كوريا الجنوبية تسعى لامتلاك سلاح نووي بسبب المخاوف من «تراجع واشنطن»

شروق صبري

تسعى كوريا الجنوبية لامتلاك سلاح نووي محلي، بدلًا من الاعتماد على الولايات المتحدة.. لكن السؤال هل تقدم سيول فعليًّا على تطوير ترسانتها الخاصة؟


على مدار عام كامل، دارت نقاشات داخل مؤسسات فكرية وأكاديمية بكوريا الجنوبية بشأن تطوير أسلحة نووية خاصة.

وقبل أسبوع، أعلن الرئيس، يون سوك يول، في تصريحات غير متوقعة بحضور وزيري الخارجية والدفاع، صراحة أن سيول قد تطور سلاحها النووي، لمواجهة التهديدات المتزايدة من كوريا الشمالية، في ظل مخاوف من تراجع الولايات المتحدة عن التزامها بحماية البلاد.

كوريا الشمالية تهدد

قالت المتخصصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والتكنولوجية، راجيسواري بيلاي، في تقرير نشرته مجلة “ذا ديبلومات” الأمريكية، يوم الثلاثاء الماضي 24 يناير 2023، إن “إعلان يول تطوير أسلحة بلاده النووية يأتي من منطلق أن كوريا الشمالية تمتلك تكنولوجيا الأسلحة النووية، التي تهدد الردع النووي الأمريكي الموسع لكوريا الجنوبية”.

وأضافت أن المهم في الأمر أن زعيم كوريا الجنوبية صرح بأن بلاده لن تستغرق وقتًا طويلًا في صناعة القنبلة، بسبب براعتهم التكنولوجية. ومن ناحية أخرى، فإن التهديد النووي الكوري الشمالي المتزايد، وصعود الصين كقوة تهدد النظام الإقليمي، تركت أمريكا في مواجهة ضغوط جيوسياسية، لطمأنة حلفائها في المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك كوريا الجنوبية.

1 4

أمريكا تصل إلى طريق مسدودة

قال المحلل السياسي بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، دوج باندو، في تقرير نشر يوم 17 يناير الحالي، إن محاولة الإدارات الأمريكية المتعلقبة لكبح طموحات كوريا الشمالية النووية وصلت إلى طريق مسدود، لأن ترسانتها تنمو من حيث الحجم والتطور.

وعليه، فإن الوضع بين واشنطن وسيول، يبعث على الارتياح بشأن المجالات الحاسمة، خصوصًا الأسلحة النووية التي تكتسب أهمية أكبر في تفكير الأمن القومي للعديد من الدول في المحيطين الهندي والهادئ، وخصوصًا كوريا الجنوبية، التي تفكر جديًا في صنع قنبلة نووية بمفردها، أو بمساعدة واشنطن.

هل تفشل أمريكا في نشر أسلحة نووية؟

يظهر أن تصريحات زعيم كوريا الجنوبية لا يقصد بها الحصول على تطمينات دفاعية وأمنية من الولايات المتحدة، لمواجهة التهديد النووي الكوري الشمالي، لكن يوجد مغزى آخر، وهو الحصول على أسلحة نووية أمريكية، أو على الأقل تكون قريبة منها، وفق ما يراه دوج باندو.

وبالعودة الى راجيسواري بيلاي، فإنها ترى أيضًا أن الرئيس الكوري ربما لم يقصد أن بلاده ستطور أسلحتها النووية، لكن يريد حث أمريكا على التحرك، لأنه قال إن “بلاده تسعى وراء قنبلتها النووية الخاصة، إذا فشلت واشنطن في نشر أسلحة نووية من أجل التصدي للتهديد النووي لكوريا الشمالية”.

500

أمريكا تثير شكوك حلفائها

أثارت تصريحات رئيس كوريا الجنوبية أزمة، دفعت مكتبه لإعلان أن سيول “ليس لديها خطط” لتطوير أسلحة نووية، وعلق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، على تصريحات يول بأن “واشنطن وسيول سيجريان تحسينات في قدرات الردع الموسعة”.

وفي رأي بيلاي، فإن تصريحات كيربي تؤكد أن يول يسعى للحصول على تجديد التزام الولايات المتحدة بزيادة جهودها في تعزيز قدرات الردع الموسعة.

وأشارت في  تقرير “ذا ديبلومات” إلى الشكوك المتزايدة بين حلفاء الولايات المتحدة، بشأن مصداقية الضمانات الأمنية، موضحت أن اليابان لديها أيضًا مخاوف من هذا القبيل، وظهرت تعليقات من القادة اليابانيين تشير إلى أن طوكيو ليست سعيدة تمامًا بالتزامات أمريكا غير النووية.

north korea missile 1000x600 1

كبح برنامج كوريا الشمالية النووي

شددت راجيسواري على فشل الهيكل العالمي في كبح برنامج كوريا الشمالية النووي والصاروخي، بعدما أجرت بالفعل 6 تجارب نووية، وعلى وشك تجربة نووية سابعة، لنسخ مصغرة من الرؤوس الحربية النووية، التي يمكن تحميلها على صواريخ كروز.

وكذلك أجرت بيونج يانج في عام 2022 وحده أكثر من 90 تجربة صاروخ كروز وصواريخ باليستية، محطمة بذلك الأرقام القياسية السابقة، ويبدو أن ترسانتها النووية تنمو بنحو مطرد، مع تطوير عدد من الصواريخ الجديدة، بما في ذلك ذات المدى العابر للقارات، مثل Hwasong-14 وHwasong-17.

نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية

لفتت راجيسواري إلى  أن نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية وصل إلى طريق مسدود، واقترح بعض المسؤولين الأمريكيين تغيير مطلب نزع السلاح إلى الحد منه، ما يعني الاعتراف بوضعها كدولة نووية، لكن الخارجية الأمريكية تراجعت عن هذه التعليقات لاحقًا.

وترى الكاتبة أن التعليقات الأمريكية زادت المخاوف في سيول من أن واشنطن تعدّ الأسس لتغيير سياستها تجاه بيونج يانج، وأجبر كوريا الجنوبية على استكشاف إمكانية تطوير أسلحتها النووية.

وتضيف أن المسؤولين الكوريين الجنوبيين يريدون نشر واشنطن “لأصولها الاستراتيجية” في بلادهم، من خلال ترتيب “المشاركة النووية” على غرار الترتيبات الأمريكية في أوروبا، لكن يوجد من يميلون في سيول إلى التشكيك في مصداقية الضمانات الأمريكية، وعليه يريدون امتلاك أسلحتهم النووية.

ABRAMS TANKS UKRAINEGettyImages 1228358121

إعادة النظر في الخيار النووي

دفع التهديد النووي الكوري الشمالي المتزايد لإحداث تغيير في الرأي العام في كوريا الجنوبية، وشهدت استطلاعات الرأي في السنوات الأخيرة تحولًا، بدعم غالبية الكوريين الجنوبيين الولايات المتحدة في إعادة نشر الأسلحة النووية في الجنوب، أو بناء الدولة لترسانة خاصة بها.

ويريد الحزب الحاكم فب سيول إعادة النظر في الخيار النووي، بعدما شهد عامي 2021 و 2022 ارتفاعًا في نسبة الذين يدعمون سعي كوريا الجنوبية للحصول على برنامج الأسلحة النووية، إلى 55.5%. وكذلك أظهرت نتائج الاستطلاع، على مر السنين، أن الرغبة في امتلاك سلاح نووي محلي، بدلًا من الاعتماد على الولايات المتحدة اكتسب قوة دفع أكبر، ما يكشف أيضًا عن مخاوف متزايدة بشأن الصين.

ربما يعجبك أيضا