابل، كان معدل التجنيد للذكور الإسرائيليين اليهود غير الحريديين يتراوح بين 85 و89 % وفقًا لأحدث البيانات، وبحسب المعهد يتعيّن على الجيش والحكومة أن ترى في تجنيد الحريديم ليس فقط كالتزام وفقًا لأحكام المحكمة العليا، ولكن أيضًا كخطوة أساسية للحفاظ على بقاء “جيش الشعب، والاقتصاد الإسرائيلي، والمجتمع، وكذلك لتلبية الاحتياجات الأمنية”.

وتشير استطلاعات الرأي إلى تأييد شعبي واسع لإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد العسكري في إسرائيل.

انقسام سياسي

سياسيًا، فإن التحديات التي تواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في هذا السياق قد تكون كبيرة، في الوقت الذي يبدو فيه الرأي العام داعماً لإلغاء الإعفاء، فقد تعهد حزبان متزمتان دينيًا، هما يهدوت هتوراه وشاس، بالتصدي لأي محاولات لإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد، كما يهددان بالانسحاب من الحكومة، ما قد يعني انهيار ائتلاف نتنياهو، في المقابل يدعم جالانت المشروع. 

وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون التجنيد، الذي تمت الموافقة عليه في القراءة الأولى، لا زال قيد النقاش في الكنيست. 

جذور الأزمة

منذ تأسيس دولة إسرائيل في 1948، يتم إعفاء الشباب الذين يدرسون بدوام كامل في المدارس التلمودية (يشيفوت) من الخدمة العسكرية، والتي تعتبر إلزامية لمعظم المجتمع الإسرائيلي (يتم إعفاء العرب الإسرائيليين أيضًا)، وقدم ديفيد بن جوريون، أول رئيس للوزراء، استثناءات لعدد من الطلاب الحريديم من الخدمة العسكرية ليتمكنوا من التركيز على الدراسة الدينية، وكان هذا الإجراء يهدف لحماية المعرفة والتقاليد اليهودية.

منذ ذلك الوقت، تحولت الإعفاءات إلى قضية شائكة تتصاعد مع تزايد أعداد الطائفة الحريدية، التي تشكل حاليًا أكثر من 13% من سكان إسرائيل، ومن المتوقع أن تصل إلى حوالي ثلث السكان خلال الأربعين عامًا المقبلة بفضل معدل الولادات المرتفع، وتستند معارضة الحريديم للالتحاق بالخدمة العسكرية إلى إيمانهم العميق بالهوية الدينية، حيث تخشى العديد من الأسر أن تؤدي الخدمة في الجيش إلى إضعاف هذه الهوية.

وفي حين يؤدى بعض رجال الحريديم الخدمة العسكرية، يفضل معظمهم البقاء خارجها، مما يساهم في تفاقم الانقسامات الاجتماعية بين الحريديم والعلمانيين في إسرائيل. ويعيش العديد من الحريديم على التبرعات والمعونات الحكومية بدلاً من العمل لكسب المال، بينما تعمل العديد من زوجاتهم بأجور منخفضة. يعيش الحريديم غالبًا في أحياء متدينين، حيث يركزون على دراسة الدين والالتزام بأسلوب حياتهم الديني.

ربما يعجبك أيضا