كيف زادت الحرب الروسية الأوكرانية قوة دول شرق أوروبا أمام ألمانيا وفرنسا؟

شروق صبري

كانت ضغوط دول وسط وشرق أوروبا حاسمة في حشد الدبابات الغربية لأوكرانيا لمواجهة القوات الروسية.


تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في تراجع نفوذ ألمانيا وفرنسا بالاتحاد الأوروبي، وأتاحت الفرصة لصعود قوة دول وسط وشرق القارة العجوز.

وبينما وقفت دول الاتحاد الأوروبي، ودول حلف شمال الأطلنطي (الناتو) مصدومة من التحرك الروسي في 24 فبراير 2022، عززت بلدان وسط وشرق أوروبا نفوذها، وضاعفت دعواتها إلى توسيع الاتحاد والحلف للدخول في عضويتهما.

دور دول شرق أوروبا

كشف تقرير للصحفي الأمريكي ستيفن إرلانجر بصحيفة “نيويورك تايمز” عن أن الحرب الروسية الأوكرانية دفعت بولندا ودول البلطيق لدعم أوكرانيا، وملء الفراغ شبه الكامل للغربيين في بداية الحرب، عندما بدا زعماء أوروبا التقليديون، ولا سيما زعيمي فرنسا وألمانيا، مشلولين.

77404688 f11c 48b5 b2ce
وكانت ضغوط دول شرق ووسط أوروبا حاسمة في حشد الدبابات الغربية لأوكرانيا. فبعد شهور من الجدل، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد 2، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إنه سيرسل دبابات أبرامز للحرب.

أجندة توسعية

المؤرخ الأوروبي في كلية “سانت أنتوني” في أكسفورد، تيموثي جارتون آش، اتفق مع إرلانجر بقوله إن “صوت دول وسط وشرق أوروبا برز أكثر في مجالس أوروبا، وعلى الطاولة أجندة توسعية شرقية كبيرة”.

وقال آش إن أوروبا مع وجود حرب كبرى داخل حدودها، تدور حول القوة الصارمة الآن أكثر من أي وقت مضى، لذا فإن وجود أوروبا الوسطى والشرقية التي تأخذ الأمن على محمل الجد سيكون له تأثير.

توسعات شرق أوروبا

أشار آش إلى أن بولندا لديها جيش سريع التوسع، وتخطط لمضاعفة حجم القوات المسلحة وامتلاك الأسلحة الجديدة المتطورة، ما يجعلها أكثر أهمية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي.

وشددت مديرة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، جانا بوجليرين، على أن “السلطة تحركت شرقًا، وستعمل حرب أوكرانيا على تعزيز هذا الاتجاه”.

1 7
فرنسا فشلت

أوضحت بوجليرين أن دول وسط وشرق أوروبا كانت تحذر من اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، وكانت فرنسا وألمانيا تتفاوضان مع روسيا حتى النهاية، إلى أن فاجأهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحرب.

ولفتت إلى أن سياسة فرنسا للأمن الأوروبي فشلت مع روسيا، بداية من جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليكون جزءًا من مفاوضات سلام مستقبلية بين روسيا وأوكرانيا، ووصل الأمر إلى إعطاء ضمانات أمنية لروسيا، ما أثار غضب أوروبا.

ألمانيا غير مستعدة

تضيف بوجليرين أن الحكومة الألمانية، بقيادة شولتز، غير مستعدة للحرب، بالنظر إلى القطع المفاجئ للطاقة والتجارة الروسية، وتزايد القلق بشأن اعتمادها على الصين لإعادة تشكيل اقتصادها، بعد الاستغناء عن الغاز الروسي الرخيص.

وتشير إلى أن الدول الشرقية ليست من المعجبين الكبار بالاتحاد الأوروبي، وتفضل الولايات المتحدة والناتو.

44 3

واشنطن تتحكم في أوروبا

أشارت بوجليرين إلى أن ألمانيا تريد تعزيز العلاقات مع الناتو وتعتمد على واشنطن، حتى وهي تحاول إعادة بناء جيشها الضعيف، وكذلك فرنسا ستكون بعد ضعفها داخل أوروبا، أقل تأثيرًا في الناتو.

أوضحت بوجليرين أن دول أوروبا باتت تعتمد على الأسلحة والقيادة الأمريكية أكثر مما كان عليه قبل الحرب، وليس أقل من ذلك، مضيفة أنه من المتوقع أن يتوسع الناتو قريبًا بالعضوية الجديدة للسويد وفنلندا.

دور بولندا في الحرب

أوضحت بوجليرين أنه على المدى البعيد ستكون دول أوروبا الشرقية مصدر قوة كبيرة للاقتصاد الألماني، لأن أوكرانيا تمثل إمكانات هائلة للتنمية، ولا تزال فرنسا وألمانيا في موقف ضعيف في أوروبا في المستقبل القريب.

من جانبه، يرجع مؤرخ الاتحاد الأوروبي، لوك فان ميدلار، قوة بولندا منذ بدء الحرب إلى الدور الذي تلعبه كدولة على خط المواجهة، حيث كانت تقدم الأسلحة وتستقبل اللاجئين.

33 4

ويؤيده في الرأي الباحث بمؤسسة Res Publica في وارسو، فويتشخ برزيبيلسكي، بأن “أهمية بولندا للناتو تزيد من أهميتها للاتحاد الأوروبي، لأن لديها معدات جديدة وخططًا لشراء أنظمة الدفاع، ما يجعلها ذات أهمية عند مناقشة ضمانات الأمن والسلام”.

أوروبا لن تحكمها باريس وبرلين

شدد برزيبيلسكي على أن دول أوروبا الوسطى والشرقية “تقدم الكثير من المواقف، حتى إن كان الجوهر في أيدي اللاعبين الكبار، فقد أكدت الحرب حقيقة أن أوروبا لم يعد من الممكن أن تحكمها باريس وبرلين”.

ويرى مدير برنامج أوروبا في معهد شاتام هاوس، هانز كونداني، تحولًا نفسيًّا في أوروبا، حيث يشعر البولنديون وأوروبا الوسطى بمزيد من الثقة، ويشعر الفرنسيون والألمان بأنهم أكثر دفاعية.

غرب أوروبا مصدر الثقل

لفت كونداني إلى أن الخطر هو أن الحرب تقسم أوروبا بدلًا عن توحيدها، مضيفًا أن مركز الثقل في أوروبا يكمن في الغرب، أما الدول الشرقية فليس بمقدورها إنجاز أشياء كبيرة.

وأوضح أن مسألة التعزيزات الدفاعية لدول البلطيق والبولنديين لا تغير ميزان القوى في الحرب الروسية الأوكرانية، أو أنظمة الدفاع، فلا تزال فرنسا وألمانيا مركزين مهمين في هذه الحرب.

e3e744ad 20de 407a 87c3
دول شرق أوروبا لا تملك شيئًا

قال الخبير السياسي بهاء محمد، في تصريحات إلى شبكة رؤية الإخبارية، إن مسألة أن الحرب الأوكرانية ستتجه إلى شرق أوروبا غير صحيح، لأن هذه الدول ميزانياتها العسكرية ضعيفة جدًّا.

وأشار محمد إلى أن بولندا تتسلح بمعدات حديثة، لأن لديها حدودًا مع أوكرانيا، فضلًا عن أن دول غرب أوروبا نفسها ليس لديها ما يكفي من أسلحة لدعم أوكرانيا.

أمريكا تضغط على ألمانيا

يشير محمد إلى أن الضغوط الكبيرة على ألمانيا لإرسال دبابات إلى أوكرانيا، في الوقت الذي يعاني فيه الجيش الألماني نقص المعدات، حتى إنها تلجأ إلى الولايات المتحدة لتسليح جيشها.

41c9712a 4144 4bd0 a927 9c136e6d0cf0
ويلفت الخبير السياسي المصري إلى أن فرنسا في حاجة إلى الغاز الروسي، وإلى إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، نظرًا إلى خروج المتظاهرين في الشوارع بسبب أزمات الطاقة، وبالتالي ليس في يد فرنسا ما تدعم به أوكرانيا.

أمريكا تريد استمرار الحرب لصالحها

أوضح بهاء محمد أن دول شرق أوروبا ليس لديها ثقل في الحرب، وكل ما في الأمر أن أمريكا مستفيدة من إطالة أمد الحرب، فبإمكانها أن تمد أوكرانيا بأسلحة تنهي الحرب على الفور، لكنها تريد أن ترهق موسكو.

وفي رأي الخبير السياسي أن من مصلحة أمريكا أن تستمر الحرب، لأنها ستكون الدولة الوحيدة البديلة عن روسيا في دور المتحكمة في الغاز، وبالتالي ستبيعه بالسعر المناسب لها، ومن هنا ستملك الولايات المتحدة ورقة ضغط على دول غرب أوروبا، وستستطيع تحريكها كيفما تشاء.

دعم مالي

على صعيد متصل، قال مدير مركز ستراتيجيكس للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، حازم الضمور، إن “دور دول أوروبا الغربية يكمن في الدعم المالي الذي تقدمه لأوكرانيا، وفي العقوبات التي تفرضها على روسيا، أما ما تقدمه من دعم عسكري فهو تحت مظلة الناتو”.

وأوضح الضمور أن دول أوروبا الغربية تسمح للدول الشرقية بتقديم الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، ومع ذلك تواجه دول غرب أوروبا وتحديدًا ألمانيا، إشكالية في ما يتعلق بدورها في الأزمة الجارية.

مخاوف ألمانية

أوضح الضمور أن ألمانيا تتخوف من أن تراها موسكو طرفًا في النزاع، وفي نفس الوقت تواجه تحديات اقتصادية تحرج حكوماتها عند تبرير النفقات الباهظة التي تقدمها لأوكرانيا أمام شعوبها، خاصة وأن النخب السياسية نفسها منقسمة في مسألة تقديم كل الدعم الذي تطلبه كييف.

أما دول أوروبا الشرقية، فإن طبيعة تخوفاتها تفرض عليها موقفًا واضحًا من الأزمة، فهي جزء سابق من الاتحاد السوفيتي، وتنظر إلى الأزمة الأوكرانية من خلفية تاريخية، ويعني خروج روسيا منتصرة في أوكرانيا، أنها ستواجه حالة مشابهة في المستقبل.

ماذا فعلت دول أوروبا الشرقية؟

تبدو دول أوروبا الشرقية أكثر حماسًا في إظهار العداء لموسكو، ليس بتقديم المعدات العسكرية لأوكرانيا فحسب، بل أيضًا بالتحرك على المستوى الدبلوماسي، فقد سحب دول عدة منها سفراءها من روسيا.

ويضيف الضمور لـ”رؤية” أن “بولندا بالتحديد تسعى لخدمة طموحاتها الإقليمية، وتضخيم وزنها في أوروبا، عبر دورها في الأزمة الأوكرانية، وهو الأمر الذي تتخوف منه جارتها الألمانية”.

2022 05 05T163341Z 195373822 RC2W0U9DYLGP RTRMADP 3 UKRAINE CRISIS KHARKIV scaled e1661167836884 1024x576 1
صمود أوكرانيا

مع ذلك، يبقى السلاح الذي تقدمه الدول الغربية حاسمًا في صمود أوكرانيا، وعلى الأقل يسهم في منع أو تأخير سقوط مزيد من المناطق في قبضة الجيش الروسي، وفقًا للضمور.

ويعتقد المحلل السياسي أن حصول كييف على دبابات ليوبارد 2 الألمانية، سيسهم ليس فقط في الحانب الدفاعي، بوصفها دبابة هجومية، بل من المحتمل أن تحقق مفاجآت حاسمة في المعارك خلال الربيع المقبل.

ربما يعجبك أيضا