كيف عززت خطوط الأنابيب من قوة بوتين؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

فور وصوله إلى الحكم، انتهج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسة استعادة الإرث السوفيتي عبر تعزيز النفوذ في الدول المستقلة عن الاتحاد سابقَا، وتقوية دور بلاده في الأقاليم المنافسة التقليدية، مثل ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، والتدخل في الحرب الأهلية السورية، على صعيد آخر رأى بوتين أن أنابيب البترول تعطي هيمنة روسية بدون اللجوء إلى التصعيدات العسكرية.

لم تكن التوسعات العسكرية ولا أنابيب الغاز الطبيعي وحدها السبب في تعزيز بوتين كرئيس مؤثر، كما أعلنتها مجلة التايم البريطانية في 2017، بينما جاءت انتكاسات الرئيس ترامب في صالح الرئيس الروسي عبر تسليمه عدة انتصارات تكتيكية. وعرضت استطلاعات رأي متعددة صورة الرئيسين، إذ قيّم الروس أداء بوتين بنسبة 61 %، في حين انخفضت نسبة تأييد الأمريكان لرئيسهم دون 43 %.

برغم تباطؤ نمو الاقتصاد الروسي إلى نسبة 1% من الناتج المحلي، على خليفة غياب تنويع الصادرات، وهروب رؤوس الأموال على نطاق واسع، وانخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر المرتبط بالعقوبات الغربية التي فرضت بعد ضم شبه جزيرة القرم 2014 في البلاد. ونتيجة لذلك، انخفض معدل موافقة بوتين إلى حد ما عن ارتفاعه البالغ 83٪ في يوليو 2014.

سياسة ترامب تفتقد لعالمية الدور الأمريكي

في ظل وجود رئيس يسعى إلى تقوية مكانة دولته الدولية عبر النفوذ لعدة ملفات إقليمية ودولية، كانت سياسة ترامب تستند إلى الانعزالية و تحجيم التدخل العسكري في مناطق النفوذ التقليدية، وبناءً عليه، بدأ يتصرف ترامب كرئيس دولة متوسطة، تسعى لتعزيز مصالحها فقط، وغياب الدور العالمي للولايات المتحدة، ذاك الدور الذي ملأته روسيا والصين ودول إقليمية.

في الملف السوري، قرر ترامب تقليص الدور الأمريكي وتصعيد سياسة الحياد تجاه الدول والجماعات الإقليمية المؤيدة لها، فخسر ترامب دور الأكراد كطرف إقليمي هزمت قواته تنظيم داعش، ناهيك عن دولة تركيا، التي كانت، منذ فترة وجيزة، قريبة إلى المعسكر الغربي عنه إلى الشرقي، ونتج عنه إنهاء صفقة الطائرات الأمريكية إف 35 إلى أنقرة، وتفضيلها لمنظمة الأسلحة الروسية الدفاعية إس 400، والهجومية من مقاتلات سوخوي 52.

خطوط الأنابيب

على صعيد الملف الأوكراني، اتفق الكرملين على تبادل 200 سجين في الحرب المستمرة في شرق أوكرانيا – تبادل الأسرى الثاني هذا العام- كما يمكن اعتبار صفقة خط الأنابيب الأخيرة فوزًا لكلا الطرفين،  حيث وافقت روسيا على تعويض أوكرانيا بمبلغ 2.9 مليار دولار بناءً على حكم المحكمة الأوروبية بعدما منعت موسكو الغاز الطبيعي من المرور عبر الأراضي الأوكرانية وكذلك تزويدها به، ويعد هذا الاتفاق بين دولتين متنازعتين هو بمثابة انتصار لروسيا في الهيمنة على كافة مصادر أوروبا من الطاقة عبر ثلاث خطوط رئيسية نور ستريم ا و 2 ونورد تركن ولم تعلن حتى الآن مواصلة العمل بنورد ستريم1 المار من خلال أوكرانيا. 

في المقابل، هددت الولايات المتحدة الشركات العاملة في خطوط الأنابيب توقيع عقوبات اقتصادية، إذ وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانونًا عقابيًا على مشروع “نورد ستريم 2” وتعد العقوبات جزءًا من مشروع إنفاق دفاعي ضخم تبلغ قيمته 738 مليار دولار، ورأت أمريكا أنه يجب أن تتحول أوروبا لاستيراد الغاز الأمريكي- الغالي الثمن مقارنة بالروسي – بدلًا من الغاز الروسي بما يحوي من تداعيات سلبية تجاه تعظيم نفوذ موسكو داخل القارة العجوز، لكن ألمانيا تصر على استكمال مشروع نورد ستريم 2، وفق خطتها الاستراتيجية كبديل للمفاعلات النووية، ناهيك عن تصدير الفائض إلى باقي الدول الأوروبية.

قد لا يكون لدى بوتين استراتيجية ناجحة طويلة الأجل لإنقاذ الاقتصاد الروسي، لكن سياسة خط أنابيبه أدت إلى سلسلة من التعزيزات المثيرة للإعجاب في السياسة الخارجية. قد يمنحه هذا النهج مكانة كافية لمواصلة صعوده.

ربما يعجبك أيضا