كيف يتحكم أردوغان في الإعلام التركي؟

آية سيد
الرئيس التركي أردوغان

تضع دائرة الاتصال في الحكومة التركية خطة التغطية الإعلامية الخاصة بالأخبار التي قد تثير المشاكل لأردوغان، خصوصًا تلك المتعلقة بالاقتصاد أو الجيش.


كشف تقرير خاص لوكالة رويترز أن المسؤولين الأتراك يتحكمون في الإعلام بما يتوافق دائمًا مع مصلحة الرئيس رجب طيب أردوغان.

ونقلت الوكالة عن أشخاص مطلعين، أمس الأربعاء 31 أغسطس 2022، أن الحكومة التركية أصبحت تتحكم في وسائل الإعلام الرئيسة، وأن الإعلام انضم إلى المؤسسات المستقلة الأخرى التي أخضعها أردوغان لإرادته، مثل القضاء والجيش والبنك المركزي، وجزء كبير من قطاع التعليم.

دائرة الاتصال

قال عشرات الأشخاص المطلعين لرويترز إن غرف الأخبار تتلقى توجيهات من مسؤولين في “دائرة الاتصال” الحكومية. أنشأ أردوغان هذه الدائرة بميزانية سنوية تبلغ 680 مليون ليرة (38 مليون دولار)، لتنسيق الاتصالات الحكومية. وتوظف الدائرة قرابة 1500 شخص، ويقع مقرها في برج شاهق في أنقرة، ولديها 48 مكتبًا خارجيًّا في 43 دولة في أنحاء العالم.

ويترأس دائرة الاتصال، الأكاديمي السابق، فخر الدين ألطون، الذي يضع خطة التغطية الإعلامية الخاصة بالأخبار التي قد تثير المشاكل لأردوغان أو حكومته، خصوصًا تلك المتعلقة بالاقتصاد أو الجيش. وبحسب بعض هؤلاء الأشخاص المطلعين ومراجعة رويترز لبعض الرسائل، يصدر مسؤولو ألطون تعليماتهم في مكالمات هاتفية أو رسائل عبر تطبيق “واتساب”.

وعندما تواصلت رويترز مع دائرة الاتصال للتعليق، نفى مسؤول حكومي رفيع أن ألطون يضع أجندة الأخبار. وقال إنه “يحيط المحررين والمراسلين أحيانًا كجزء من وظيفته. إلا أن تلك المهام لم تُنفذ بطريقة يمكن اعتبارها تعديًا على الاستقلال التحريري للمؤسسات الإخبارية، أو انتهاكًا لحرية الصحافة”.

الإعلام التركي

فخر الدين ألطون

الاستحواذ على وسائل الإعلام

بعد سلسلة من الاستحواذات التي بدأت في 2008، أصبحت أكبر الوسائل الإعلامية خاضعة لسيطرة شركات وأشخاص مقربين من أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم. وبعد محاولة الانقلاب في 2016، أحكمت الدولة التركية قبضتها على وسائل الإعلام، واستخدمت سلطات الطوارئ لإغلاق 150 منفذًا إعلاميًّا، بدعوى علاقتها بفتح الله جولن، المتهم بتنفيذ الانقلاب.

وفي هذا السياق، قال الصحفي الذي عمل لمدة 27 عامًا حتى 2019 في صحيفة “حرييت”، أكبر صحيفة تركية، فاروق بيلدريجي: “تعمل وسائل الإعلام الرئيسة في تركيا على إخفاء الحقيقة بدلًا من نقل الأخبار”. وذكرت رويترز أن صحيفة “حرييت” أيضًا أصبحت موالية للحكومة منذ تغيير ملكيتها في 2018.

وأضاف بيلدريجي: “استبدلت الاهتمامات الصحفية بجهود للانسجام مع الحزب الحاكم وتحقيق رغباته. يصدر الحزب الحاكم التعليمات لتحديد الأجندة، ورؤساء التحرير والمراسلون ومخرجو البرامج في أنقرة هم جهات الاتصال الرئيسة” مع الحزب ودائرة الاتصال.

الإعلام التركي

مقر صحيفة “حرييت”

قمع الإعلام

في مايو الماضي، اقترحت حكومة أردوغان قانونًا تقول إنه يكافح “المعلومات المضللة” في وسائل الإعلام، دون تحديد ماهية تلك المعلومات، ما اعتبره بعض مناصري حرية التعبير استمرارًا للحملة القمعية على التقارير الناقدة. وينص أحد بنود القانون المقترح على أن أي شخص ينشر معلومات خاطئة تتعلق بالأمن أو النظام العام قد يواجه عقوبة تصل إلى السجن 3 سنوات.

ومن المقرر أن يناقش البرلمان مشروع القانون في أكتوبر المقبل بعد انتهاء العطلة. وبحسب بيانات راجعتها رويترز، تفرض الجهات التنظيمية المعينة من الحكومة عقوبات مخالفة قواعد السلوك الإعلامي حصرًا على المؤسسات الإخبارية المستقلة أو المعارضة. وكذلك فإن انتقاد الرئيس والادعاء بوجود فساد حكومي قد يؤدي إلى صدام مع الجهات التنظيمية.

رفض حكومي

ومن جانبها، رفضت وكالة الإعلان الصحفي، التابعة لدائرة الاتصال، والمنوطة بالإشراف على الإعلام المطبوع والمواقع الإلكترونية التابعة له، الانتقادات الموجهة لها بأنها أداة لفرض الرقابة ومعاقبة من ينشر أخبارًا سلبية عن الحكومة.

وقالت الوكالة إنها “غير معنية بآراء وأيديولوجيات” الأعمال المطبوعة. ورفض المجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون، وهو الجهة التنظيمية لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة، التلميحات بأنه يعمل كرقيب أو يتلقى تعليمات من أردوغان. في حين لم يرد مكتب أردوغان على طلب رويترز بالتعليق.

استقالة البيرق

بحسب رويترز، عندما استقال صهر الرئيس أردوغان ووزير ماليته، بيرات البيرق، فجأة في أواخر 2020، قال 4 موظفين في قناة إخبارية تركية بارزة إنهم تلقوا توجيهًا واضحًا من مديريهم بألا ينشروا الخبر حتى تقول الحكومة.

ونقلت المنافذ الإخبارية الدولية والتركية المستقلة خبر استقالة البيرق، في حين ظلت المحطات التليفزيونية والصحف التركية الموالية للحكومة صامتة لأكثر من 24 ساعة.

الإعلام التركي

بيرات البيرق

الرقابة الذاتية

بحسب العديد من المصادر في صناعة الإعلام، أصبحت الرقابة الذاتية شبه تلقائية في وسائل الإعلام الرئيسة، في ضوء التعليمات المتكررة التي تتلقاها بشأن طريقة تغطية الأخبار. وذكرت رويترز أنه عندما حصل أورهان باموق على جائزة نوبل في الأدب عام 2006، لم تذيع قناة “تي آر تي”، التابعة للدولة، الخبر حتى قدم أردوغان، الذي كان رئيسًا للوزراء حينها، تهنئة رسمية.

وتعليقًا على ذلك، كتب باموق في رسالة بريد إلكتروني لرويترز: “طوال مسيرتي التي امتدت لـ50 عامًا في الكتابة، لم تكن وسائل الإعلام والصحف ترضخ للحكومة كما تفعل الآن”.

اختبار الانتخابات

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إقامتها في يونيو المقبل، تشير الاستطلاعات إلى أن تحالفًا غير رسمي مكون من 6 أحزاب معارضة سيحصل على الأغلبية في البرلمان، وأن المنافسين المحتملين قد يهزمون أردوغان في جولة الإعادة. ويرى المحللون السياسيون أن ما حدث في الانتخابات المحلية عام 2019 قد يعطي لمحة عما قد يحدث في التغطية الإعلامية للانتخابات المقبلة.

عندما أظهر فرز 98.8% من الأصوات تقدم مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو، في إسطنبول، توقفت وكالة الأناضول التابعة للدولة عن نشر النتائج فجأة، دون إبداء أسباب أو الإعلان عن الفائز. ووصف أشخاص يعملون في 4 غرف إخبارية رئيسة حدوث حالة من الارتباك تلك الليلة، وانتظر المديرون تلقي تعليمات من دائرة الاتصال أو المسؤولين الآخرين بشأن ما يجب فعله.

الرد التركي

تعقيبًا على تقرير رويترز، نشر فخر الدين ألطون سلسلة من التغريدات عبر “تويتر” ينفي فيها ما ورد في التقرير. ووصف “استهداف” رويترز لدائرة الاتصال بأنه “وسام شرف وعلامة على أننا نسير على الطريق الصحيح”. وقال إن رويترز “تنشر المعلومات المضللة ضد تركيا في ذروة حملة داعش الإرهابية، في الوقت الذي نواجه فيه هذا التنظيم بلا هوادة”.

ولفت ألطون إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها رويترز أخبارًا مضللة وكاذبة، واصفًا إياها بأنها جهاز يمارس الخداع وعمليات التلاعب الممنهج التي تستهدف الرئيس أردوغان وتركيا.

 

ربما يعجبك أيضا