لبنان بلا رئيس.. تداعيات الشغور على الاستقرار الداخلي

غياب القيادة في لبنان.. كيف يؤثر الشغور الرئاسي؟

أحمد عبد الحفيظ
لبنان

يمر لبنان بأزمة سياسية معقدة، تفاقمت بشكل كبير نتيجة الفراغ الرئاسي المستمر منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر 2022، هذا الشغور الرئاسي ليس ظاهرة جديدة في لبنان، لكنه يأتي هذه المرة في سياق أزمات متعددة تشمل الانهيار الاقتصادي، والاضطرابات السياسية، والانقسامات الطائفية.

بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في تقرير لها نشر اليوم الأحد 13 أكتوبر 2024، أدى غياب رئيس للجمهورية إلى تعطيل عمل المؤسسات وتفاقم حالة الجمود السياسي في البلاد، مما ترك البلاد في وضع حرج حيث تواجه تحديات كبيرة دون قيادة موحدة لتوجيه دفة الأمور.

طريقة اختيار الرئيس في لبنان

نظام اختيار الرئيس في لبنان يعتمد على اتفاقات “الطائف” التي وُضعت في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989، وفقًا لهذا النظام، يتم انتخاب الرئيس من قبل مجلس النواب، ويجب أن يكون الرئيس مارونيًا وفقًا للتوزيع الطائفي للمناصب الكبرى في البلاد (الرئيس ماروني، رئيس الوزراء سني، ورئيس مجلس النواب شيعي)، ويتطلب انتخاب الرئيس غالبية الثلثين في الجلسة الأولى، وإذا لم تتحقق هذه الغالبية، يعاد التصويت في جلسة لاحقة بحيث يكفي الفوز بغالبية مطلقة (50% + 1).

هذا النظام المعقد يتطلب توافقًا بين القوى السياسية المتنوعة، وهو ما أصبح أمرًا صعبًا للغاية في ظل الانقسامات السياسية الحادة بين الكتل البرلمانية. منذ انتهاء ولاية ميشال عون، لم تتمكن القوى السياسية اللبنانية من التوصل إلى اتفاق على اسم الرئيس الجديد، مما أدى إلى دخول البلاد في مرحلة من الشلل السياسي.

تداعيات الشغور الرئاسي

غياب رئيس للجمهورية يشل النظام السياسي اللبناني بشكل مباشر. الرئيس في النظام اللبناني ليس مجرد منصب رمزي، بل يلعب دورًا حيويًا في تشكيل الحكومة وتوجيه السياسات العامة، وبدون رئيس، لا تستطيع الحكومة القيام بمهامها الدستورية بشكل كامل، مما يعطل اتخاذ القرارات الحيوية ويضعف من هيبة الدولة.

أحد أبرز تداعيات الفراغ الرئاسي هو تعقيد أزمة تشكيل الحكومة، الحكومة الحالية، التي تعتبر “حكومة تصريف أعمال”، تفتقر إلى الصلاحيات الكاملة لتبني قرارات استراتيجية طويلة المدى. هذا يعني أن الأزمات التي يعاني منها لبنان – مثل الأزمة المالية، وانهيار العملة، وتدهور الخدمات الأساسية، فالحكومة الحالية لا تستطيع اتخاذ قرارات كبرى تتطلب وجود رئيس للجمهورية لتوقيع المراسيم وإعطاء الشرعية لتلك القرارات.

تأثير الشغور الرئاسي على الاقتصاد

الشغور الرئاسي ليس مجرد مشكلة سياسية، بل له تأثير مباشر على الاقتصاد. الاقتصاد اللبناني يعاني بالفعل من انهيار غير مسبوق منذ عام 2019، مع تدهور الليرة اللبنانية وفقدان الثقة في النظام المصرفي. غياب رئيس يعزز حالة عدم اليقين، ويقلل من فرص الحصول على دعم دولي أو جذب استثمارات خارجية. فالمجتمع الدولي يحتاج إلى حكومة فاعلة وشريك موثوق يمكنه التفاوض وتنفيذ الإصلاحات اللازمة، وهو أمر شبه مستحيل في ظل الفراغ السياسي الحالي.

كما أن غياب الرئيس يعطل أي مفاوضات جادة مع صندوق النقد الدولي أو الدول المانحة، والتي تشترط وجود قيادة سياسية قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لإعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني المتدهور. هذا يزيد من حدة الأزمة المعيشية ويعمق حالة الفقر والبطالة بين المواطنين.

تأثير الشغور على المشهد الأمني

بالإضافة إلى التأثير الاقتصادي والسياسي، فإن الفراغ الرئاسي يزيد من هشاشة الوضع الأمني في لبنان، في بلد يعاني من انقسامات طائفية وسياسية حادة، وجود رئيس يلعب دورًا توافقيًا هو عنصر استقرار مهم. غياب هذه الشخصية التوافقية يفتح المجال أمام تصاعد التوترات الداخلية، خاصة مع وجود أطراف إقليمية مؤثرة تستغل هذا الفراغ لتمرير أجنداتها الخاصة.

مشهد معقد

في ظل استمرار الشغور الرئاسي في لبنان، يبدو المشهد السياسي معقدًا ويزداد تعقيدًا مع مرور الوقت. غياب رئيس للجمهورية يعطل عمل المؤسسات، يشل الحكومة، ويعمق الأزمة الاقتصادية والأمنية في البلاد. لبنان في حاجة ماسة إلى توافق سياسي داخلي لانتخاب رئيس جديد يعيد الاستقرار إلى البلاد ويضعها على مسار التعافي، ولكن الانقسامات السياسية والطائفية تجعل هذا الهدف صعب المنال في الوقت الحالي.

ربما يعجبك أيضا