كاتبان روسيان في «فورين أفيرز»: ما ملامح عالم ما بعد بوتين؟

محمد النحاس

يخشى الغرب من توابع سقوط النظام الحالي في روسيا، فهل هذا الخوف في محله؟ وكيف يمكن أن تبدو روسيا دون بوتين؟


يحترز بعض الغرب من إرسال أسلحة كفيلة بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، خشية سقوط نظام بوتين، لما يمكن أن يسببه من فوضى بالمنطقة.

وفي مقابل هذا التصور، يوجد تصور آخر، وهو أن إنهاء الحرب بالنصر الأوكراني من شأنه “القضاء على قوة استبدادية، وسيعزز الديمقراطية حول العالم أيضًا”، وفقًا للكاتبين، جاري كاسباروف وميخائيل خودوركوفسكي.

عام حاسم

حسب المقال المنشور في مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، يوم الجمعة 20 يناير 2023، فإن هذا العام، سيكون حاسمًا في الحرب الروسية الأوكرانية، إذا ما صمد الغرب، ودعم أوكرانيا بأسلحة هجومية، تحسم بها كييف المعركة.

ومن المرجح، وفق المقال، أن يؤدي هذا الدعم إلى سقوط نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى أن كاتبي المقال، ينتميان إلى مجموعة روسية داعمة للديمقراطية.

حتمية الهزيمة

تشكلت هذه المجموعة من معارضي بوتين في المنفى، مايو العام الماضي، وتهدف هذه المجموعة إلى تعويض أوكرانيا على نحو عادل، ومحاسبة “مجرمي الحرب”، وتحويل روسيا إلى جمهورية اتحادية برلمانية على أسس ديمقراطية.

وحسب الكاتبين، ستؤدي الهزيمة العسكرية لروسيا إلى تلاشي “الهالة المفروضة حول بوتين”، وستكشف أيضًا فشل مشروعه التوسعي، وستحوّل الحكم في البلاد من مركزية موسكو إلى تركز مزيد من السلطة في يد الأقاليم.

اقتراحات غير مطمئنة

وفق المقال، فإنه رغم قدرة الغرب على تسريع الهزيمة (عن طريق الدعم العسكري)، لا تزال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مترددة، ولم تصغ تصورًا حتى اللحظة لسيناريو نهاية الحرب، واقترح بعض المسؤوليين الأمريكيين، تنازل كييف عن بعض أراضيها سعيًا وراء تسوية مع الكرملين.

ولكن هذه الاقتراحات، وفق الكاتبين: “آراء غير مطمئنة”، فضلًا عن أن الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، شدد على أن “الشعب الأوكراني لن يقبل أبدًا بمثل هذه الصفقة”، والتي من شأنها كذلك أن تشعل حروبًا مستقبلية.

نظام بديل

يعتقد الكاتبان أن مخاوف الولايات المتحدة من مرحلة ما بعد بوتين، مبالغ فيها، فيقوم النظام الحالي على نموذج حكم دائم الاحتياج إلى أعداء خارجيين، وقد حوّل الكرملين روسيا إلى نقطة انطلاق لخطط بوتين التوسعية، ولذلك يجب أن “تخشى واشنطن استمرار هذا النظام، لا زواله”.

وادعى بعض الأوساط الغربية، أن الشعب الروسي لن يقبل الديمقراطية، ونجحت دعاية الكرملين في إقناع الكثيرين بأن القيم الغربية بمعزل عن الشريحة الأكبر من المجتمع الروسي، ولكن يرى كاتبا المقال أن التكامل الاقتصادي مع أوروبا، والتخفيف المشروط للعقوبات، من شأنه أن يمكّن الروس من التخلص من الفاشية كما حدث مع بلدان أخرى.

ما بعد بوتين

يرجح المقال أن الهزيمة العسكرية لروسيا في أوكرانيا سيتلوها رحيل نظام بوتين، ليكون أمام الروس خياران، فإما أن تكون موسكو تابعةً لبكين، وإما أن تختار “التكامل مع أوروبا ومن ثم الانفتاح والسلام والازدهار”، مشيرًا إلى أن الروس سيميلون إلى الخيار الثاني.

وبعد هذا الخيار ستسير روسيا في خطوات الانتقال السياسي، وإعطاء الأولويات للحريات وحقوق الإنسان، والفصل الواضح للسلطات بدلًا من المبادئ المجردة للدولة، على أن تكون دولة فيدرالية ذات مركزية محدودة، ونظام حكم برلماني مع إعطاء مزيد من السلطات للأقاليم.

وسيلزم لهذا الانتقال، مجلس انتقالي مكون من غير المتورطين في جرائم الحرب، يشرف على حكومة تكنوقراط من القابعين حاليًّا في المنفى، وسيعد هذا المجلس لتأسيس جمعية تأسيسية لاعتماد دستور جديد، وآنذاك ستتعاون الحكومة الروسية الجديدة مع الغرب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

سياسة خارجية سلمية

وفقًا للمقال، بعد إجراء معاهدة سلام مع أوكرانيا ستبدأ الإدارة الجديدة في تعويض كييف، والاعتراف بحدود 1991، (يعني ذلك التخلي عن مناطق الشرق التي تسيطر عليها روسيا وشبه جزيرة القرم)، أي حدود ما قبل 24 فبراير 2022، وكذلك 2014، وستعمل على محاسبة المتورطين في جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

وسيرفض بطبيعة الحال النظام الجديد “سياسات بوتين الإمبريالية”، وستعتمد السياسة الخارجية على نهج سلمي، مرتكز على الشراكة والتكامل مع المؤسسات الأوروبية الأطلسية، حسب الكاتبين الروسيين.

تسوية داخلية

على المستوى الداخلي، ستعمل الحكومة الجديدة على تفكيك قواعد النظام الجديد، وأجهزته الأمنية والاستخبارية، وإلغاء القوانين “القمعية”، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بالتظاهر، ومن شأن تعزيز سلطة الأقاليم عدم تركّز الميزانية في يد الحكومة المركزية، وبالتالي شل قدرتها على تمويل حرب جديدة.

وعلاوة على محاكمة النظام الجديد المتورطين في جرائم حرب، سيعمل على إنهاء الكيانات والأحزاب التي دعمت شن الحرب على أوكرانيا، وسيفرق بين أعضاء النظام القديم (ممن لم يتورطوا في جرائم)، وبين الذين تورطوا في جرائم ضد الإنسانية، بغرض تحقيق انتقال سلمي وسلس للسلطة.

وختامًا، يرى المقال أن هذه “لحظة حاسمة بالنسبة إلى أوكرانيا”، ويمكن للولايات المتحدة التعجيل بزوال نظام بوتين وهزيمته العسكرية، عن طريق تكثيف الدعم كمًّا ونوعًا، ومد كييف بأسلحة من شأنها حسم المعركة، ووفق الكاتبين، “لا يمكن لواشنطن أن تدع مخاوفها تقف في طريق الآمال الأوكرانية”.

ربما يعجبك أيضا