كاتب غربي يشكك في تقدم الصين التقني والعلمي.. تنين من ورق؟

محمد النحاس

كاتب غربي يقول إن النهج العلمي الصيني في الوقت الحالي أكثر تحررًا من القيود الأخلاقية في الدول الغربية.


ناقش الكاتب الصحفي بريان أبليارد، حقيقة التقدم الصيني العلمي، مشككًا في كثير مما تقول الصين إنها توصلت إليه.

ويرى أبليارد في مقال بموقع مجلة اسبكتاتور البريطانية، أن أكثر ما تدعيه الصين مجرد دعاية إعلامية في المجالات العسكرية والتقنية والعلمية، ولا تعكس تقدمًا حقيقيًّا، زاعمًا أن أكثر التقنيات الصينية مستنسخة عن الغرب.. فما الأدلة التي أوردها الكاتب؟

تقنية تشفير صينية

أواخر العام الماضي، نشر باحثون صينيون ورقة بحثية تزعم أنهم طوروا خوارزمية تتيح اختراق أفضل تشفير توصل إليه العالم، عن طريق حاسوب كمي.

ويعني ذلك إمكانية الحصول على كل ما تحويه الشبكة العنكبوتية، بما فيه مراسلات الجيش الأمريكي، وكل الأسرار التقنية والمالية بأنحاء العالم، وفقًا للمقال المنشور في 18 فبراير 2023.

تهديد وجودي؟

إذا ما كان الادعاء الصيني صحيحًا، فإن هذا يمثل “كارثة للعالم أجمع”، بل ويرقى إلى “تهديد وجودي للغرب”، ويعني أن بكين تمتلك “سلاحًا سيبرانيًّا مرعبًا”، ولكن الورقة البحثية الصينية شكك فيها كثير من الخبراء بأنحاء العالم، وقوبلت بالسخرية في العديد من الأوساط العلمية. ويرجح كاتب المقال أن هذا التهديد “أجوف”، و”مثال على أن الصين، مجرد تنين من ورق” على حد وصفه.

ويتابع الكاتب بأن إعلان الخوارزمية الصينية كان محاولة لـ”إعلان انتصار الزعيم الصيني شي جين بينج” الذي يحرص على تعزيز الاعتقاد بأن بلاده ستصبح القوة المهيمنة في العالم. وأضاف أن “نتائج مساعي بكين لـتحقيق الريادة التقنية والعلمية كانت متباينة للغاية، ويمكن الجدال بشأن ما تقول الصين إنها توصلت إليه”.

سرقة معلومات حساسة

لسنوات كانت الصين تظهر أمام الغرب في صورة “مقلد عظيم” للصناعات الغربية، ولكن الكاتب يشكك في مدى جودة هذه الصناعات، ويضرب مثالًا بالطائرات الصينية العسكرية التي تبدو مماثلة “على نحو لافت” لمثيلاتها الغربية، لكن من غير المرجح أن تتفوق على الطائرات الغربية في الضربات العسكرية.

وتقول السلطات الأمريكية إن رعايا صينيين سرقوا وثائق حساسة لمعلومات تتعلق بـطائرات إف 22 وإف 35. ويلفت الكاتب إلى أن ذات الأمر يمكن رصده في السيارات الصينية المدنية، التي تشبه تمامًا السيارات المصنوعة في ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا.

الكم على حساب الجودة

يشدد أبليارد على أن الحديث عن التفوق الصيني يرتبط بـ”الكم على حساب الجودة”. وفي هذا الصدد، يقر بتفوق قطع البحرية الصينية على نظيرتها الأمريكية، لكن في العدد فقط، فبينما تملك الصين 348 قطعة بحرية، تمتلك البحرية الأمريكية 296 قطعة فقط.

ولكن الحقيقة التي يغفلها البعض، حسب أبليارد، أن الولايات المتحدة لديها 11 حاملة طائرات، في حين أن لدى الصين 3 فقط من حاملات الطائرات، وهي القطعة البحرية الأهم والأبرز والتي تعبر عن مدى تفوق سلاح البحرية.

التكنولوجيا الصينية في موضع الشك

يضرب المقال مثالًا آخر يتعلق بمدى نجاعة لقاحات فيروس كورونا (كوفيد 19) الصينية، التي كانت أقل كفاءة من نظيراتها في الغرب، فقد كان متلقي اللقاح الصيني أكثر عرضة للإصابة من نظيره متلقي اللقاح المصنوع في الغرب 5 مرات، وهو ما مثل أمرًا محرجًا للحزب الشيوعي الصيني.

ويرى المقال كذلك أن التقدم التقني على الصعيد العسكري موضع شك، فمن المعروف أن بكين تسعى لتطوير صواريخ “فرط صوتية”، وتقلق هذه الأسلحة الغرب على وجه التحديد، لأنها تجعل من الصعوبة بمكان الدفاع عن حاملات الطائرات، علاوةً على أثرها المدمر.

ويشكك الكاتب في أن بإمكان بكين صنع مثل هذه الصواريخ، وحتى لو صنعتها فالقوانين الفزيائية تشي بأن هذه السرعة تعني الحفاظ على مسار ثابت، أو محدود التغير، وبالتالي يمكن بسهولة التنبؤ بهذا المسار، ومن ثم استهداف الصواريخ وإسقاطها.

قاذفات الصواريخ وتفوق عددي

الأسبوع الماضي، تحدثت تقارير عن تفوق عددي لدى الصين في قاذفات الصورايخ العابرة للقارات (بإمكانها حمل رؤوس نووية)، ما دفع النائب الجمهوري عن ولاية ألاباما مايك روجرز، الذي يترأس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، للتحذير من أن “الوقت المتاح لمواكبة هذا التحدي قد حان”.

ويرى كاتب المقال، بريان أبليارد، أن المرابض الصاروخية الصينية ببساطة “فارغة”، وأن “هذه الأخبار لا تعني امتلاك الصين أسلحة نووية أكثر من التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية”.

حداثة العهد بالعلم الغربي

عرج الكاتب على تاريخ اهتمام الصينيين بـ”العلوم والتقنية”، وقال إن “العلوم بمعناها الغربي لا تزيد مدة وجودها في الصين على قرن من الزمان، فعلى مدار تاريخ الصين وحتى أسرة تشينج عام 1912، تجاهلت الصين العلوم الغربية إلى حد كبير”.

ولكن هذا بدأ يتغير نهاية القرن 19، خاصةً عندما بدأ الصينيون يسافرون إلى الولايات المتحدة، وعند هذا الحد أدركوا أن العلوم الحديثة، والتقنيات المتطورة، هي ما جعل الغرب أكثر قوة وثراء من الصين.

أزمة النهج الصيني

الفيلسوف الصيني فينج يولان، الذي تلقى تعليمه بالولايات المتحدة، رأى أن الأزمة سببها أن “فلسلفة الأمة ونظرتها إلى العلاقة بين البشر والطبيعة، تتعارض مع النهج العلمي”. ويلفت كاتب المقال إلى أن العالم الشهير ألبرت أينشتاين، كان يعتقد أن الصينيين فشلوا في تبني المنطق اليوناني، والمنهج العلمي التجريبي.

وأنتج تيار الكونفوشيوسية الصيني (تيار فلسفي وديني أقرب إلى مذاهب وحدة الوجود) شعار “العمل أهم من التفكير”، وتجلت هذه الرؤية في دعوات الزعيم الصيني السابق دنج شياو بينج، وفق المقال الذي يرجح عدم قدرة الصين على مواكبة الغرب، نتيجة لهذا الإرث الذي ما زال حاضرًا بظلاله على النهج الصيني الحالي.

تحرر من القيود الأخلاقية

يلفت المقال إلى أن النهج العلمي الصيني في الوقت الحالي، أكثر تحررًا من القيود الأخلاقية في الدول الغربية، ويشير إلى بعض التجارب التي أجرتها بكين في مجال التعديلات الوراثية والجينية، وانتقدتها الأوساط العلمية الغربية بشدة. وجرت التجارب على توأمتين، وأخرى على قردة.

وكان العالم الصيني هي جيانكوي، المسؤول عن تجربة التوأمتين التي صدمت العالم، قبل محاكمته في الصين وإدانته بتهمة الإخلال بالنظام الطبي. ولكن الغريب أنه بعد ذلك أنشأ مختبرًا جديدًا في بكين للعمل على العلاجات الجينية، ويرجح المقال أن هذا المعمل كان بموافقة السلطات الصينية بطبيعة الحال.

مواصلة التجارب الجينية

انتقدت الأكاديمية الصينية للعلوم آنذاك هذه التجارب، وقالت إنها ما زالت محفوفة بالعديد من المخاطر والمشكلات الفنية، لافتةً إلى انتهاكها إجماع المجتمع العلمي الدولي.

ومع ذلك، يشير المقال إلى توافر بعض المؤشرات التي ترجح أن بكين لم تقطع الصلة بهذه التجارب. ويلفت الكاتب إلى أن مواصلة الصين العمل في هذا المجال، يمنحها ميزة مقابل نظرائها في الغرب، من حيث القيود الأخلاقية المفروض عليهم في مثل هذه التجارب.

الصين ومحاولة للإسراع

على صعيد آخر، تواصل الصين محاولات تقليد تقنيات الذكاء الاصطناعي الغربي، وأطلقت نسخة من برنامج “شات جي بي تي” الشهير، إلا أنها أوقفته بعد أن انتقدت إجابات التقنية المطورة الحزب الشيوعي الصيني.

ويأتي ذلك في وقت يشدد فيه الرئيس الصيني على ضرورة الإسراع في تطوير الصين لأبحاثها العلمية والتقنية، وذلك “للحيلولة دون تمكن إمكانية الدول الأجنبية من خنقنا” على حد تعبيره. وفي المقابل يشدد الحزبان الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة، على ضرورة “إحباط التقدم التقني لبكين”.

وبدت مواقف الرئيس الأمريكي جو بايدن، معبرةً عن هذا النهج، وقد فرض العام الماضي ضوابط صارمة على صادرات الرقائق الإلكترونية الحديثة، الحيوية لكل أنواع الصناعات بما فيها العسكرية، كما يشير المقال.

مزاعم صينية

يشير كاتب المقال إلى أن الصين تنتج في عهد الرئيس الصيني شي جين بينج، أوراقًا علمية أكثر من التي ينتجها الغرب، وأن بكين تجتذب الكثير من العلماء الغربيين، ولكنه أرجع هذا إلى تخفف الصين من القيود الأخلاقية المفروضة على العمل البحثي في أوروبا والولايات المتحدة.

ويجادل الكاتب بأن “مزاعم الصين بأنها سبقت الدول الغربية على الصعيدين العلمي والتقني، وكذلك في جانب الصناعات العسكرية والدفاعية، ما زالت موضع شك”.

محاولة لإرضاء طموحات شي

يقر الكاتب بالتطور الصيني في مجالي المراقبة والتجسس، وهو أكثر ما يخشاه الغرب، وأشار إلى “منطاد التجسس” الذي أسقطته الولايات المتحدة، ومنع شركة هواوي من المشاركة في إنشاء شبكة اتصالات الجيل الخمس في بريطانيا، خوفًا من التجسس عام 2020.

ويختتم الكاتب بأن “من الصعب أن نقول في الوقت الحالي إن ما وصلت إليه الصين يرقى إلى طموحات شي جين بينج، لكن قضايا مثل منطاد التجسس، على نحوٍ ما، ترضي رغبات الزعيم الصيني، أو على الأقل هذا ما نأمله”، في إشارة منه إلى أن هذه الحوادث لا تعبر عن تطور حقيقي بقدر ما تعكس محاولة شي الاستعراضية.

ربما يعجبك أيضا