كاليدونيا الجديدة.. «أرض ثورات» ضمتها فرنسا عام 1853

عبدالمقصود علي
مظاهرة للناشطين من أجل الاستقلال، في كاليدونيا الجديدة

يشهد إقليم كاليدونيا الجديدة منذ عدة أيام اشتباكات عنيفة، وذلك بعد التصويت البرلمان الفرنسي على إصلاح انتخابي يعارضه الانفصاليون.

ودعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأربعاء 15 مايو 2024، إلى اجتماع لمجلس الدفاع والأمن القومي للبحث في أعمال الشغب الدموية في كاليدونيا الجديدة، وبحسب تلفزيون ” tf1info” هذه ليست المرة الأولى التي تندلع فيها ثورات بهذه المنطقة التي ضمتها فرنسا عام 1853.

أعمال عنف في إقليم كاليدونيا الجديدة

أعمال عنف في إقليم كاليدونيا الجديدة

ومنذ يوم الاثنين 13 مايو، يواجه الأرخبيل الفرنسي الواقع في جنوب المحيط الهادئ اشتباكات كبيرة خلفت بالفعل 3 قتلى ومئات الجرحى.

وعلى الرغم من أن هذا العنف الذي لم يسبق له مثيل منذ الثمانينيات، إلا أن إقليم كاليدونيا شهد عدة ثورات منذ استعماره من فرنسا عام 1853.

ثورة الكاناك الكبرى عام 1878

تم إعلان كاليدونيا الجديدة، التي أطلق عليها البريطاني جيمس كوك هذا الاسم عام 1774، مستعمرة فرنسية عام 1853، حيث كانت البلاد في عهد نابليون الثالث آنذاك تبحث عن إقليم لتأسيس مستعمرة عقابية وتعزيز الوجود الفرنسي في هذه المنطقة.

ولكن بعد 25 عامًا من الضم الفرنسي اندلعت الثورة الأولى، حيث عارض الكاناك، وهم السكان الأوائل للإقليم، مصادرة أراضيهم وكذلك حرمانهم من بعض حقوقهم.

هذا السخط عبر عنه الانفصاليون عدة مرات من قبل، ففي عام 1878، تمرد الكاناك وسط غرب الأرخبيل، وقاموا بقيادة زعيمهم أتاي، الذي سيعطي اسمه لهذه الثورة، بمهاجمة الموقع العسكري في لا فوا.

كانت هذه بداية صراع دموي استمر لمدة عام وتم قمعه بشدة، قُتل فيه نحو 600 انفصالي و200 أوروبي، ومحيت قبائل من على الخريطة، وأجبر 1500 من الكاناك على النزوح إلى المنفى.

ثورة منتصف الحرب العالمية الأولى

هذه الثورة لم تمنع فرنسا من مواصلة استعمار الأرخبيل حيث يتزايد عدد السكان الأوروبيين شيئا فشيئا، تم إعلان كاليدونيا الجديدة مكانًا لاحتجاز المدانين من عام 1864 إلى عام 1896، وقرر جزء كبير من المدانين الاستقرار هناك بمجرد انتهاء مدة عقوبتهم.

في الوقت نفسه، تقلص مجتمع الكاناك، وعاني من صدمة الاستعمار، ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914، زادت فرنسا الضغط على الإقليم، مما أدى إلى ثورة كبرى ثانية.

وخلال عام 1917، انتفض جزء من السكان، ومرة أخرى، لكن كان القمع قويًا، ويقول عالم الأنثروبولوجيا ألبان بونسا في كتابه الذي يتحدث عن هذه الثورة إنه قتل خلالها نحو 300 من الكاناك.

“أحداث الثمانينيات”

لم تعد كاليدونيا الجديدة تعتبر مستعمرة حتى 1946، بل أصبحت إقليمًا وراء البحار، ثم حصل الكاناك على الجنسية الفرنسية ومن ثم حق التصويت، لكن هذا لم يمحو التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وفي الثمانينيات، أعاد الانفصاليون تجميع صفوفهم سياسيًا، وفي عام 1984، ولدت جبهة الكاناك الوطنية للتحرير الوطني(FNLKS)

في الوقت نفسه، تزايدت حوادث العنف بين الكاناك والكالدوش، الذين ينحدرون من نسل المستوطنين البيض، ووصلت فترة الاضطرابات، التي سُميت بـ “أحداث الثمانينيات”، إلى ذروتها باحتجاز الرهائن والهجوم على منطقة أوفيا في مايو 1988، حيث أدت هذه المأساة إلى مقتل 19 من نشطاء الكاناك واثنين من العسكريين.

 إقليم كاليدونيا الجديدة

إقليم كاليدونيا الجديدة

وبعد مرور شهر، وقّع اتفاق مصالحة ما أدى لإعادة التوازن الاقتصادي، ولا سيما من خلال تقاسم استغلال قطاع النيكل، وتقاسم السلطة السياسية في الإقليم.

وتلاه في عام 1998 اتفاق نوميا الذي أعطى الأرخبيل وضعا فريدا في الجمهورية الفرنسية على أساس الحكم الذاتي التدريجي.

وفي هذا السياق، شهد استفتاء عام 2018 فوز (لا ) للاستقلال بنسبة 56.7%، وتم تأكيده في عام 2020 (53.26% لا) .

كما أنه عام 2021، فاز التصويت برفض الاستقلال بنسبة 96.5% ، لكن الانفصاليون شككوا في صحة التصويت الذي تميز بامتناع قوي عن التصويت في خضم وباء كوفيد-19.

شعب الكاناك

وفي هذا السياق، ناقشت الجمعية الوطنية في باريس تعديل دستوري يهدف إلى توسيع القاعدة الانتخابية في الأقاليم، وهو ما لقي معارضة قوية من الانفصاليين الذين رأوا فيه وسيلة “لمواصلة التقليل من شأن” شعب الكاناك.

 مجلس الشيوخ في باريس

مجلس الشيوخ في باريس

ووفقا للمادة 77 من الدستور الفرنسي، تقتصر القاعدة الانتخابية على الناخبين المشتركين في قوائم استفتاء تقرير المصير لعام 1998 وأحفادهم، ما يستبعد السكان الذين وصلوا بعد العام 1998 والكثير من السكان الأصليين.

وبموجب ذلك يُحرم نحو 20 % من الناخبين من حق التصويت في الانتخابات الإقليمية، وهو الأمر الذي أعاد العنف إلى الأرخبيل بعد 40 عامًا من الاستقرار النسبي.

ربما يعجبك أيضا