كيف استفاد أردوغان من بوتين لحسم الانتخابات؟

آية سيد
بوتين وأردوغان

سلك أردوغان نهجًا مشابهًا لنهج نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ما مكنه من التشبث بالمنصب والخروج أقوى ليصبح "سلطان تركيا بلا منازع".


استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفوز بولاية رئاسية ثالثة، كما استطاع ائتلافه تأمين الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، عكس التوقعات.

وفي هذا السياق، أشار مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن، سونر جاغابتاي، إلى أن الرئيس التركي سلك نهجًا مشابهًا لنهج نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ما مكنه من التشبث بالمنصب والخروج أقوى ليصبح “سلطان تركيا بلا منازع”.

نهج أردوغان

في تحليل بمجلة فورين أفيرز الأمريكية، الاثنين 29 مايو 2023، لفت جاغابتاي إلى أن المحللين عادة ما قارنوا نهج أردوغان في السلطة بنهج القادة غير الليبراليين في الديمقراطيات الأوروبية، ومنهم رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذين استخدموا مزيجًا من النفوذ المؤسسي والإجراءات الشعبوية لتعزيز الدعم والتلاعب بالنظام لصالحهم.

وتذهب هذه النظرية إلى أن تركيا ليست نظامًا استبداديًّا خالصًا، وإنما ديمقراطية سقطت في يد حاكم استبدادي. ووفق هذا النموذج، طالما يستطيع أردوغان تحقيق الازدهار للطبقات المتوسطة، وإبقاء المعارضة منقسمة، وإحكام قبضته على القضاء وأفرع الحكومة الأخرى، ستكون قبضته على السلطة في أمان.

إلا أنه في ظل الاضطراب الاقتصادي المطول، والاستجابة السيئة للزلزال، والمعارضة الموحدة، امتلك الأتراك أسبابًا كثيرة لمقاومة حكم أردوغان. لكن ليس هذا ما حدث، حسب المحلل التركي.

اقرأ أيضًا| مقال رأي بـ «نيوزويك»: شعبية أردوغان تآكلت ولكن ليس ديكتاتورًا

نقطة تحول

تشير نتيجة الانتخابات إلى أن تركيا أصبحت أقرب إلى نظام استبدادي أوراسي منها إلى ديمقراطية أوروبية غير ليبرالية، وفق جاغابتاي، الذي أوضح أن أحد الأسباب وراء ذلك هو أن نهج أردوغان تجاه السلطة الانتخابية أصبح يشبه نهج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

ومثلما فعل بوتين في روسيا، استطاع أردوغان تحديد معايير الانتخابات قبل وقت طويل من التصويت. وتجلى هذا في اعتقاله لقادة المعارضة البارزين، مثل عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ونشطاء المجتمع المدني، وشيطنة أحزاب المعارضة بوصفهم متعاطفين مع الغرب ومتآمرين انقلابيين وحلفاء للإرهابيين، واللعب على ورقة رهاب المثلية.

وكذلك استخدم أردوغان سيطرته شبه الكاملة على الإعلام التركي لتغيير تركيز الانتخابات نفسها، عبر منع مناقشة أي قضايا حرجة مثل الزلزال، والاقتصاد، وفساد الحكومة. وقال جاغابتاي إن أردوغان أمضى الـ7 سنوات الماضية في تنمية العلاقات مع روسيا ومحاكاة استراتيجيات بوتين للحفاظ على السلطة.

التقرب من بوتين

لفت المحلل التركي إلى أن العلاقات التي تطورت تدريجيًّا بين الزعيمين تعود إلى العام 2016 عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. وبعد أسبوعين من تلك اللحظة الحرجة، دعا بوتين أردوغان إلى سان بطرسبرج لعقد اجتماع، والذي كان مغيرًا للعبة.

وعلى الرغم من العداء التاريخي بين البلدين، ودعمهما لطرفين متعارضين في الصراع السوري، رأى بوتين فرصة نادرة للتودد إلى نظيره التركي، لإدراكه أن أردوغان كان ضعيفًا وبحاجة إلى الدعم.

وقال جاغابتاي إن هذا الاجتماع قدم فرصة لبوتين لإحداث وقيعة بين تركيا والولايات المتحدة، وقدم مزايا لأردوغان، الذي كان يحاول تعزيز سلطته بعد الانقلاب.

اقرأ أيضًا| كيف يؤثر فوز أردوغان في العلاقات مع الولايات المتحدة والناتو؟

شراكة جديدة

عدد جاغابتاي القواسم المشتركة بين بوتين وأردوغان، التي ساعدت في توطيد العلاقات بينهما. ولفت إلى أن اجتماع 2016 مهد الطريق لروسيا كي تقرب تركيا من سياستها الخارجية. وأبرم البلدان سلسلة من الاتفاقيات، في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز، حيث كانا منخرطين في حروب بالوكالة.

وبعد اجتماع 2016، وافق أردوغان على وقف الحملات العسكرية ضد نظام بشار الأسد في سوريا، وتحويل تركيزه العسكري إلى وحدات حماية الشعب الكردية، شريكة الولايات المتحدة في الحرب على تنظيم داعش. والتزم أردوغان أيضًا بشراء منظومة إس-400 الروسية.

وهكذا استطاع بوتين خلق مشكلتين أساسيتين في علاقة واشنطن وأنقرة، اللتين تستمران في عرقلة العلاقات الأمريكية التركية حتى يومنا هذا.

اقرأ أيضًا| أردوغان: تركيا تتمتع بعلاقة خاصة مع بوتين 

سلطان جديد

حسب جاغابتاي، أصبح بوتين مصدر الدعم المالي الجديد لنظام أردوغان. وبدأ الرئيس التركي في تقليد أسلوب بوتين في الحكم. وبعد محاولة الانقلاب، اتخذ أردوغان إجراءات صارمة جديدة لاستئصال أي تهديدات لسلطته.

وفي 2017، نظم استفتاءً لتغيير النظام السياسي في تركيا من ديمقراطية برلمانية إلى نظام رئاسي، وهي الخطوة التي منحته المزيد من الصلاحيات التنفيذية ليصبح “السلطان الجديد”، على حد تعبير المحلل التركي.

ومنذ 2016، سهّل بوتين 4 عمليات عسكرية تركية في سوريا لتقويض وحدات حماية الشعب الكردية. وفي المقابل، قدم أردوغان المساعدة لبوتين في حرب أوكرانيا، من خلال إبقاء العلاقات الاقتصادية مستمرة، وعدم الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد موسكو.

رجل موسكو

في هذه المرحلة، يجمع أردوغان وبوتين رابطًا وطيدًا، وفق جاغابتاي. وبالنسبة للرئيس الروسي، أردوغان زعيم ذو تفكير متشابه، ويستطيع من خلاله تحدي النظام الدولي الذي تقوده واشنطن بطريقة غير مباشرة. وبالنسبة لأردوغان، قدم الرئيس الروسي نموذجًا لكيفية إقصاء المعارضة الداخلية وكسب سلطة شبه مطلقة.

وحتى مع وجود قضايا غير محسومة بين البلدين، مثل صراع قبرص والضم الروسي للقرم، يعلم بوتين أنه يمتلك استثمارًا آمنًا مع أردوغان، لأنه كلما سار أردوغان في الاتجاه الاستبدادي، أصبحت أنقرة شريكًا مطواعًا للكرملين.

وختم المحلل التركي بأن فوز أردوغان بالانتخابات يعني أنه سيواصل تفضيل موسكو على الصعيد الدولي، عبر الحفاظ على العلاقات الاقتصادية القوية وتوفير طرق حيوية لبوتين والأوليجارش الروس لتجاوز العقوبات، مضيفًا أن أردوغان يجلس على العرش بقلق، وبوتين يستغل هذا لتقريب أنقرة من موسكو.

ربما يعجبك أيضا