كورونا والسينما.. التسريحات الجماعية وإغلاق دور العرض يضعان الآلاف في وجه المجهول

أماني ربيع

أماني ربيع

تسبب انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” في خسائر جسيمة بقطاعي السينما والترفيه حول العالم، وبخاصة في هوليود، حيث تم تعليق إنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، وإغلاق مسارح برودواي، وصالات السينما، إلى أجل غير مسمى، في سابقة هي الأولى في تاريخ الصناعة الذي يمتد لنحو 115 عامًا، ونتيجة لذلك يواجه العديد من العاملين بقطاع السينما شبح البطالة والإفلاس.

ربما يستطيع النجوم النجاة، كما تستطيع شركات الإنتاج التعافي، ففي النهاية أصحابها يمتلكون الملايين، ويستطيعون إيجاد حلول بديلة، بطرح أفلامهم عبر الإنترنت، وخدمات الفيديو تحت الطلب، لكن الأزمة الحقيقية تظهر لدى العاملين وراء الكاميرات في الوظائف الصغيرة التي تقبض أجرها بالساعة أو باليوم، والذين ينتظرهم مستقبل مجهول، في ظل غموض الأوضاع حول إمكانية إيجاد لقاح للفيروس أو أي طريقة لوقف انتشاره، لتعود الحياة إلى مجاريها.

تسريحات جماعية

وبسبب تطورات انتشار الفيروس، تم تسريح نحو 120 ألف من العاملين بقطاع السينما من فنيي الإضاءة والكهرباء والصوت والسائقين وكل أصحاب الرواتب الغير منتظمة، بعد أن شل الفيروس قطاع السينما بالكامل.

مثلًا، قام أفراد عائلة باجبي، الذين يديرون صالات السينما في المدن الأمريكية الصغيرة منذ أربعة أجيال، بتسريح 1.980 عاملًا، وأغلقت العائلة التي تتخذ من ميسوري مقرًّا لها 50 صالة عرض سينمائي في 7 ولايات، وقال بوب باجبي -الرئيس التنفيذي لشركة “بي آند بي”- “نحن موجودون منذ عام 1924، نأمل أن نستمر في التواجد، لكن الفيروس أجبرنا على إظلام 400 شاشة عرض إلى أجل غير مسمى، لذا نحن خائفون قليلاً الآن”.

وبات معظم أصحاب المسارح والسينمات غير قادرين على معرفة موعد محدد لإعادة فتح مسارحهم، بل وأعربوا عن قلقهم من أنهم قد لا يتمكنون من إعادة فتحها على الإطلاق إذا استمر الإغلاق لشهور، خاصة وأن أعمال المسارح ودور السينمات، كانت تواجه منافسة بالفعل من قبل خدمات البث المدفوع مثل نتفلكس.

ومن قبل كان أصحاب دور العرض يفخرون ببقاء صالاتهم مفتوحة خلال أزمات كبرى سابقة، بما في ذلك الحرب العالمية الثانية وهجمات 11 سبتمبر 2001، باعتبار أنهم يقدمون للعالم استراحة من المشاكل، بل وظلت صناعة الترفيه والسينما تسير بشكل جيد خلال فترة الكساد العظيم في بداية الثلاثينيات.

وقالت بريتاني باجبي -التي تشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي في مجموعة “بي آند بي ثياترز” إلى جانب شقيقتها بوبي وشقيقها بروك- “هذه هي المرة الأولى التي نواجه فيها تسريحات جماعية في صناعتنا، الأمر مؤلم”.

ومن جهته قال مارك أوميرا -صاحب مسارح University Mall Theatres وCinema ArtsTheatres في فيرفاكس وفيرجينيا- إنه سيحاول التفاوض على شروط جديدة لدفع الإيجار مع مالك العقار للمساعدة في تخطي أزمة الفيروس التاجي، مضيفًا: “إذا مرت ستة أشهر، لا أعرف ما إذا كان بإمكاني الوصول إلى ستة أشهر دون أي عمل، آمل في أن لا تزيد الأزمة عن شهرين إلى 3 أشهر على الأكثر”.

فعندما لا يتم بيع تذاكر السينما، لن يصبح لدى أصحاب دور العرض، فرصة لدفع فواتير الإيجار والرهون العقارية والمرافق والتكاليف الأخرى.

وحتى عندما يتم إعادة فتح دور العرض، فإنها تواجه أعباء تكاليف أخرى، مثل استبدال الطعام منتهي الصلاحية والحلوى والصودا.

وقالت إيما كلينش -التي تعمل موظفة استقبال لدى مسرح “بوث وبروكس أتكينسون” في برودواي، لمجلة “فارايتي”- إنها لم تكن قلقة بشكل مفرط بشأن انتشار الفيروس، ظنا منها أن المزيد من التنظيف والتعقيم سيجعلان العمل بالمسرح لا يتوقف، لكن تغير الأمر بعد الكشف عن إصابات واسعة بالفيروس في نيويورك.

بالطبع كلينش ليست الوحيدة، فهناك الآلاف الذين يعتمد رزقهم ورزق عائلاتهم على السينما والترفيه، لذا باتت هناك مطالبات ملحة تناشد الحكومة الأمريكية بالتدخل لحماية هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم من الإفلاس، وطالب العديد منهم بالفعل معونة البطالة، وبدأوا في فرض إجراءات تقشف على أنفسهم لسداد الفواتير وشراء حاجاتهم الأساسية.

وقدرت هوليوود خسائر شباك التذاكر الأمريكي والكندي بنحو 2 مليار دولار إذا ظلت دور العرض، مغلقة حتى نهاية مايو، وحثت الرابطة الوطنية لأصحاب دور العرض الكونجرس الأمريكي وإدارة ترامب على تقديم مزايا ضريبية ومعونات إغاثة طارئة للعاملين بقطاع الترفيه.

وقالت المجموعة: إن الصناعة توظف أكثر من 150 ألف شخص في الولايات المتحدة، من بائعي التذاكر، وأطقم التنظيف، إلى موظفي العرض.

شلل تام

ولم يتوقف الأمر عند العمالة الغير منتظمة، بل طال أيضًا صناع الأفلام المستقلة، الذين ينتظرون مهرجانات ” SXSW” وتريبيكا للترويج لأعمالهم ومنحها فرصة العثور على مشتري، فهذه المهرجانات بمثابة سوق للأفلام، لكن بعد إلغائها اضطرت الكاميرات للتوقف بانتظار أن يجد جديد.

واضطرت منصة نتفليكس إلغاء تصوير جميع الأعمال التي يتم إنتاجها حاليًا، خوفًا من انتشار فيروس كورونا بين طواقم العمل، بعد إصابة كريستوفر هيفيو أحد أبطال مسلسل ” The Witcher” للنجم هنري كافيل، بفيروس كورونا، وفرضت الحجر الصحي على طاقم العمل بالكامل لمدة 14 يومًا.

وأغلقت الشبكة مكاتب الإنتاج، واستديوهات “Arborfield”، التي تم تصوير العمل بها، واتبعوا بروتوكول التنظيف والتعقيم وفقًا لتعليمات منظمة الصحة العالمية.

وأعلن هيفيو إصابته، عبر حسابه على إنستجرام، وقال: “يؤسفني أن أقول: إن الاختبارات أثبتت إيجابية إصابتي بفيروس كورونا، أنا وعائلتي نعزل أنفسنا في المنزل طالما استغرق الأمر، نحن بصحة جيدة، لديّ فقط أعراض خفيفة من البرد”.

وأضاف أن هناك أشخاصًا أكثر عرضة لخطر هذا الفيروس، لذلك طلب من الجميع توخي الحذر الشديد؛ حيث وجه متابعيه بغسل أيديهم باستمرار والحفاظ على مسافة 1.5 متر من الآخرين، وفعل كل ما بوسعك لمنع الفيروس من الانتشار.

وخوفًا من أضرار مشابهة، اضطرت معظم استوديوهات هوليود لإيقاف تصوير أفلام جاري إنتاجها، وتأجيل أفلام كان من المفترض طرحها، بعد إغلاق دور العرض السينمائي، خوفًا من تفشي الفيروس.

الحكومة ودعم السينما

ولم تقف الأطراف الأقوى في عالم السينما مكتوفة الأيدي في مواجهة الأزمة، وبادروا بمساندة مجتمعهم، وأنشأت شبكة “نتفليكس” صندوق إغاثة بقيمة 100 مليون دولار لمساعدة أعضاء مجتمع قطاعي السينما والترفيه الذين يتعرضون لأزمة حقيقية بعد بقائهم عاطلين عن العمل.

وأعلن رئيس المحتوى بالشبكة تيد ساراندوس الأمر في بيان صحفي قال فيه: إن “جميع الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية تقريبًا متوقفة الآن على مستوى العالم تاركة مئات الآلاف من الأفراد دون وظائف، من كهربائيين ونجارين وسائقين، الذين يحصلون أجورهم بالساعة، ويتنقلون من مشروع إلى آخر، لقد دعمنا هذا المجتمع خلال الأوقات الجيدة، ونرغب في مساعدتهم خلال هذه الأوقات العصيبة”.

وطالب المخرج كريستوفر نولان، حكومة الولايات المتحدة بإظهار الدعم لقطاع السينما، الذي لا يوفر الترفيه فحسب، بل يوفر أيضا الوظائف لعدد كبير من الأشخاص، وقال نولان في مقال بصحيفة واشنطن بوست: “بينما ينظر الكونجرس في طلبات المساعدة للشركات المتضررة، آمل أن يرى مجتمع صناع الأفلام كجزء حيوي من الحياة الاجتماعية، وبصفتي صانع أفلام، لا يكتمل عملي دون هؤلاء العمال”.

وأعلن النجم ريان رينولدز وزوجته بلاك ليفلي، عن تبرعهما بمبلغ مليون دولار لمنظمات غذاء تقوم بمساعدة الفئات الأكثر تضررًا من الفيروس، ومدهم بالحاجات الأساسية، كما تبرع جاستن تيمبرليك بدوره لأحد بنوك الطعام في ممفيس بولاية تينسي، وبالمثل قام جيمي فالون وعائلته بالتبرع لبنوك الطعام في أمريكا، وآخرون مثل أريانا رجاندي، وأرنولد شوارزنجر، وكيلي ريبا.

وأطلقت النجمتين إيمي آدامز وجينيفر جارنر في إطلاق مبادرة “Save the Stories”، وستقومان من خلالها بقراءة القصص عبر مواقع التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات للأطفال الذين لا يستطيعون الحصول على وجبات الطعام خلال فترة انتشار الوباء.

ربما يعجبك أيضا