كيف تتناقض مواقف الهند من الحرب الروسية الأوكرانية مع أفعالها؟

بسام عباس
مودي وبوتين

يجسد التناقض الواضح موقف الهند المتأرجح من الحرب بإبعاد نفسها شفهيًّا عن روسيا، مع الاستمرار في الحفاظ على العلاقات المحورية معها.


تتناقض التصريحات الرسمية للحكومة الهندية بشأن الحرب الروسية الأوكرانية مع أفعالها تجاه موسكو، وفق تقريرٍ لشبكة “سي إن إن” الإخبارية، يوم الاثنين 3 أكتوبر 2022.

ولم تنساق الهند مع الغرب في فرض عقوبات على روسيا أو مقاطعتها، ما أمّن لموسكو شريانًا اقتصاديًّا حيويًّا، ولكنها في المقابل أبدت في تصريحاتها حذرًا مشوبًا بالقلق من الحرب المستمرة منذ قرابة 8 أشهر،وتصاعدت وطأتها على نحو غير متوقع في الأسابيع الماضية.

امتناع عن التصويت لإدانة روسيا

وفقًا لما أوردته شبكة “سي إن إن”، امتنعت نيودلهي مرارًا عن التصويت لإدانة روسيا في الأمم المتحدة بعد الحرب، وفي الأسبوع الماضي، امتنعت عن التصويت على مشروع قرار أممي آخر يدين الاستفتاءات الروسية في أوكرانيا لضم 4 مناطق تسيطر عليها على نحو غير قانوني.

ونقلت “سي إن إن” عن المندوبة الدائمة لنيودلهي لدى الأمم المتحدة، روشيرا كامبوج، قولها إن الهند “منزعجة بشدة” من التطورات في أوكرانيا، ولكنها لم تصل إلى حد توجيه اللوم، وحثت على “وقف فوري لإطلاق النار وحل النزاع”.

تباين الموقف من الحرب

ظهر تباين نيودلهي في موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، عندما شاركت إلى جانب الصين في مناورات “فوستوك” العسكرية الروسية، في خطوة جلبت انتقاد شركائها الغربيين. وحذر الزميل في مركز نيودلهي لأبحاث السياسة، سوشانت سينج، من أن حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، تخاطر بأن توصف الهند “بالمنافقة” لتناقض أفعالها مع أقوالها.

وقالت أستاذة السياسة ومديرة مبادرة القوى الصاعدة بكلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، ديبا أولابالي، إنه ينبغي النظر إلى “لغة مودي الأقوى مع بوتين”، في سياق ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة، و”المصاعب التي كانت تخلق للبلدان الأخرى” من جرّاء الحرب، وأضافت أن “يوجد مستوى معين من نفاد الصبر (بالنسبة للهند) مع اشتداد الحرب”.

 قوة العلاقة مع روسيا

تتمتع نيودلهي بعلاقات قوية مع موسكو تعود إلى الحرب الباردة، ولا تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الكرملين في التجهيزات العسكرية، وهو رابط حيوي نظرًا للتوترات المستمرة في الهند على حدودها المشتركة في الهيمالايا مع الصين، وفق تقرير “سي إن إن” الأمريكية.

بعد استقلالها، حددت الهند علاقاتها الدولية من خلال سياسة قائمة على عدم الانحياز إلى الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، ونقلت “سي إن إن” عن محللين أنه على الرغم من تحالف الهند، اليوم، مع الغرب، والضغط من الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أقوى، فلا تزال هذه السياسة قائمة، وقراراتها تنبع من مصلحة الهند الذاتية.

الأولوية للمخاطر في حديقتها الخلفية

ظاهريًّا، يبدو أن الهند والصين لديهما مواقف متماثلة بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، فكلتاهما وقفت كمتفرج محايد، وليس كمعارض صريح، ودعت كلتاهما إلى السلام، ولكنهما رفضا إدانة الحرب صراحة، إلا أن الهند لم تنتقد حلف شمال الأطلسي “ناتو”، مثل الصين، واستخدمت لغة أقوى للدعوة إلى السلام مع اشتداد الحرب.

ولكن على الرغم من تقارب الهند المتزايد مع الغرب، فإن محللين يقولون إنها تعطي الأولوية للمخاطر في حديقتها الخلفية، فمن جانبه، أوضح سينج أن الصين تشكل التهديد الأكبر على حدود الهند، التي تخشى من أن عزلة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين المتزايدة يمكن أن تقوي التحالف الروسي الصيني، ما يسهم في تقاربها، ويتطلب من الهند أن تخطو بحذر، وفقًا لمحللين.

مسار جيوسياسيّ مستقل

قالت ديبا أولابالي إن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن الهند تفضل تعدد الأقطاب حتى الآن، وأنها لا تزال عضوًا مستاءً في النظام العالمي الليبرالي، رغم أنها حققت المكاسب من ذلك النظام، وقد يجبرها تفاقم الحرب على الاختيار بين شركائها في التحالف الرباعي وروسيا.

وأضافت أن الهند رسّخت استقلاليتها الاستراتيجية من دون تكبّد أي تكاليف اقتصادية أو استراتيجية، مشددة على أن شركائها الغربيين سيتحملون الاختلافات القائمة، لأنه لا وجود لمنطقة الهندوباسيفيك من دون الهند، وكلنها أشارت في الوقت نفسه إلى أنه على نيودلهي تعديل فكرتها بشأن نوع النظام العالمي الذي يحمي استقلاليتها الاستراتيجية.

ربما يعجبك أيضا