كيف سيحاصر الجفاف العالم بسبب التغيرات المناخية؟ وما الحلول؟

نادية عبد الباري

أسفرت تغيرات المناخ التي يشهدها العالم عن نقص كبير في معدل هطول الأمطار، ما أدى إلى جفاف أنهار كثيرة، فماتت الكائنات الحية وتأثرت موارد السكان.. نظرة على الواقع والحلول.



تهدد التغيرات المناخية العالم بكثير من التحديات التي ستؤثر في موارده كافة، وهو ما سينعكس بالسلب على سكانه.

وما بين تهديد بفقدان الموارد الأساسية ومصادر الغذاء، يظل تغير المناخ، ولا سيما الجفاف، هو التحدي الوجودي الأخطر الذي يواجه العالم، فخلافًا لكل ظواهر المناخ المتطرفة، التي تأتي سريعة ومدمرة، يتبع الجفاف نمطًا مختلفًا في الدمار.

خطورة الجفاف على العالم 

جفاف منابع المياه يحدث ببطء شديد، إلا أنه يتسلل إلى الحياة اليومية متخفيًا. وخلال العام الماضي عاشت أوروبا حرًّا شديدًا، وشحًّا في الأمطار تسبب في جفاف أراض زراعية، حتى إن شبكة “سي إن إن” نشرت دراسة في 21 أغسطس 2022، تفيد بأن أوروبا تشهد أسوأ موجة جفاف منذ 500 عام على الأقل.

63156066 401 1

أوروبا ليست القارة الوحيدة التي ستعاني من آثار الجفاف، فوفقًا لتقديرات على موقع منظمة الأمم المتحدة، يعاني نحو 55 مليون شخص في أنحاء العالم بسبب الجفاف كل عام،  وتوضح الأرقام أن إفريقيا، على وجه الخصوص، القارة الأكثر تضررًا من آثاره، وتشهد وحدها نحو 44% من مجمل ظواهر الجفاف في العالم.

لماذا لا يمكن وقف الجفاف والتنبؤ به؟

على الرغم من أن العلماء يعرفون جيدًا أن موجات الجفاف أصبحت مؤخرًا متكررة وأكثر عنفًا، وتمتد لفترات زمنية أطول من ذي قبل بفعل تغير المناخ، يعجزون عن التنبؤ بها أو مراقبتها كبقية الظواهر المناخية، وهو ما يزيد من خطورتها، على عكس الفيضانات التي يقام لها السدود ويُستفاد منها لاحقًا.

62993573 303

يقسم العلماء الجفاف إلى 4 أصناف رئيسة: الأول يسمى جفاف الطقس، والثاني انخفاض معدل هطول الأمطار والثلوج، والثالث الجفاف المائي، وفيه تنخفض مستويات المياه في الجداول والأنهار والخزانات والمياه الجوفية، والأخير هو الأخطر لأنه يمهد لانتهاء مجارٍ مائية عذبة يعتمد عليها السكان.

النظر إلى المناخ كأزمة حقيقية

مؤخرًا انتبهت الدول للأزمة وتبحث عن حلول لوقف تفاقمها خاصة أن استمرارها يخلق معاناة لسكان كوكب الأرض في طعامهم وشرابهم أو حتى استخدام هذه الأنهار لشحن بضائعهم، وفقًا لما أوضحته الأمم المتحدة.

ونقل تقرير شبكة “سي إن إن” بعض الصور الفضائية التي تكشف عن جفاف 6 أنهار في العالم، بينها نهر اللوار أطول أنهار فرنسا، الذي يعد نموذجًا واقعيًّا لما أحدثته التغيرات المناخية.

جفاف نهر كولورادو في أمريكا الشمالية

منذ قرابة 9 سنوات بدأت ضفاف نهر كولورادو الرئيسة تجف، وهي واقعة في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتمد على النهر 40 مليون شخص في المكسيك و7 ولايات مختلفة للشرب والزراعة والكهرباء. 62975795 401

جفاف نهر اليانجتسي في آسيا

وفي آسيا، جفت ضفاف نهر اليانجتسي وظهر قاع النهر في بعض المناطق، وتعرضت روافد النهر للجفاف الشديد، وأعلنت الصين حالة التأهب للجفاف على مستوى البلاد للمرة الأولى منذ 7 سنوات، أمام موجة حر هي الأطول منذ 6 عقود.

ويؤثر جفاف نهر اليانجتسي في مقاطعة سيتشوان الصينية، التي يبلغ عدد سكانها نحو 84 مليون نسمة، ويأتي من النهر الكثير من الطاقة الكهرومائية، ولكن تباطؤ تدفقه أدى إلى تضاؤل توليد الطاقة مع إغلاق عدد من المصانع لمدة 6 أيام، وهو ما أثر في إنتاج البلاد من الأرز المكون الأساسي للغذاء لديهم.

جفاف نهر الراين بين فرنسا وألمانيا

في أوروبا، وحسب ما جاء في دراسة أجرتها “سي إن إن” بالتعاون مع هيئة “يوروستات” لأبحاث المناخ في أوروبا، جف نهر الراين الذي يتدفق عبر ألمانيا وهولندا ثم يتدفق على طول الطريق حتى بحر الشمال. وظهرت أجزاء من قاع النهر، ما يعيق عملية الشحن إلى أوروبا، وفقًا لخبراء الاقتصاد في بنك “دويتشه”.

62529405 401

بدأت شركات شحن البضائع تتأثر بالفعل بانخفاض مستويات المياه في النهر، ولم يعد من الممكن تحميل السفن بالكامل، ما يجعل غاطس السفن أقل انخفاضًا من ذي قبل، ولذلك تحمل السفن حمولات أقل من ذي قبل، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار البضائع المنقولة، وبالتدريج سيتعين حتمًا تقييد حركة المرور أو إيقاف الملاحة.

جفاف نهري الدانوب وبو 

يعتبر نهر الدانوب أطول نهر في أوروبا الغربية، ويعد قناة شحن مهمة لأنه يمر عبر 10 دول أوروبية، وأمام تعرضه للجفاف، يجرف العمال  النهر للتأكد من أن السفن لا تزال قادرة على المرور فيه.

أم نهر بو فيمر عبر الجزء العلوي من إيطاليا ويتدفق شرقًا في البحر الأدرياتيكي، ويتغذى من ثلوج الشتاء في جبال الألب والأمطار الغزيرة في الربيع، وعادةً ما تكون الفيضانات المدمرة مشكلة كبيرة حول هذا النهر.

والآن تغيرت ملامح النهر تمامًا، فالشتاء في شمال إيطاليا كان جافًا، لذا لم توفر الثلوج سوى القليل من المياه، وكان فصلا الربيع والصيف جافين أيضًا، ما أدى إلى إغراق المنطقة في أسوأ جفاف شهدته منذ 7 عقود.

متى يصبح الجفاف أمرًا واقعًا؟

يراقب العلماء الجفاف عادة باستخدام مؤشرات مختلفة، كمعدلات هطول الأمطار، ومدى صحة النباتات، ومستويات الرطوبة في التربة.

ووفقًا لجهاز مراقبة الجفاف التابع لمركز “هيلمهولتز” الألماني للأبحاث البيئية، عندما تتجاوز الظروف العامة وضعها الطبيعي، بناءً على بيانات طويلة المدى، يبدأ استباقيًّا تقييم الجفاف الزراعي عبر تتبع مستوى الرطوبة في التربة.

حلول استباقية لأزمة المناخ

وفقًا لما نشره مركز “هيلمهولتز” الألماني، في 7 أكتوبر الماضي، توجد سبل لتقليل آثار الجفاف والأذى الناجم عنه، تتمثل في الحلول التكنولوجية المبتكرة للتخفيف من آثار الجفاف الشديد.

ويمكن أن يساعد إنشاء خزانات مياه كبيرة تحت الأرض في الاحتفاظ بالمياه لأوقات الحاجة، علاوة على تقنيات الري الذكية للتقليل من إهدار المياه، والحفاظ على صحة النباتات.

ونصح المركز بزراعة المزيد من المحاصيل المقاومة للحرارة، للحد من الخسائر خلال فترات الجفاف، مشيرًا إلى إمكانية الاعتماد على الزراعة المختلطة للمحاصيل، بدلًا من الاعتماد على نوع واحد فقط.

ربما يعجبك أيضا