كيف تصاعدت «احتجاجات كوفيد» في الصين من وقفة سلمية إلى حشد صاخب؟

رنا أسامة

وقفة احتجاجية صغيرة نظمها أقل من 10 أشخاص في شنجهاي، تحولت في غضون ساعات إلى حشد صاخب يطالب الزعيم الصيني بالتنحي.. ماذا حدث؟


ألقت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية الضوء على كيفية تصاعد الاحتجاجات في الصين، على وقع سياساتها الصارمة لاحتواء فيروس كورونا.

وقالت الوكالة إن وقفة احتجاجية صغيرة نظمها أقل من 10 أشخاص في شنجهاي، أكبر مدن الصين، بنهاية الأسبوع الماضي، تحولت في غضون ساعات إلى حشد “صاخب” يضم المئات، وسط دعوات تطالب الزعيم الصيني بالتنحي.

احتجاجات عفوية لافتة

في تقرير، نشرته يوم أمس السبت 3 ديسمبر 2022، لفتت “أسوشيتد برس” إلى أن احتجاجات شنجهاي، التي جرت يوم 26 نوفمبر، لم تكن الأولى أو الأكبر، لكنها ملفتة للنظر، لما انطوت عليه من دعوات جريئة لإحداث تغيير بالقيادة الصينية، في ما وصفته بـ”أكبر تحد للحزب الشيوعي الصيني منذ عقود”.

وفي حين سارع مدونون قوميون صينيون إلى إلقاء اللوم على “أياد خبيثة” أجنبية، وتعهد حكومة بكين بقمع “قوات معادية”، قال 11 محتجًا وشاهدًا تحدثوا إلى “أسوشيتد برس”، شريطة عدم كشف هوياتهم خوفًا من الشرطة الصينية، إن الاحتجاجات اندلعت بطريقة عفوية.

شموع وزهور تخليدا لذكرى ضحايا حريق أورومتشي

انفجار غير متوقع

أشار التقرير إلى أن 3 أعوام “طاحنة” من الإغلاق، في إطار سياسة “صفر كوفيد”، مع الاستمرار في تقييد الحريات المدنية بالصين، مهّد الطريق لمثل هذا “الانفجار الشعبي” بطريقة غير متوقعة، لم تكن في حسبان السلطات، ولا الشرطة الصينية، ولا المحتجين أنفسهم.

وجرت الوقفة الاحتجاجية مساء يوم 26 نوفمبر، بمنطقة الامتياز الفرنسي في شنجهاي، وهي منطقة عصرية مليئة بمقاهٍ على طراز “آرت ديكو” ومتاجر عتيقة وقصور تيودور التاريخية، بمشاركة فنانين وموسيقيين محليين، حسب ما نقل التقرير عن اثنين من أصدقاء هؤلاء المشاركين.

حريق أورومتشي

في البداية، أطلق محتجون على شارع مزدحم اسم أورومتشي، تلك المدينة الواقعة بأقصى شمال غرب شينجيانج، التي قتل فيها ما لا يقل عن 10 أشخاص في حريق بمبنى سكني يوم 24 نوفمبر، وسط اتهامات للحكومة بالتسبب في سقوط ضحايا، بسبب إجراءات الإغلاق، وهو ما نفته السلطات.

وسرعان ما اندلع الغضب عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية. وألقت ملايين المنشورات باللوم على حواجز مكافحة الفيروسات في إعاقة إخماد نيران “حريق أورومتشي”، في حين همّ سكان المدينة إلى الشوارع، للاحتجاج على الإغلاق المستمر منذ أشهر.

حريق أورومتشي

مقاومة شعبية للإغلاق

بحسب التقرير، فإن احتجاجات شنجهاي، التي أشعل فتيلها حريق أورومتشي، سبقتها مقاومة شعبية ضد سياسة “صفر كوفيد”، منذ أسابيع. في مقاطعة خنان، بوسط الصين، حيث تظاهر عمال في مصنع لهواتف آيفون، تملكة شركة “فوكسكون” التايوانية، هو الأكبر عالميًّا، ويخضع لقيود صارمة لمكافحة كوفيد.

ويخضع ذلك المصنع، الذي يوظف أكثر من 200 ألف شخص، لحجر إجباري منذ أكتوبر الماضي، بعد الكشف عن بؤرة إصابات بكوفيد- 19. وفي جوانزو، ثالث أكبر مدن الصين، اشتبك سكان مع الشرطة المحلية، بسبب تدابير الإغلاق.

من الجنوب إلى الشمال الصيني

في وقت سابق من يوم 26 نوفمبر، أشعل طلاب جامعيون محاصرون لأشهر بالحرم الجامعي، من تشنجدو بجنوب الصين إلى هاربين بشمالها، شموعًا، وخطوا كتابات احتجاجية على الجدران، والتقطوا صورًا ذاتية (سيلفي) وهم يحملون لافتات، حدادًا على ضحايا أورومتشي.

وأحاطت الشموع والزهور بلافتات على طريق أورومتشي الأوسط داخل شنجهاي، قبل أن يتجمع عشرات في وقفة احتجاجية الساعة 10:30 مساءً، ثم انضم إليهم روّاد حانة قريبة، بعد انتهاء إحدى مباريات كأس العالم، والتقطوا صورًا شاركوها عبر الإنترنت، وفق ما نقلته الوكالة عن أصدقاء لمحتجين.

احتجاجات الصين

لم تندلع بالصدفة

في الساعة 11:21 مساء 26 نوفمبر، نشر حساب شهير على “تويتر” يتتبع المعارضة في الصين، صورًا لوقفات احتجاجية، ما استرعى انتباه نشطاء كثر، ممن كانوا يتصفحون منشورات عن حريق أورومتشي.

وقال مشاركون لـ “أسوشيتد برس” إن الاحتجاجات في شنجهاي لم تندلع صدفة، في وقت أغلقِت فيه مبان سكنية عديدة بالمدينة بموجب سياسة “صفر كوفيد” في شهري إبريل ومايو الماضيين، ما أثار مخاوف سلامة حال نشبت حرائق.

احتجاجات كوفيد بالصين

«سلمية للغاية»

قال الخبير في شؤون الصين بجامعة شيكاغو، دالي يانج، للوكالة: “لم يتعاطف المحتجون مع ضحايا أورومتشي فقط، لكنهم أدركوا أنهم قد يلقون المصير نفسه أيضًا”.

وصرح شخص عرّف نفسه باسمه الفرنسي، زويل، بأن مشاركته في الاحتجاجات مدفوعة بالتعزية في ضحايا حريق أورومتشي، مشيرًا إلى أنه فور وصوله عند منتصف الليل، رأى “حشودًا ضخمة” انضمت إلى الوقفة الاحتجاجية، التي وصفها بأنها “كانت سلمية للغاية”.

المزاج الاحتجاجي تغير

في خضم الاحتجاجات، وقعت مشاجرة بين طالب محتج وضابط شرطة، وأظهر مقطع فيديو قالت “أسوشيتد برس” إنها حصلت عليه، صراخ الطالب بوجه الضابط، قائلًا: “أنت موظف حكومي، مستقبلك مؤمن، ماذا عنا؟”، ثم تجهم وجهه، وأضاف متسائلًا بصوت يئن: “هل لدينا مستقبل؟”

ووزع شخص أوراقًا فارغة على المحتجين، وهي رمز للرقابة الشاملة تحت حكم شي. بعد ذلك تغيّر المزاج الاحتجاجي، وانضم وافدون جدد إلى الحشد الهادئ، وصاحوا: “لماذا ترتدون قناعًا؟ اخلعوا ​​أقنعتكم!”، في تمرد على قيود كورونا.

تطوق موقع الوقفة الاحتجاجية في الصين

نقطة تحول

وصف زويل الوافدين الجدد بأنهم “كانوا متطرفين للغاية”، مشيرًا إلى أنه قبل وصولهم كانت الهتافات ودية، في حين انصبت أغلب محادثات المشاركين على كأس العالم، قبل أن ترتفع هتافات ثورية على غرار: “حرية التعبير”، و”يحيا الشعب”، و”تنحى”.

وفيما عدّه التقرير نقطة تحول، بعد الساعة الثانية صباح يوم 27 نوفمبر بقليل، علا صوت أنثوي محتج: “شي جين بينج، تنحى!”، محطمًا بذلك أكبر المحرمات السياسية في الصين. خاصة أن الرئيس الصيني أكثر زعيم سلطوي في البلاد منذ ماو تسي تونج، طهّر الصحافة، وأحكم قبضته على الإعلام الصيني، وفق تعبير الوكالة.

هتاف «لا يمكن تصوره»

أحد المحتجين، الذي عرف نفسه باسم ماركو فقط، وصف ذلك الهتاف بأنه “لا يمكن تصوره”، خصوصًا أن ذكر اسم شي علنًا يثير مخاوف بين صينيين كثر، باعتبار أن “الزعيم الصيني من المحرمات التي لا يمكن المساس بها”.

ثم علا هتاف مماثل، لكن هذه المرة من رجل، يدعو شي للتنحي، وأعقبته هتافات أخرى تنطوي على سباب وشتائم، في حين يحمّل صينيون كثير، شي، مسؤولية عواقب النهج الصارم، الذي تتبناه بكين في مواجهة كورونا.

قمع احتجاجات الصين

«لقد كنت جبانًا»

خوفًا من قمع السلطات، غادر صينيون الحشد الاحتجاجي، بما في ذلك ماركو، الذي قال: “توافد مزيد من رجال الشرطة. لقد كنت جبانًا”. وبعد الساعة الثالثة فجر يوم 27 نوفمبر، وصل ضباط ببزات سوداء، وتنقلوا بين وقفتين احتجاجيتين، مقسمين الحشد إلى قسمين، حسبما قال محتجان لـ”أسوشيتد برس”.

ووجه ضباط اتهامات إلى محتجين واحتجزوهم، في حين لاذ آخرون بالفرار. وأظهر مقطع، قالت الوكالة إنها شاهدته، الشرطة الصينية وهي تقمع المتظاهرين، وتحاول تفريقهم باستخدام رذاذ الفلفل. وبحلول السابعة من صباح 27 نوفمبر، أفرجت السلطات عن المحتجين المحتجزين.

قمع المحتجين في الصين

اعتقالات عشوائية

بعد ساعات قليلة، عاد المئات للاحتجاج، وتأجج غضب معظم الوافدين الجدد بفعل صور تظهر قمع السلطات لمحتجين في الليلة السابقة، في حين طوّقت الشرطة موقع الاحتجاجات، مع تصاعد التوترات بين الجانبين. وردد محتجون هتافات منددة بعنف الشرطة، في حين نعتهم آخرون بـ”كلاب”.

وبحلول الساعة السادسة مساءً يوم 27 نوفمبر تقريبًا، بلغ عدد المحتجين آلاف، وتخللت الاحتجاجات اعتقالات عشوائية، وضرب وركل للمحتجين، من بينهم صحفيان بـ”أسوشيتد برس” وشبكة “بي بي سي”، من جانب عناصر أمن صينيين، وفق التقرير.

ربما يعجبك أيضا