كيف غيَّر شينزو آبي نظرة أمريكا إلى آسيا والصين؟

آية سيد
رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي

لعل أكبر إسهامات شينزو آبي في الدفاع عن بلاده، وعن منطقة آسيا الأوسع، تكمن في صياغته لمصطلح "منطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة".


بالنسبة إلى الكثيرين في منطقة آسيا-الباسيفيك، كان رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي، ذا بصيرة في إدراك التهديد الذي تمثله الصين الصاعدة.

وفي هذا الشأن، يرى الكاتبان براد ليندون وأندرو راين أن شينزو آبي فعل أكثر من كل معاصريه الغربيين لمواجهة ذلك التهديد، ذلك أن أبرز ما فعل يكمن في صياغته مصطلح “منطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة”، وفق ما جاء في تحليل لشبكة سي إن إن، اليوم الخميس 21 يوليو 2022.

شينزو آبي.. أول من تنبأ بتهديد الصين

يذكر الكاتبان أن آبي، الذي تعرض للاغتيال في 8 يوليو الحالي، تنبأ بأن النمو السريع لجيش التحرير الشعبي الصيني، مدفوعًا بواحد من الاقتصادات الأسرع نموًّا في العالم، سوف يخل توازن القوى الإقليمي. وعليه رأى آبي أن اليابان يجب أن تعيد التفكير في دستورها المسالم الذي فرضته عليها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب.

ولهذا أعادت حكومة آبي تفسير ذلك الدستور في عام 2014، لتمكين الجيش الياباني من القتال بالخارج نظريًّا. ومنح آبي الجيش الأدوات اللازمة لفعل هذا، عبر شراء مقاتلات شبح وبناء أول حاملات طائرات يابانية منذ الحرب العالمية الثانية لاستيعابها.

شينزو آبي

حاملة مروحيات يابانية

نقلة نوعية

بحسب الكاتبين، كان هدف آبي هو تشجيع العالم على رؤية آسيا عبر عدسة أوسع بكثير، عدسة “الهندوباسيفيك”. وهذا المصطلح يشمل المحيطين الهندي والباسيفيك، وطرحه آبي لأول مرة في عام 2007 في خطاب له أمام البرلمان الهندي، بعنوان “ملتقى البحرين”.

ويقول الكاتبان إن إعادة التفكير في حدود آسيا أدت إلى نتيجتين. أولًا نقلت المركز الجغرافي إلى جنوب شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، فتخوض بكين نزاعات إقليمية مع مجموعة من الدول. وثانيًا أدخل في الصورة الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تعمل كثقل موازن للصين، ألا وهي الهند.

إشراك الهند في مستقبل آسيا

كتب الباحث في مركز الشرق والغرب بواشنطن، جون هيمنجز، في تقييم لآبي تزامن مع نهاية ولايته الثانية كرئيس للوزراء في 2020، أن شينزو آبي أدرك “أهمية الهند كموازن ديمقراطي للهيمنة الصينية المستقبلية” وبدأ في “استمالة القادة الهنود بطريقة ممهنجة إلى الصيغة الجديدة”. وهكذا، يقول الكاتبان إن آبي أصبح القوة المحركة وراء الحوار الأمني الرباعي، أو الكواد.

وهذا الحوار أدخل الهند في شراكة مع اليابان وأمريكا وأستراليا، وبعدها بأشهر، أوضح آبي رؤيته لـ”آسيا أوسع، تتكون من شبكة ضخمة” تشمل الدول التي تتشارك “القيم الأساسية” مثل الحرية والديمقراطية. وبحسب الكاتبين، هذا الوصف أشعر الصين بالتهديد من “الكواد”، واتهم وزير خارجيتها، وانج يي، أمريكا بمحاولة تطويق الصين عبر إنشاء “ناتو آسيوي في منطقة الهندوباسيفيك”.

شينزو آبي

شينزو آبي ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي

منطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة

أوضح شينزو آبي رؤيته لـ”منطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة” لأول مرة في خطاب رئيس في كينيا في 2016، بحسب وزارة الخارجية اليابانية. ويذكر الكاتبان أن رؤيته تكونت من 3 ركائز أساسية: تعزيز سيادة القانون وحرية الملاحة والتجارة الحرة وترسيخهم، والسعي لتحقيق الازدهار الاقتصادي، والالتزام بالسلام والاستقرار.

وفي هذا السياق، قال هيمنجز إن المصطلح كان “بمثابة إحباط لرؤية بكين لمستقبل آسيا، التي ترتكز على الصين بنحو متزايد، في حين عزز الانفتاح والقيم لجذب المتحوطين الإقليميين”. وبعد مرور عام على خطاب آبي في كينيا، وُلد الكواد من جديد، وكشفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن مفهومها لمنطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة.

إرث شينزو آبي في السياسة الخارجية

بعد وفاة آبي، كتب مدير الجغرافيا الاقتصادية والاستراتيجية للدراسات الأمنية اليابانية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، روبرت وارد، كيف أعاد آبي هيكلة السياسة الخارجية لليابان “مدفوعًا بإدراكه السريع للتهديد الذي يفرضه صعود الصين السريع على اليابان والنظام الإقليمي”. و”كان من الصعب المبالغة في الأهمية التحويلية لإرث آبي، داخل اليابان وخارجها،” وفق ما كتب وارد.

ورئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، وصف آبي بـ”الصديق العزيز”، وأعلن يوم السبت الماضي حدادًا وطنيًّا في الهند. وأصدر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أمرًا بتنكيس الأعلام في جميع المباني العامة بأمريكا وجميع المنشآت الفيدرالية حول العالم. وانعكست الحفاوة به في النعي الرسمي الصادر عن البيت الأبيض أيضًا: “كان صديقًا مخلصًا لأمريكا، عمل مع الرؤساء الأمريكيين لتعميق التحالف بين بلدينا”.

 

ربما يعجبك أيضا