كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية؟

آية سيد

وجدت الأبحاث علاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وتراجع الصحة النفسية لكن المشكلة لا تكمن في تلك التطبيقات.


على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي لها فوائد إيجابية على الصحة النفسية، فإن الإفراط في استخدامها قد يؤدي إلى مشكلات كارثية.

وتقول اختصاصية الصحة النفسية البريطانية، تارا بورتر، في تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، يوم الأحد 22 مايو 2022، إن الصحة النفسية لليافعين تشهد تراجعًا مستمرًا منذ ظهور الهواتف الذكية، لكنها تشدد على أن الهواتف ليست سبب المشكلة في حد ذاتها.

الهواتف الذكية والقلق

في أثناء تأليف بورتر كتاب “أنت لا تفهمني” (You Don’t Understand Me) الذي تناول الصحة النفسية للفتيات واليافعات، بحثت تفاصيل العلاقة بين الهواتف والقلق. ولكن بورتر لاحظت من الفحوصات السريرية أن الهواتف تعمل كمحفز لمشاعرنا، وليست سببًا المشكلة في حد ذاتها.

وأوضحت أنه في بعض الأحيان يكون للهواتف جانب إيجابي عندما تتيح لنا التواصل مع الأصدقاء والعائلة، ومشاركة الأخبار السعيدة أو الصور أو المزحات. كما أنها تتيح للمجتمعات المهمشة بالعثور على بعضها البعض.

تصورات خيالية تتحول لأفكار كارثية

بحسب بورتر، يميل البشر للتنبؤ بالخطر، وبعد التعرض لمحفز مبدئي تتحرك عقولنا سريعًا لتخلق ظروفًا خيالية كارثية، تستجيب لها أجسادنا كما لو كانت حقيقية. وهنا تضرب الطبيبة البريطانية مثلًا عندما يلتقي بعض الأصدقاء دون أحدهم، فيظن أنهم لا يرغبون في وجوده ولا يحبونه، وينتهي الأمر بأن يظن أنه شخص غير محبوب وسيموت وحيدًا

وتشير بورتر إلى أن الهواتف تساهم في هذا الأمر بعدة طرق مختلفة، فعن طريقها، نعرف أن الأصدقاء سيلتقون دوننا، ما يدفعنا إلى التفكير في مخاوفنا وأسوأ صفاتنا ومقارنتها بالآخرين، ويجعلنا قلقين وتعساء.

ثقافة المقارنة

أشارت بورتر إلى أن الهواتف تعزز ثقافة المقارنة التي قد تترك الشخص غير راضٍ عن كل جوانب حياته، مثل عدم تمتعه بالوزن المثالي، أو كونه غير ناجح أو غير منظم، أو عدم امتلاكه منزلًا رائعًا، أو عدم كونه ذكيًّا أو مطلعًا بما يكفي.

وفي هذا الشأن، أفاد بحث بوجود علاقة بين مشاهدة صور الأجساد المثالية للمشاهير، وزيادة مستوى عدم الرضا عن الجسد، واضطرابات الأكل. حتى عندما نعلم أن الصور جرى التلاعب بها، أو أنها لها علاقة باللياقة البدنية، فهي تؤثر أيضًا في عدم رضانا عن أجسادنا.

التمييز بين الاستخدام السلبي والإيجابي للهاتف

توجد بورتر بعض الأسئلة لمرضاها بشأن استخدامهم للهواتف الذكية، لتحدد ما إذا كانوا يستخدمونها على النحو الصحيح. والسؤال الأول هو “هل تستخدم هاتفك للتواصل مع الأشخاص أم للمقارنة معهم؟” محذرة من أن استخدام الهاتف للمقارنة مع الآخرين يزيد القلق.

والسؤال الثاني هو “هل توجد نقطة فاصلة يتحول عندها استخدام الهاتف من الإيجابي إلى السلبي؟ وهل تلاحظ تلك النقطة الفاصلة؟ وهل تستطيع ترك هاتفك حينها؟” وأشارت بورتر إلى أنه عند تلك النقطة يصبح الهاتف جذابًا بشدة. وأما السؤال الثالث فهو “هل يعطلك الهاتف عن الأنشطة الإيجابية لصحتك النفسية؟” يصبح استخدام الهاتف أكثر ضررًا عندما يتعارض مع النوم، والأكل بانتظام، والخروج وممارسة الأنشطة الجسدية التي تُعد جميعها مهمة للرفاه.

كيف نستخدم الهاتف بطريقة إيجابية؟

ذكرت بورتر أن استخدام الهواتف والإنترنت يصبح مفيدًا عندما يتماشى مع قيمنا، وليس عندما يُبعدنا عنها.، موضحة أنه يوجد خط رفيع للتمييز بين الأمرين، لذلك يجب أن يكون استخدام الهاتف مدفوعًا بالتواصل مع الأشخاص، لكن ليس بهدف المقارنة معهم، والاهتمام بالنفس، واستخدام تطبيقات مفيدة أو حضور حصص يوجا عبر الإنترنت، لكن ليس على حساب ساعات النوم والراحة.

وكذلك أن يكون استخدام الهاتف في الإبداع عبر استخدام المنصات مثل تيك توك لنشر التصوير الفوتوجرافي أو الكتابة أو الفنون أو الفكاهة، لكن يجب الانتباه للمحتوى المقدم على هذه المنصات، وكذلك استخدامه الإطلاع على الأفكار الجديدة والمختلفة، لكن دون تحويل الاختلاف البسيط إلى مشاجرة كبيرة.

الابتعاد عن منصات التواصل الاجتماعي

خلص بحث أجراه فريق باحثين في جامعة باث البريطانية، نُشرت نتائجه في 6 مايو 2022، إلى أن الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع له تأثير إيجابي على الرفاه والاكتئاب والقلق.

ولأغراض الدراسة، قسّم الباحثون 154 فردًا تتراوح أعمارهم بين 18 و72 عامًا ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي يوميًّا إلى مجموعتين، الأولى مجموعة تدخل، طُلب منها التوقف عن استخدام برامج التواصل الاجتماعي كافة لمدة أسبوع. والثانية مجموعة مراقبة، سُمح لها باستخدام تلك المنصات كالمعتاد. وتسجيل مؤشرات القلق والاكتئاب والرفاه لدى الفريقين.

تحسن ملحوظ في الصحة النفسية

بعد أسبوع من بدء الدراسة، شعر المشاركون الذين ابتعدوا عن وسائل التواصل الاجتماعي بتحسن ملحوظ في الرفاه، والاكتئاب والقلق أكثر ممن واصلوا استخدامها، ما يشير إلى فائدة قصيرة المدى.

وقال الباحث المشرف على الدراسة، جيف لامبرت، إنه “توجد مخاوف متزايدة بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية، لذلك في هذه الدراسة، أردنا رؤية ما إذا كان الابتعاد عنها لمدة أسبوع سيأتي بفوائد للصحة النفسية”.

وتابع “أبلغ الكثير من المشاركين عن آثار إيجابية للابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي، منها تحسن في الحالة المزاجية وانخفاض في القلق عمومًا. وهذا يشير إلى أن الاستراحة القصيرة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي”.

ربما يعجبك أيضا