لاحتواء بكين.. هل تقدم واشنطن «خطة مارشال جديدة» لأمريكا اللاتنينية؟

محمد النحاس

يتجاوب الجنوب العالمي مع التعاون الاقتصادي من الصين وروسيا لأنها تحتاج إليه ولا تجد الولايات المتحدة في المنافسة بذات القوة، ولأن المساعدات بكين وموسكو ليست مُقيّدة بشرط على عكس المساعدات الأمريكية


في تصريح بمنتدى أسبن للأمن الأسبوع الماضي، دعت الجنرال لورا ريتشاردسون، قائد القيادة الجنوبية للقوات المسلحة الأمريكية (SOUTHCOM) إلى إطلاق “خطة مارشال” جديدة لأمريكا اللاتينية.

لكن وحسب مقال لمجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” الأمريكية، يبدو أن اهتمام ريتشاردسون الأكبر ينصب على محاولات الصين لتعزيز وجودها في “الفناء الخلفي” لأمريكا من خلال مشاريع بنية تحتية ذات استخدام مزدوج، أكثر من اهتمامها باحتياجات الفقراء في دول الجنوب العالمي.

خطة مارشال جديدة

ريتشاردسون، وهي مسؤولة عسكرية وليست دبلوماسية أو مسؤولة عن برامج إنسانية في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولي قالت في المنتدى إن الولايات المتحدة غابت عن المنطقة بينما استغلت روسيا والصين التراجع الاقتصادي بعد جائحة كوفيد-19 لتعزيز نفوذهما من خلال التعاون العسكري والمشاريع التنموية.

وذكرت المسؤولة العسكرية أن هذا هو السبب الذي يجعل واشنطن بحاجة إلى تقديم “خطة مارشال” خاصة بها لأمريكا اللاتينية، التي تعتبرها مجال نفوذها، وفق ما نقلت ريسبنسبول ستيت كرافت في 22 يوليو 2024.

غياب واشنطن عن أمريكا اللاتينية

خلال المنتدى الأمني، أشارت ريتشاردسون إلى أن 22 من أصل 31 دولة في المنطقة قد وقعت على برنامج “الحزام والطريق” الصيني.

وقالت: “كيف نتنافس كفريق أمريكا وفريق الديمقراطية مع العروض التي تقدمها الدول الأخرى؟ كيف يمكننا إبراز الاستثمار الأمريكي في المنطقة؟ لدينا العديد من الشركات في المنطقة”، مستدركةً “لكن لا أعتقد أننا نروج لفريق أمريكا كما يجب.. علينا أن نفخر بما يقدمه الاستثمار الأمريكي..”.

ما هي خطة مارشال؟

خطة مارشال الأصلية، هي مشروع اقترحه وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال في خطاب ألقاه بجامعة هارفارد عام 1947، وأطلقها الرئيس هاري ترومان عام 1948.

وقدمت الخطة التي كانت تهدف لمساعدة أوروبا على التعافي من تبعات الحرب العالمية الثانية، 13.3 مليار دولار كمساعدات لـ16 دولة حتى عام 1951، أي ما يعادل حوالي 150 مليار دولار بقيمة اليوم.

تحذير من النفوذ الصيني

خلال حديثها، قالت ريتشاردسون: “أعتقد حقًا أن الأمن الاقتصادي والأمن الوطني يسيران جنبًا إلى جنب في هذا الجانب من الكرة الأرضية”.

وأضافت: “إذا كانت مبادرة الحزام والطريق تهدف إلى تحسين الأوضاع في النصف الغربي من الكرة الأرضية، فأنا أؤيدها. لكن يثير قلقي عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية الحيوية.. الموانئ العميقة، الجيل الخامس من الاتصالات، الأمن السيبراني، الطاقة، الفضاء.. أشعر بالقلق من الطبيعة ذات الاستخدام المزدوج لتلك المشاريع”.

وأوضحت ريتشاردسون: “هذه شركات تابعة للدولة من قبل حكومة شيوعية، وأخشى أن تتحول بسرعة إلى استخدام عسكري إذا حدث شيء ما، ربما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.

لماذا يتعاون الجنوب العالمي مع روسيا والصين؟

هنا تكمن جوهر المسألة فمن جهة، هي محقة تمامًا، كما هو الحال في إفريقيا -حسب المقال- تتجاوب دول الجنوب العالمي مع التعاون الاقتصادي من الصين وروسيا لأنها تحتاج إليه ولا تجد الولايات المتحدة في المنافسة بذات القوة، ولأن المساعدات من الصين وروسيا ليست مقيدة بشرط على عكس المساعدات الأمريكية.

كما قد تكون محقة في أن هناك نقصًا في الزيارات رفيعة المستوى والاهتمام بالمنطقة، ما يعطي انطباعًا حقيقيًا بأن أمريكا اللاتينية تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة لواشنطن، كما يطرح المقال.

غير أنّه يستدرك: لكن يجب أيضًا أن نسأل لماذا تتولى القيادة العسكرية طرح هذه الأسئلة الهامة.. أين الدبلوماسيون؟ هل هذه مجرد حجة لوضع المزيد من الأصول العسكرية في المنطقة؟.

تعزيز العلاقات

مقال “ريسبونسبل ستيتكرافت” أوضح أن ريتشاردسون أثارت نقطة هامة، لكنه يؤكد أن الوقت قد حان لكي تتوقف واشنطن عن التذمر بشأن نفوذ الصين وتبذل جهدًا حقيقيًا لتعزيز علاقات فعّالة مع جوراها الإقليمي، والتي لا تتعلق فقط بالتأثير العسكري أو الأيديولوجي السياسي.

بمعنى آخر، العلاقات الدبلوماسية هي طريق مزدوج، إذا تم تمهيده جيدًا من الجهتين، سيوفر الأمن والازدهار للجميع، ختامًا يؤكدا المقال على ضرورة التساؤل “لماذا تتولى القيادة العسكرية طرح هذه الأسئلة؟”.

ربما يعجبك أيضا