لبنان في قلب دوامة الانهيار الاقتصادي.. ولا عزاء للفقراء

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

أزمة تلو الأخرى تضغط على لبنان ولا أمل في حل قريب بل إن الأوضاع تسير نحو الأسوأ، فحكومة نجيب ميقاتي ما إن بدأت تتحرك لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد حتى أوقعها الوزير السابق جورج قرداحي في قلب أزمة دبلوماسية مع دول الخليج وتحديدا السعودية التي لديها تاريخ طويل من دعم لبنان سياسيا واقتصاديا، اليوم وتحت وقع أزمات متتالية منذ انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 وتداعيات جائحة كورونا التي أدخلت قطاع السياحة الحيوي بالنسبة للاقتصاد اللبناني إلى حالة من السُبات العميق وانهيار الليرة بات لبنان غارقا في واحدة من أسوأ الأزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

دائرة الفقر تتسع في لبنان

بحسب البنك الدولي ارتفعت نسب الفقر في لبنان خلال 2021 بنسبة 28 نقطة مئوية، مقابل 13 نقطة في العام الماضي، وارتفعت النسبة عينها بمقدار 52 نقطة مئوية بين النازحين في العام الجاري، مقابل ارتفاعا بـ39 نقطة في 2020.

وقال البنك الدولي إن هناك توسعا هائلا في حزام الفقر بلبنان، إذ ضم خلال العام الجاري فئات جديدة تبلغ نحو 2.3 مليون نسمة من المقيمين، ويتوزعون بين 1.5 مليون لبناني و780 ألفا من النازحين السوريين، وذلك بفعل تراجع دخل الأسر وفقدان المئات لوظائفهم وانهيار الليرة التي خسرت أكثر من 90% من قيمتها بفعل الأزمات المتلاحقة.

بحسب منظمة “الإسكوا” قفزت نسبة الفقر في لبنان من 55% في العام الماضي إلى 74 % من إجمالي عدد السكان في 2021، فيما تشير تقديرات إلى أن تعداد من يعيشون تحت خط الفقر في لبنان يبلغ نحو ثلاثة ملايين شخص منهم أكثر من 841 ألف تحت خط الفقر الغذائي.

وحذرت اليونيسف في نوفمبر الماضي من أن تأثير الأزمة الاقتصادية على أطفال لبنان  يزداد سوءا بشكل تدريجي، وقالت: أكثر من نصف العائلات التي لديها طفل واحد على الأقل تخطت وجبة واحدة في سبتمبر الماضي، مقارنة بما يقرب من نسبة 37% في أبريل، كما أقدمت 30% من الأسر على تخفيضات في نفقات التعليم، ارتفاعا من 26% في أبريل.

تحرك حكومي بدعم من البنك الدولي

في تحرك متأخر للغاية، أقر البرلمان اللبناني مطلع الشهر الجاري خطة دعم اجتماعي لمساعدة الأسر الأكثر فقرا عبر إطلاق برنامج “البطاقة التمويلية” المدعوم بقرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار، والبطاقة مخصصة للأسر الأكثر فقرا وتمنحهم مبالغ نقدية بالدولار بالتزامن مع رفع الدعم عن المواد الأساسية لضبط الموازنة العامة للدولة، ويستهدف البرنامج بشكل أساسي نصف مليون عائلة.

بحسب الحكومة اللبنانية سيخصص البرنامج على مدار عام لكل فرد من أفراد الأسرة 25 دولارا، ومبلغ 15 دولارا للشخص البالغ من العمر 65 عاما فما فوق، على ألا تتعدى قيمة المبلغ الإجمالي للأسرة الواحدة 126 دولارا.

وتشير عمليات المحاكاة التي أجراها البنك الدولي مطلع العام إلى أنه إذا تم تنفيذ هذا البرنامج بشكل مثالي، فسوف يؤدي إلى تقليص فجوة الفقر من 13.9 إلى 9.2%، وفجوة الفقر المدقع من 5.6 في المائة إلى 3.6%.. لكن هل هذا يكفي؟

الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي قال في تصريحات لـ”سبوتنيك”: “إن رقم “246 مليون دولار” في واقع الأمر غير كافٍ لأن المشاريع التي أطلقتها وزارة الشؤون الاجتماعية والحكومة اللبنانية لمعالجة الأزمات المعيشية تقدر كلفتها بمليار و100 مليون دولار سنويا ضمن مشروع يمتد على 3 سنوات، وبالتالي هذا البرنامج لن يغطي الفقراء جميعهم بل من تريد الحكومة من هؤلاء الفقراء فهو لا يكفي سوى لتغطية نحو 100 ألف أسرة فقط”، مشددًا على أن “كل الشعب اللبناني بحاجة إلى البطاقة التمويلية، لأن الشعب لم يبقوا – في إشارة إلى الحكومة والقيادات السياسية- له قرشاً واحداً بالعملة الصعبة في المصارف، والأمور ذاهبة إلى المزيد من الفقر، وهناك خوف كبير من حدوث مجاعة ومن فقدان الضروريات والأساسيات من الأسواق قريبا”.

عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني عدنان رمال قال في تصريحات لـ “الأهرام ويكلي” هذا الشهر إن تركيز الحكومة اللبنانية الآن ينصب على زيادة المساعدات الاجتماعية وهي خطوة جاءت متأخرة وعلى الأرجح لن تكون فعالة، إذ يجب التركيز على زيادة القوة الشرائية لأن زيادة المساعدة الاجتماعية لن يكون لها هذا التأثير ولكن سيكون لها تداعيات على التضخم والأرصدة المالية وقيمة السوق السوداء للدولار.

بالإضافة إلى خطوة البنك الدولي العاجلة، أعلنت الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي عن خطة استجابة شاملة لتلبية الاحتياجات الإنسانية للبنانيين واللاجئين في لبنان، تشمل 119 مشروعا بقيمة إجمالية 383 مليون دولار، بهدف توفير مساعدات عاجلة لمدة 12 شهرا لـ1.1 مليون لبناني ولاجئ لدعمهم في قطاعات التعليم والأمن الغذائي والصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي وحماية الطفل.

الحكومة اللبنانية تواصل خذلان شعبها

في ختام زيارته إلى لبنان في نوفمبر الماضي، قال أوليفييه دي شوتر، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان: “لبنان ليس دولة منهارة بعد، لكنه على شفير الانهيار، وحكومته تخذل شعبها، لقد كان ذات يوم منارة تسترشد بها المنطقة وتحقق مستويات عالية في التنمية البشرية وقدرات كبيرة، أما الآن ما قامت به السلطات اللبنانية من تدمير للعملة الوطنية، وافتعال لأزمات سياسية متلاحقة، وتعميق أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، قد أغرق لبنان في فقر مدقع”.

وأضاف “فيما يحاول السكان البقاء على قيد الحياة يوما بعد يوم، تضيّع الحكومة وقتا ثمينا في التهرب من المساءلة وتجعل من اللاجئين كبش فداء لبقائها، وحتى قبل الأزمة الحالية كنا نشاهد فئة أغنى 10% من اللبنانيين تحصل على دخل يزيد خمس مرات عن فئة أفقر 50% منهم، وهذا المستوى الصارخ من عدم المساواة يعززه نظام ضريبي يكافئ القطاع المصرفي، ويشجّع التهرب الضريبي، ويركّز الثروة في أيدي قلّة، وفي الوقت نفسه، يتكبّد السكان ضرائب تنازلية تصيب أكثر ما تصيب أشد الناس فقرا..  إنها كارثة من صنع الإنسان، استغرق صنعها وقتا طويلا”.

قامت العديد من الهيئات المانحة كالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي والبنك الدولي على مدار العام الجاري بزيادة مساعداتها للبنان، إلا أن المساعدات بقيت دون المستوى المطلوب في ظل استمرار السقوط الحر لليرة والاقتصاد اللبناني، وبحسب البنك الدولي قد يستغرق لبنان ما بين 12 و19 عاما للتعافي من الأزمة الراهنة، لكنه في حاجة إلى إصلاحات عاجلة إلى جانب تطبيق برامج الحماية الاجتماعية بكثير من الشفافية للحصول على الدعم المطلوب من مجتمع المانحين مع وصول سقف الدين العام لـ172% من ناتجه المحلي، وتخلف “سويسرا الشرق” رسميا عن سداد ديونها منذ العام الماضي لأول مرة في تاريخها، في مشهد لم يحدث حتى في وقت الحرب الأهلية.. ويبقى مصير لبنان مرهونا بمدى صدق الإرادة السياسية ولنقل “الطائفية” في الخروج من دوامة الانهيار على نحو عاجل ودون إضاعة المزيد من الوقت بغية تعظيم المكاسب السياسية على حساب الشعب اللبناني.

ربما يعجبك أيضا