كيف تعيد الحرب الروسية الأوكرانية تشكيل خريطة النفوذ في آسيا الوسطى؟

محمد النحاس

الرئيس الطاجيكي اتهم موسكو بعدم احترام الدول الصغيرة، حاثًا الروس على إيلاء اهتمام أكبر بالمنطقة.. فما دلائل هذا التصريح؟


بينما تغرق روسيا في المستنقع الأوكراني، وتراجع دور الكرملين في آسيا الوسطى، تتحرك دول المنطقة لإيجاد شراكات جديدة مع قوى صاعدة أكثر موثوقية.

وفي غضون ذلك، تسعى الصين لبسط هيمنة جيوستراتيجية على مناطق غير تقليدية، بعيدًا عن بحارها التي تشهد توترًا محمومًا، وترى في آسيا الوسطى أهمية كبيرة في ظل سعيها لتنفيذ مشروع “الحزام والطريق”.

تراجع النفوذ الروسي

يعتقد المحلل السياسي، إميل أفدالياني، في تحليل نشرته مجلة “أوراسيا ريفيو” المتخصصة بشؤون آسيا الوسطى، أمس الأربعاء 16 نوفمبر 2022، أن النفوذ الروسي بات في تراجع بمنطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، التي مثلت، تاريخيًّا، مجالًا حيويًّا له.

وأشار أفدالياني إلى تزايد المخاوف الأمنية والعسكرية للجمهوريات السوفيتية السابقة، خاصةً مع عجز الكرملين عن الوفاء بدوره كـ”ضامن للأمن”، في ظل انهماكه في الحرب بأوكرانيا والصراع مع الغرب.

وتعاني دول آسيا الوسطى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، لذلك تسعى لتنويع التحالفات الاستراتيجية، بعيدًا عن موسكو، وفي ظل الصعود المتنامي للصين، كشريك أمني واقتصادي موثوق.

الصين بديلًا

حسب أفدالياني، تزايدات خلال الفترة الماضية المبادرات الصينية بمنطقة آسيا الوسطى، ما أثار قلق الكرملين، لذلك تسعى بكين لطمأنة الروس. وأقر كبير مشرّعي الصين، لي تشان شو، بسعي بكين لتعزيز التعاون مع دول معاهدة الأمن الجماعي، ومع ذلك يجادل أفدالياني بأنها تحاول إغراق المنطقة بمشاريعها الاقتصادية.

ويلفت المحلل إلى أن الصين بدأت مشاورات، في سبتمبر الماضي، بشأن مشروعها “الواعد” بأوزباكستان، الهادف لإنشاء سكك حديدية وأُعلن عنه على هامش قمة شنجهاي للتعاون. وحسب تحليله، زاد التعاون بين بكين ودول آسيا الوسطى على الصعيدين الأمني والعسكري على مدار العقد الماضي، ما يمثل تهديدًا محتملاً لنفوذ الكرملين.

عجز روسي

يشير أفدالياني إلى عجز الروس عن حل النزاع الحدودي بين قيرغيزستان وطاجيكستان، العضوتان بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم دول الاتحاد السوفيتي سابقًا. وعلاوةً على ذلك، اتهمت السلطات القرغيزية موسكو ضمنيًّا بدعم الطاجيك، ما نتج عنه غياب قيرغيزستان عن التدريبات الدورية، التي تجريها دول المنظمة.

ورفض رئيس قيرغيزستان، سادير جاباروف، حضور قمة رابطة الدول المستقلة المنعقدة بمدينة سان بطرسبرج الروسية، التي حضرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. واعتبر تحليل المجلة أن رفض المشاركة دلالة واضحة على تراجع هيبة موسكو، في الوقت الذي يحاول فيه الروس إحياء شراكاتهم الأمنية بالمنطقة.

شقاق بين الحلفاء

وفق تحليل “أوراسيا رفيو” تتفاعل كازاخستان بحسياسية تجاه خطاب القوميين الروس بشأن الأقلية الروسية القاطنة شمالي البلاد، ما أحدث شقاقًا بين الحليفين الرئيسين بمنظمة اتحاد الاقتصاد الأوراسي، وكذلك انتقد الروس رفض أستانا فرض عقوبات ثنائية ضد أوروبا، ردًا على العقوبات الغربية ضد موسكو.

ويشير أفداليني إلى الجرأة السياسية المتزايدة لدى دول آسيا الوسطى، التي ظهرت في الاجتماع مع روسيا، في 14 أكتوبر الماضي، حين اتهم الرئيس الطاجيكي موسكو بعدم احترام الدول الصغيرة، مشجعًا الروس على إيلاء اهتمام أكبر للمنطقة.

نهج صيني شامل

حسب أفدالياني، تسعى الصين لتقديم نهج شامل لبناء شراكات إقليمية مع دول آسيا الوسطى، مركزةً جهودها على الأمن الإقليمي وقضايا الاقتصاد، وأطلقت مبادرات مثل مؤتمر “التفاعل وبناء الثقة في آسيا”، و”الصين ودول آسيا الوسطى الخمس”، وتأمل دول آسيا أن تمهد هذه الخطوات لشراكات استراتيجية طويلة الأمد.

وما يزيد من متانة التحالف الصيني مع دول وسط آسيا، الاتفاقات التجارية التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، والتي وقعتها بكين مؤخرًا مع أوزبكستان وكازاخستان، إضافة إلى مشروع خط السكك الحديد بين الصين وأوزبكستان، الذي تشترك فيه قرغيزستان، وتأجل في وقت سابق بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

تضارب المصالح

حسب الخبير بشؤون آسيا الوسطى، يؤدي تزايد دور الصين في “مناطق النفوذ الحيوي” التقليدي لروسيا، إلى احتدام المنافسة بين موسكو وبكين العازمة على المضي قدمًا، في ظل تضارب مصالح البلدين، ويحدّ من نظرية بوتين عن “العالم متعدد الأقطاب”، خاصةً مع اتخاذ دول “المجال السوفيتي” مواقف تتسم بالجرأة.

ومع ذلك تحاول دول آسيا الوسطى، اتباع سياسة معتدلة، تتجنب الاعتماد المفرط على جهة واحدة. وتتركز البدائل في تركيا والصين، التي تبحث عن موطئ قدم لها برًّا، بعيدًا عن طرق التجارة البحرية التقليدية، المحفوفة بالتوترات، وفي منطقة تمثل الأساس المستقبلي لمشروع “الحزام والطريق” الواعد، في ظل إعادة تموضع القوى التقليدية.

ربما يعجبك أيضا