كتب أمنياته على قشر البيض.. كيف احتفل المصري القديم بشم النسيم؟

شيرين صبحي

كل طقوس شم النسيم من تناول البيض، الفسيخ، البصل والملانة، بدأها المصري القديم وتوارثناها حتى اليوم.


اعتقد قدماء المصريين أن يوم “شم النسيم” هو بدء خلق العالم وتجدد الحياة، وكانت السنة تبدأ بعد اكتمال القمر الذي يقع عند الانقلاب الربيعي في 11 من شهر برمودة في التقويم المصري.

وتكشف نقوش جدران المعابد أن المعبود “رع” يمر في ذلك اليوم في سماء مصر داخل سفينته المقدسة، ويرسو فوق قمة الهرم الأكبر. وعند الغروب يبدأ “رع” رحلته عائدًا للأرض صابغًا الأفق باللون الأحمر رمزًا لدماء الحياة، الذي يبثها من أنفاسه إلى الأرض، معلنًا موت المعبود “ست” إله الشر.

عيد مصري أصيل

1200px Maler der Grabkammer des Menna 009

نقوش على جدران المعابد المصرية القديمة

احتفل قدماء المصريين بعيد شم النسيم منذ العام 2700 قبل الميلاد، أما ارتباطه باليهودية والمسيحية فهو مجرد صدفة، بسبب تصادف خروج بني إسرائيل من مصر في اليوم الذي يوافق موعد احتفال المصريين ببدء الخلق وأول الربيع، وأطلق عليه اليهود يوم الخروج أو الفصح، وهى كلمة عبرية معناها “اجتياز”، واشتقت منها كلمة “بصخة” إشارة إلى نجاتهم.

وهكذا اتفق عيد الفصح العبري مع عيد شمو المصري، كما يوضح مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء، عبدالرحيم ريحان، الذي أشار إلى انتقال الفصح بعد ذلك إلى المسيحية لموافقته مع موعد عيد القيامة، وعندما انتشرت المسيحية فى مصر أصبح عيد القيامة يلازم عيد المصريين القدماء، ويأتي شم النسيم يوم الاثنين التالي لعيد القيامة، ويكون الاحتفال بهذا العيد يوم الأحد بعد فصح اليهود لا معهم ولا قبلهم.

تفسير جديد لتسمية “شم النسيم”

أشار الدكتور ريحان في حديثه لـ”شبكة رؤية الإخبارية” إلى دراسة أثرية للباحث عماد مهدي مكتشف مجمع البحرين برأس محمد بجنوب سيناء، تقدم تفسيرًا جديدًا لأصل تسمية “شم النسيم” بأنها لم تحرّف لفظيًّا كما يعتقد بعض علماء الآثار واللغة، بل هي كلمة مصرية قديمة خالصة مرّت بتطور عبر الزمن وكتبت في مصر القديمة “شم – سم” ثم نطقت في القبطية “شوم سيم” حتى وصلت إلينا شم النسيم.

واستند مهدي على تفسير حرف “ش” في اللغة المصرية القديمة التى تكتب بشكل مستطيل يرمز إلى بركة المياه التي تتوسط الحدائق، وكلمة “شم” تعني أخرج أو أنزل أو تحرك. وكلمة “سم” تعني نباتات أو بستان، والرسم المخصص للكلمة حزمة من النباتات ما يتوافق مع اهتمام المصري القديم بالحدائق والزهور وتصويرها على جدران المقابر.

البصل لطرد الأرواح الشريرة

20180208232627320

دخل البصل ضمن أطعمة عيد شم النسيم منذ أواسط الأسرة السادسة، وارتبط ظهوره بما ورد في إحدى أساطير منف القديمة، بأن أحد ملوك مصر القديمة كان له طفلًا وحيدًا وكان محبوبًا من الشعب، ثم أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة، وعجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه، فلازم الفراش عدة سنوات.

واستدعى الملك لعلاج الطفل الكاهن الأكبر لمعبد آمون فنسب مرضه إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه وتشل حركته بفعل السحر، وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الطفل في فراشه عند غروب الشمس، بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ، ثم شقها عند شروق الشمس ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها.

وطلب الكاهن تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير، وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر، لطرد الأرواح الشريرة، وشفي الطفل، فنظّم الملك الأفراح في القصر لأطفال المدينة، وعندما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام، شارك الملك وعائلته وكبار رجال الدولة، الناس في العيد وتعليق حزم البصل على أبواب دورهم.

البيض وتحقيق الأمنيات

278978202 404564174597549 8694077840552542522 n

يرمز البيض إلى خلق الحياة كما ورد في متون “كتاب الموتى” و”أناشيد أخناتون”، بحسب ما يصف دكتور ريحان، ونقش البيض وزخرفته ارتبط بعادة قدماء المصريين نقش الدعوات والأمنيات على البيض، ثم يعلق في أشجار الحدائق لتحقيق الأمنيات مع الشروق.

وكان “الفسيخ” أو السمك المملح من بين الأطعمة التقليدية في هذا اليوم منذ الأسرة الخامسة، عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل نهر الحياة، وورد في متونه المقدسة أن الحياة في الأرض بدأت في الماء، ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة، حسب المعتقد المصري القديم.

وذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن قدماء المصريين كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم، ويرون أن أكله مفيد في وقت معين من السنة، وكانوا يفضلون نوعًا معينًا لتمليحه وحفظه للعيد أطلقوا عليه اسم “بور” وهو الاسم الذي حور في اللغة القبطية إلى “يور” وما زال يطلق عليه حتى الآن.

الطبيعة تستقبل الربيع بالياسمين

maxresdefault 10

زهور الياسمين

عرف الخس منذ الأسرة الرابعة، وفقًا للدكتور ريحان، وكان يقدم في سلال القرابين وعلى موائد الاحتفال بالعيد، ويسمى بالهيروغليفية “حب”، كما اعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود “من” إله التناسل، أما الملانة وهي ثمرة الحمص الأخضر أطلق عليها “حور –بيك” أي رأس الصقر لشكل الثمرة التي تشبه رأس “حور” الصقر المقدس.

وكان من بين تقاليد شم النسيم المصرية القديمة التزيّن بعقود زهور الياسمين، وهو محرّف من الاسم المصري “ياسمون”، وكانوا يصفون الياسمين بأنه عطر الطبيعة التى تستقبل به الربيع، وكانوا يستخرجون منه في موسم الربيع، عطور الزينة وزيت البخور، الذي يقدم ضمن قرابين المعابد عند الاحتفال بالعيد.

ربما يعجبك أيضا