كيف تدفع الصين نفسها نحو طريق «الانهيار الحتمي»؟

آية سيد
الولايات المتحدة لا تحتاج إلى احتواء الصين

بينما يبدو الزعيم الصيني بارعًا في شق طريقه نحو حكم الرجل الواحد، فإنه يفعل كل شيء آخر بطريقة خاطئة، ما يغني الولايات المتحدة عن سياسات الاحتواء.


في ظل صعود الصين على المستويين الجيوسياسي والاقتصادي، يرى الأكاديمي الأمريكي، جون مولر، أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى بذل الكثير لاحتوائها.

وقال عالم السياسة بجامعة أوهايو والزميل بمعهد “كاتو”، في مقال نشرته مجلة “ناشيونال إنترست“، يوم الجمعة 25 نوفمبر 2022، إن السياسات الداخلية والخارجية، التي تتبعها الصين مؤخرًا، قد تؤدي لانهيار النظام، على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفيتي.

سابقة سوفيتية

استشهد مولر بملاحظة للمحلل السياسي الأمريكي، ستروب تالبوت، عام 1990، عندما قال إن الاتحاد السوفييتي دخل “حالة الانهيار، بسبب أوجه القصور والخلل في جوهره، وليس بسبب أي شيء فعله العالم الخارجي”. وأوضح أن المشكلات، التي واجهها السوفييت، كانت نتيجة مباشرة للسياسات الداخلية والخارجية، بغض النظر عن جهود الغرب.

ووفق الكاتب، يبدو أن شيئًا مشابهًا يحدث مع الصين، اليوم، موضحًا أنه قبل عقد ونصف العقد تقريبًا، بدأت بكين الابتعاد عن نهج السياسة الخارجية القائم على التساهل والاستيعاب، وهو تغيير تبناه وسرّع وتيرته الزعيم الحالي، شي جين بينج. وكذلك أصبحت حكومته استبدادية، وتبنت إجراءات تقيّد التفكير المستقل والاقتصاد الخاص، دفعتها عبر فترة ركود اقتصادي.

تقييم التغييرات

أشار مولر إلى أن أحد المظاهر المبكرة للتغيير، هو اتباع الصين نهجًا أكثر “حزمًا” في الشؤون الدولية، في ظل نمو اقتصادها. لكنه يشدد في الوقت نفسه أن تلك السياسة الجديدة لم تُكسب بكين المزيد من النفوذ، لأنها اتسمت في أكثر الأحيان “بالبطش والبلطجة”، ما أبعد الشعوب والأنظمة بأنحاء العالم، بما يشمل جيران مهمين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا والهند وأستراليا.

وما كان مثيرًا للإعجاب خاصة، من منظور مولر، هو “نوبة الغضب العسكرية” الصينية، على حد تعبيره، بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، أغسطس الماضي، مشيرًا إلى أن هذا السلوك رفع الوعي في تايوان بشأن الدفاع، وألهم موكبًا من الزيارات إلى الجزيرة من برلمانيين من مختلف أنحاء العالم، للتعبير عن دعمهم.

النفوذ الاقتصادي

في ما يتعلق بنهج بكين لرفع مكانتها ونفوذها، لفت عالم السياسة الأمريكي إلى أن مبادرة “الحزام والطريق” لم تحقق نتائج أفضل. ففي حين أن شي أعلن أنها “مشروع القرن” في أثناء الموافقة على قروض بقيمة 75 مليار دولار عام 2016، أثبت الكثير من هذه القروض أنها مضللة اقتصاديًا، وقُلصت الميزانية إلى 4 مليارات دولار في 2019.

وقال مولر إن هذه الجهود، التي كانت مصممة لتعزيز صورة بكين وزيادة نفوذها، فشلت بدرجة كبيرة. وفي الوقت نفسه، استمرت الصين في التحرك بقوة نحو الاقتصاد الموجه، وكانت تفضل المشروعات عديمة الكفاءة، المملوكة للدولة، على المشروعات الخاصة، التي تتسم بالكفاءة، وكان حكم الرجل الواحد للحزب الشيوعي “الفاسد والبالي”، مفضلًا على النمو الاقتصادي.

نمو خادع

لعقود عديدة، شهدت الصين قدرًا ملحوظًا من التنمية الاقتصادية، وكان هذا الصعود مذهلًا جزئيًّا، لأنها بدأت من مستوى منخفض، بسبب “السياسات الكارثية” للزعيم المؤسس، ماو تسي تونج.

ولفت عالم السياسة الأمريكي إلى أن الصين أصبحت تحتل المرتبة الثانية، وربما الأولى، عالميًّا في الناتج المحلي الإجمالي. لكن على النقيض، عندما يتعلق الأمر بالناتج المحلي الإجمالي للفرد، تأتي الصين في المرتبة 78، مثل جمهورية الدومنيكان.

الركود الاقتصادي

ذكرت المتخصصة في شؤون الصين، سوزان شيرك، في كتاب حديث، أن بكين وسعت ميزانيتها العسكرية، وتبنت سياسة “الذئب المحارب” الخارجية والاقتصادية، التي أثارت “ردود فعل دفاعية من الدول الأخرى”، محذرت من أن هذه السياسات المتغيرة أدت، أو تؤدي، إلى ركود “شديد ومطول” محتمل في الاقتصاد الصيني.

وتتضمن التحديات أمام الاقتصاد الصيني، بحسب شيرك، ارتفاع الديون وتراجع الإنتاجية، والحمائية الأجنبية والفساد، والتدهور البيئي، وتقييد الحريات المدنية، والرقابة المشددة على الإنترنت، موضحة أنا هذه التطورات ليست بسبب مؤامرات خارجية، بل نتيجة تغييرات في العمليات والضغوط الداخلية، ونوّه مولر بأن سياسة “صفر كوفيد” إحدى المشكلات الخطيرة أيضًا.

تقييم التهديد

من المنظور العسكري أو الجيوسياسي، جادل البعض بأن بكين لديها 3 أهداف، تتمثل في الاستيلاء على تايوان، والسيطرة على البحار من حولها، وتأسيس نوع من السيادة الإقليمية، كمنصة انطلاق نحو القوة العالمية. لكن مولر قال إن هذه الأهداف ليست تهديدًا خطيرًا.

وأوضح الكاتب أن الغزو العسكري لتايوان سيتطلب من الصين إطلاق آلاف الصواريخ على الجزيرة، والقواعد العسكرية والسفن الأمريكية في اليابان وجوام، ما يراه خطوة مكلفة وعبثية.

طموح صيني مقبول

يريد شي أيضًا التغلب على ما يراه “إهانات الماضي”، التي تعود إلى حرب الأفيون عام 1839. لكن هذا لا يمثل تهديدًا أيضًا، من وجهة نظر مولر، بل يرى أنه من المنطقي بدرجة كبيرة للدول الأخرى، بينها الولايات المتحدة، أن تقبل هذه الأهداف، التي وصفها بـ”الوهمية والتجميلية”، مشددًا على أنه إذا كانت الصين تطمح بأن تكون لاعبًا كبيرًا، فلا ينبغي أن يصبح هذا مصدر قلق كبيرًا.

وأوضح مولر أنه من المستبعد أن يكون معدل نجاح الصين أفضل من الولايات المتحدة “المهيمنة”، التي تحاول إخضاع كوبا منذ أكثر من 60 عامًا دون جدوى. منوهًا أيضًا، بأن الإخفاقات العسكرية الذريعة للولايات المتحدة، في فيتنام والصومال والعراق وليبيا وأفغانستان، ليست مشجعة على التقليد.

كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الصين؟

بينما يبدو الزعيم الصيني بارعًا في شق طريقه نحو حكم الرجل الواحد، فإنه يفعل كل شيء آخر بطريقة خاطئة، على حد تعبير مولر، الذي قال إنه في ظل هذه الظروف، لا تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسات الاحتواء، والبديل هو الانتظار، ربما لوقت طويل، حتى تنضج الصين وتعود إلى سابق عهدها، مع التربح بحذر من حجم الصين الاقتصادي بأكبر قدر ممكن.

وقال عالم السياسة الأمريكي إنه بقدر ما كانت سياسات بكين رد فعل لما تراه استفزازات من الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة، فإن الحافز، أو العذر، وراء هذه السياسة سيهدأ. واستشهد بمقولة نابليون بونابرت: “لا تقاطع عدوك في أثناء ارتكابه خطأ”، موضحًا أنها تنطبق في هذه الحالة، رغم أنه ليس من الواضح إذا كان ينبغي اعتبار الصين “عدوًا”.

ربما يعجبك أيضا