كيف انعكست الحرب التكنولوجية مع الصين على فعالية المؤسسات الأمريكية؟

رنا أسامة

تخلي الولايات المتحدة عن الطائرات المسيرة صينية الصنع التي كانت تشارك في إخماد حرائق الغابات، مثل دليلًا ملموسًا على التداعيات غير المباشرة للصراع بين واشنطن وبكين.


في خضم التوترات الأمريكية الصينية، أفرزت الحملة الصارمة التي تشنها واشنطن لمنع بكين من الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية صراعًا عالميًّا جديدًا.

مدير التنبؤ العالمي في وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية، أجاث ديماريه، ألقت الضوء على ذلك الصراع في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية يوم 19 نوفمبر 2022.

كل شيء يدور في فلك الصين

أشار التقرير إلى أن ملامح الصراع تجلت في حرائق الغابات بالولايات المتحدة، خاصة التي اندلعت بولايتي كاليفورنيا وأوريجون، صيف 2020، فعلى الرغم من وقوع الحرائق سنويًّا بتلك المنطقة، شابها أمران غير مألوفين، حين لاحظ رجال الإطفاء أن ما يعرف بـ”الحرائق الوقائية”، إحدى وسائل منع حرائق الغابات، لم تحدث خلال فصل الربيع ذلك العام.

ومن الغرابة أيضًا، أنه لم تحلق أية طائرات من دون طيار في تلك المنطقة، لمراقبة سرعة انتشار النيران. وأشار التقرير  إلى أن السبب الحقيقي لذلك لم يكن له علاقة بالغابات أو بالسياسات البيئية أو بالتخفيضات الدائمة في الميزانية، بل “كان كل شيء يدور في فلك الصين”.

قلق أمريكي من مسيرات بكين

أوضح التقرير أنها في عام 2019، أمرت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، الوكالات الحكومية الأمريكية بالتوقف عن استخدام أكثر من 800 طائرة من دون طيار، شاركت في مراقبة حرائق وإشعال حرائق وقائية بجميع أنحاء البلاد لأنها صنيعة شركة “دي جيه آي” الصينية.

ولفت إلى أن استخدام مسيرات “دي جيه آي” لم يكن أمرًا مميزًا للولايات المتحدة، فالشركة الصينية توفر أكثر من 70% من الطائرات المسيرة المدنية في العالم، لكنها أثارت قلقًا أمريكيًًا من إمكانية إرسالها، سرًا، معلومات حساسة إلى بكين. في المقابل، أنكرت الشركة بشدة تلك الادعاءات، وتحركت لنقل خطوط إنتاجها إلى الولايات المتحدة.

مسيرات صينية

تحذير ومخاطر

في حين أن موظفي وزارة الأمن الداخلي الأمريكية حذروا من أن وقف الحرائق الوقائية، من شأنه أن يؤجج حرائق غابات كارثية، تجاهلت إدارة ترامب هذه التحذيرات، ومضت قدمًا في استراتيجيتها لعزل الصين، التي شملت وقف شراء 17 نظامًا عالي التقنية، يعرف باسم “إيجنيس”، ويستخدم في إشعال الحرائق الوقائية.

وبحسب التقرير، أضافت الولايات المتحدة “إيجنيس”، قبل عدة سنوات، إلى قائمة الابتكارات المصنوعة في أمريكا، لكنه لا يزال يشكل مخاطر كبرى للغاية، في نظر الإدارة، لاحتوائه على مكونات صينية الصنع.

دليل ملموس

التخلي عن الطائرات المسيرة، وما تبعه من عواقب وخيمة، مثّل دليلًا ملموسًا على التداعيات غير المباشرة للصراع بين واشنطن وبكين، بحسب ديماريه، موضحًا أن وجود المسيرات ربما لن يمنع وقوع الحرائق، لكن يمكن أن يسهم في خفض عدد الضحايا، الذين قدروا بنحو 40 قتيلًا، وتقليل حجم الخسائر، التي بلغت 19 مليار دولار، في كاليفورنيا وحدها.

وتساءل التقرير “هل التخفيف من مخاطر الاستخدام الصيني المزعوم للطائرات المسيرة للتجسس على الأراضي الأمريكية، يستحق دفع هذه الكلفة الباهظة؟” مشيرًا إلى أن “جواب واشنطن واضح، بالإيجاب على ما يبدو”.

مخاوف من صعود الصين تكنولوجيًا

نوه التقرير بأن مخاوف واشنطن بشأن الصعود التكنولوجي للصين، والتجسس الصناعي والسرقة الإلكترونية، المصاحبة له، تعود إلى أوائل العقد الأول من القرن 21، لكنها ظهرت على السطح عام 2018، عندما أصدر الممثل التجاري للولايات المتحدة تقريرًا مطولًا يلخص “جرائم بكين المتصورة ضد واشنطن”.

وسلط ذلك التقرير الضوء على إدراك واشنطن أن الاقتصاد الصيني ليس خاضعًا لقوى السوق، بل تحركه توجهات القيادة الصينية. وبحسب الحكومة الأمريكية، تركز الاستراتيجية الاقتصادية للصين على استقطاب شركات أجنبية، بغية سرقة التكنولوجيا الخاصة بها وتوطينها، قبل إجبارها على الخروج من السوق الصينية.

شبكات الجيل الخامس في الصين

ممارسات جائرة

بموجب تلك الاستراتيجية الاقتصادية للصين، التي تتصورها واشنطن، تجبر حكومة بكين الشركات العالمية الراغبة في الوصول إلى السوق الصينية، على الدخول في مشروعات مشتركة، مع شركات محلية، تهدف أولًا وأخيرًا إلى “شفط” الأسرار التكنولوجية من نظيرتها الأجنبية، وكذلك قد تجبر الشركات على بيع خبراتها لشركائها الصينيين بأسعار مخفضة.

وقال التقرير إن الممارسات الصينية “الجائرة” لا تشكل سوى جانب واحد من مخاوف واشنطن تجاه بكين، مشيرًا إلى أن السماح لشركات التكنولوجية الصينية بالعمل على الأراضي الأمريكية، أو استخدام الوكالات الحكومية تلك التكنولوجيا، صعّد المخاوف بشأن تعريض الأمن القومي الأمريكي للخطر.

تهديد حاد

يرى ديماريه أن هذه المخاوف تبدو صحيحة نظريًا، فرغم لا توجد سجلات لحوادث مماثلة، قد يجبر قانون الأمن القومي الصيني الشركات العاملة في الولايات المتحدة على جمع معلومات عن مواطنين أو شركات أمريكية وإرسالها إلى بكين. وبموجب اللوائح الصينية، لا تملك تلك الشركات الحق في رفض ذلك.

ويقول الكاتب إن أبراج الاتصالات الصينية، المثبتة بالقرب من مبان حكومية، مثل المكاتب الفيدرالية أو القواعد العسكرية، تشكل تهديدًا خطيرًا، من هذا المنظور، ما وصفه بـ”لب الجدل بشأن مشاركة بكين في نشر شبكات الجيل الخامس عالميًّا”، مع مخاوف أن تستخدم الصين تلك الشبكات في التجسس يراها معارضون “نظرية وبلا سند”.

السيناريو الأسوأ

السيناريو الأسوأ للمؤسسة الأمنية الأمريكية أكثر إثارة للقلق، بحسب ما يورده التقرير، الذي أشار إلى مخاوف الخبراء من أن تركيب معدات اتصالات صينية على أراض أمريكية، من شأنه أن يمكّن بكين من قبض سيطرتها على شبكات الاتصالات أو الإنترنت في الولايات المتحدة.

ورغم أن معظم المحللين يستبعدون هذا السيناريو، على أساس أن انهيار الاقتصاد الأمريكي سيؤدي لتراجع نمو الصين. يشير التقرير أيضًا إلى أن إقدام بكين على تلك الخطوة يؤثر في قدرتها على إقناع دول أخرى باعتماد معدات الاتصالات الصينية، محذرًا في الوقت نفسه من أنها حال اندلاع صراع عسكري مباشر بشأن تايوان، مثلًا، قد لا تجد الصين بدًا حينها.

ربما يعجبك أيضا