“لكونك مسلما”.. دخان العنصرية يغطي سماء نيودلهي

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

قتلى وجرحى وعمليات هدم وحرق بيوت وممتلكات ومساجد في أحدث فصول العنف بين هندوس ومسلمين في العاصمة الهندية نيودلهي، في خضم استمرار الاحتجاجات ضد قانون الجنسية الجديد.

يمنح القانون الجديد الجنسية للمهاجرين من أفغانستان وباكستان وبنجلاديش باستثناء المسلمين، وهو أول قانون منذ استقلال الهند يستثني المسلمين صراحة، مما أثار احتجاجات واسعة في البلاد.

أيديولوجية خبيثة

تقول صحيفة “الجارديان” البريطانية: إن العنف الذي تشهده العاصمة الهندية دلهي ليس اضطرابا أمنيا، وإنما هو وحشية تستهدف المسلمين، بقيادة الغوغائيين من القوميين الهندوس، ومعظمهم من مؤيدي حزب “بهاراتيا جاناتا”، الحزب الحاكم في الهند، والعديد منهم يهتفون “جاي شري رام” اللورد راما ” و” Hinduon ka Hindustan ” أي: “المجد للإله راما، الهند للهندوس”.

ووصفت الصحيفة أيديولوجية الحزب القومي الهندوسي بـ” الخبيثة”، محملة الحزب مسؤولية الدماء التي تراق في شوارع العاصمة الهندية نيودلهي.

وبدأت أعمال العنف بعد تصريح أدلى به مسؤول في الحزب الحاكم، يُدعى كابيل ميشرا، في تجمع شعبي، قال فيه إنه إذا لم تتدخل الشرطة لإخلاء الشوارع من المتظاهرين ضد قانون الجنسية، فإنه وأنصاره سيقومون بذلك بأنفسهم.

وبعد ساعات من تصريح ميشرا، بدأت عصابات حزب”بهاراتيا جاناتا” في مهاجمة المتظاهرين، وفي غضون أيام بدأوا في حرق بيوت والمحلات التجارية للمسلمين ومساجدهم، ما أدى إلى مقتل 39 شخصا من المسلمين وشرطي، وإصابة أكثر من 200، بحسب “الجارديان”.

وتعرض بعض الهندوس لهجمات وحرقت بيوتهم ومتاجرهم، وقد دفع هذا البعض إلى تصوير الأحداث في دلهي على أنها حالة من الفوضى العامة، ومنهم من نسب العنف للمسلمين.

ويرى الحزب الحاكم أن طريقة الحياة الهندوسية هي الهوية الأصلية الوحيدة للهند، وقال جيريراج سينغ -وهو وزير في حكومة ناريندرا مودي، في تصريح الشهر الماضي- إنه كان يتعين على جميع مسلمي الهند أن يرحلوا إلى باكستان منذ التقسيم.

مثل العديد من أحزاب اليمين المتطرفي أوروبا، حصل حزب بهاراتيا جاناتا على دعم شعبي إلى حد كبير بسبب الاستياء من فشل وفساد الأحزاب الأخرى، وخاصة المؤتمر الوطني الهندي “الكونجرس”، الذي حكم الهند بعد الاستقلال.

في 2014، عندما وصل الحزب الهندوسي إلى الحكم، كان يضع حدودا لتصريحات أعضائه المتطرفة والعدائية، ولكن بعد فوز رئيس الوزراء بفترة ثانية فتح ناريندرا مودي الأبواب على مصراعيها للتعبير الأيديولوجي ولسياسات الإقصاء.

ففي أغسطس 2019، ألغت الحكومة نظام الحكم الذاتي في إقليم جامو وكشمير ذي الأغلبية المسلمة، استجابة لمطلب الهندوس منذ 1950، وتعاملت بوحشية مع المحتجين، ثم سنت قانون الجنسية الجديد، الذي يفرض على الهنود إثبات أنهم يحملون الجنسية علما بأن الملايين لا يملكون أي وثيقة متعلقة بالجنسية.

بالنسبة لغير المسلمين، من غير المرجح أن يكون هذا عبئًا كبيرًا جدًا، حيث يوفر قانون الجنسية المعدل طريقًا للمواطنة أما المسلمون فيخشون أن يتم اعتبارهم “أجانب” حتى لو كانوا عاشوا في الهند لأجيال عديدة؛ وأن ينتهي بهم المطاف إلى “روهنجيا” في الهند.

وتثبت الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها البلاد ضد قانون الجنسية وشارك فيها مسلمون وهندوس جنبا إلى جنب، أن عموم الهنود لا يوافقون على ما تقوم به الحكومة والحزب القومي الهندوسي.

ويرى أن ما يجري في الهند ليس صراعا دينيا بسيط بين الهندوس والمسلمين وإنما هو صراع سياسي بين تصورين مختلفين لما ينبغي أن تكون عليه الهند، تصور يريد بلادا منفتحة علمانية، وآخر يريدها بلادا هندوسية منغلقة.

وحشية ضد المسلمين

في الأسبوع الماضي، دعا رئيس الحكومة الهندية التي أقرت قانون الجنسية ناريندرا مودي، إلى الهدوء والسلام معلنا مشاركته في اجتماع لتقييم الوضع، لكن دعوات مودي للسلام والأخوة يبدو أنها لم تصل للجميع.

أظهرت مقاطع فيديو المتاجر والسيارات المحترقة التي خلفتها أعمال العنف في العاصمة الهندية، مع استمرار غلق المدارس، فيما رجح مسؤولون في قطاع الصحة ارتفاع أرقام الضحايا نظرا لاستقبال المستشفيات المزيد من المصابين.

وتصاعدت سحب  الدخان الأسود من منازل مملوكة للمسلمين استهدفتها مجموعة من الغوغاء في دلهي، بسبب وقوع مناولهم بجوار مسجد في حي تقطنه أغلبية من الهندوس.

كما تعرض المسجد للهجوم أيضًا فيما أصبح حاليًا مكانًا بارزًا ومثيرًا للجدل، حيث أظهرت المقاطع المصورة رجال يتسلقون المئذنة لنزع مكبر الصوت ووضع العلم الهندوسي، وسط هتافات مشجعة”.

لا تزال الحرارة ترتفع من تحت الأنقاض السوداء داخل منزل خورشيد وهو يفتح الباب، ويداه مغطاة بالرماد بعد محاولته شق طريقه عبر ما تبقى من أمتعته، يقول خورشيد: “أتى حوالي 400 شخص إلى حي أشوك نجار وبدأوا في مهاجمة الممتلكات الإسلامية، أنقذ ضباط الشرطة السكان ورافقوهم إلى محطة قريبة من أجل سلامتهم، لكن عددهم تفوق على ذلك، وتراجع مع بدء أعمال التخريب في المسجد.

ويضيف “انظر إلى منزلي، لقد احترق بالكامل، وكذلك كل ممتلكاتنا، كل شيء، كان يعيش هنا 11 شخصًأ منا، ماذا نفعل الآن؟ وإلى أين سنذهب؟”.

تقول سيدة تدعى بارفين، وهي تعيش في منزلها في أشوك ناجار منذ 25 عامًا “إن رؤية منزلي يحترق لا يؤلمني بقدر ما أشعر بالألم تجاه ما فعله مثيرو الشغب بالمسجد، كنا مستهدفين لأننا مسلمون، وتم إحراق جميع المحلات التجارية التابعة للمسلمين، ولم يتم لمس أي من المتاجر الهندوسية، إنهم يريدون عزلنا وفصلنا عن الديانات الأخرى، لقد اعتقدنا دائمًا أننا جميعًا متساوون”.

الموت حرقًا

على الأرض كان يرقد محمد زبير 30 عامًا غارقًا في دمائه، بعد أن أنهال عليه ثلاثين رجلًا مسلحين بالضرب بقضبان حديدية وأنابيب معدنية، خلال ذهابه إلى منزله في شيف فيهار، شمال غرب دلهي،  يقول الزبير: “لقد بدأوا في ضربي بعنف بمجرد أن تأكدوا من أنني مسلم، ظلت الضربات تمطر على رأسي ويدي وظهري، لم أطلب منهم التوقف عن ضربي، أصبحت صامتًا، وأحاول أن أتنفس فقط وتصلب جسدي”.

وفي منطقة بهاجيراثي فيهار في جوكالبوري، شمال شرق دلهي، توجه حوالي 30 رجلاً يحملون قضبان حديدية وسكاكين وسلاسل، كان العديد منهم يرتدون خوذات حتى لا يمكن تحديد هويتهم، إلى منزل مشرف المسلم البالغ من العمر 30 عامًا، يقول شاكر، زوج شقيقته: “لقد قطعوا الكهرباء وأصبح المنزل مظلمًا، وبدأوا في تحطيم المنزل، كانت زوجته تتصل بالشرطة لكنهم لم يأتوا، ثم دخل الجميع إلى تحت الأسرة للاختباء ولكن الرجال سكبوا الكيروسين على كل شيء وهتفوا: “هل ستخرج أم تريد منا أن نحرقكم أحياء؟”.

تابع شاكر: “لقد حطموا السرير الذي كان مشرف يختبئ تحته وصرخ، فأمسكوه وجروه إلى الشارع، ركض الأطفال أيضًا، وكانوا يصرخون، ابنته كوشي -وهي في الحادية عشرة من عمرها- سقطت على أقدام هؤلاء الرجال، دافعة لا تقتل والدي، حاولت إنقاذه لكنهم ضربوه حتى الموت في منتصف الشارع”.

يقول هارش ماندر، مؤلف وناشط ومدير مؤسسة بحثية في دلهي: “ليس لدي أدنى شك في أن هذه لم تكن أعمال شغب عفوية، من المؤكد أنها كانت مدبرة ومبنية كجزء من سياسة الحزب الحاكم”.

في مستشفى بمنطقة مصطفى آباد، يقول الدكتور ميراج إكرام هناك أكثر من 500 ضحية دخلوا أبوابه منذ اندلاع أعمال الشغب، كانت لديهم جروح ناجمة عن أعيرة نارية، ولكن كانت هناك أيضًا طعنات وحروق، ولم تكن الشرطة تسمح لسيارات الإسعاف بدخول مصطفى لإنقاذ الجرحى.

يضيف إكرام: “ومن بين المرضى الذين تم إحضارهم إلى الهند إمام مسجد شيف فيهار، الذي شوه وجهه بشدة بعد أن ألقوا دلوًا من الحمض على وجهه، كانت الإصابات التي نراها مرعبة، لم أر أبدا مثل هذه الأشياء الفظيعة في حياتي كلها”.

ربما يعجبك أيضا