التعاون بين الصين وطالبان: الآفاق و التحديات

أحمد ليثي

بعد اندلاع أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانهيار إمارة طالبان الأولى، تم الكشف عن علاقات طالبان الوثيقة مع الأويغور وغيرهم من مقاتلي آسيا الوسطى


بعد الانسحاب الأمريكي الفاشل من أفغانستان، توقع كثيرون أن تقفز بكين بسرعة لملء فراغ السلطة والاعتراف بنظام طالبان وإضفاء الشرعية عليه في أسابيع أو شهور.

قالت جريدة فورين بوليسي الأمريكية، في تقريرها المنشور أواخر يناير الماضي، إنه رغم حفاظ بكين على العلاقات الدبلوماسية والاعتراف الفعلي بحركة طالبان لكنها تجنبت احتضان متسرع للنظام الجديد في كابول وتبنت بدلًا من ذلك نهجًا مشروطًا.

ما شروط الصين للاعتراف بطالبان؟

حددت جريدة جلوبال تايمز التابعة للحزب الشيوعي الصيني بشكل صريح 4  شروط للتعاون مع طالبان، منها “اتخاذ موقف صارم ضد مقاتلي الأويغور، وتشكيل حكومة شاملة، والابتعاد عن الولايات المتحدة، وتعديل سياساتها الداخلية”.

ينبع سلوك الصين المحسوب تجاه طالبان من انعدام الثقة العميق الذي تبلور منذ اتصال بكين الأول بالجماعة في التسعينيات، حين كثف الانفصاليون الأويغور عملياتهم في الصين، ونفذوا تفجيرات في مناطق مختلفة في بكين نفسها، وكانت الصين على علم أن الحركات تعمل في ملاذات ومعسكرات تدريب يقال إنها أقيمت تحت الإشراف المباشر من القاعدة.

عدم الثقة في طالبان يتعمق

تواصلت الصين مع باكستان التي كانت الراعي الرئيسي لطالبان، للضغط على الجماعة لتفكيك معسكرات تدريب الحركة، ورغم فشل باكستان في البداية، إلأ أنها رتبت اجتماع بين السفير الصيني ببلادها والزعيم الأعلى لطالبان الملا محمد عمر، لكن عمر نفى بشكل قاطع استضافة أو إيواء مقاتلين من الأويغور، فتواصلت مشكلة الحركة بالنسبة للصين.

بعد اندلاع أحداث 11  سبتمبر 2001، وانهيار إمارة طالبان الأولى، كًشف عن علاقات طالبان الوثيقة مع الأويغور وغيرهم من مقاتلي آسيا الوسطى، ووفقًا لمصادر من طالبان، أعادوا مئات المسلحين من آسيا الوسطى إلى أفغانستان خلال عمليات الجيش الباكستاني في شمال وزيرستان في عام 2014، واعترفت مصادر داخل طالبان في عام 2014، بوجود حوالي 250 من مقاتلي الأويغور في شرق أفغانستان.

لماذا تهتم الصين بأفغانستان؟

وفقًا لصحيفة ذا ديبلومات في تقريها المنشورة في ديسمبر الماضي، يوجد جانبان لاهتمام بكين بأفغانستان، تأمين الأمن على حدودها الغربية ولمشاريع الحزام والطريق في آسيا الوسطى وباكستان، مبينةً أن بكين تنظر إلى الإرهاب والانفصالية والأصولية الدينية، على أنها تهديدات لأمنها القومي، وأنها حثت طالبان علنًا على الانفصال التام عن الجماعات الإرهابية الأخرى.

وفي هذا السياق، تحتاج الصين إلى نموذج أمني ملائم في المنطقة لحماية مصالحها الاقتصادية، فاستثمرت استثمارات كبيرة منذ عام 2013 في آسيا الوسطى وباكستان في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، بسبب مخاوف بكين من شن المتشددين هجمات على الموظفين والمشاريع الصينية، ومن ثم تقليل التهديدات الأمنية، وتحسين مناخ الاستثمار، ويساعد الصين على تحقيق أهدافها الاقتصادية.

مشاريع التعدين الأفغانية قوة جذب للدولة الصينية

أعربت الصين عن اهتمامها بقطاع التعدين في أفغانستان منذ العقد الأول من القرن الـ21، لكن المشاريع السابقة كانت محفوفة بالصعوبات ويعد منجم آيناك للنحاس الذي أوجر لمجموعة شركة ميتالورجيكال الصينية المحدودة لمدة 30 عامًا في عام 2008، أحد الأمثلة المعروفة، لكن توقف المشروع بسبب المشاكل الأمنية والمخاوف المتعلقة بالحفاظ على الآثار البوذية القديمة في المنطقة.

تنجذب الصين للموارد غير المستغلة في أفغانستان، لأنها تواجه طلبًا محليًا متزايدًا على الطاقة والسلع الأولية، ومع ذلك، تدرك بكين أن مشاريع التعدين في أفغانستان ستكون بعيدة المدى، وتتطلب العديد من الترتيبات، مثل الضمانات الأمنية والبنية التحتية المناسبة، لكن حركة طالبان صرحت مؤخرًا، أنها ستضمن أمن المستثمرين الصينيين.

احتياجات الصين وحدها غير كافية

على عكس توقعات بعض المعلقين، فإن الضرورات الجيوسياسية والاقتصادية المجردة لا تحدد مشاركة الصين في مرحلة ما بعد الولايات المتحدة في أفغانستان، لأن انطباع بكين عن نظام طالبان أنه شريك غير موثوق به، ومن الصعب عليها أن تركن للروايات التي تتردد في الأجواء الغربية، من أن طالبان الجديدة باتت أكثر براجماتية وأقل أيديولوجية.

من جهتها، ستواصل بكين تقييم موقف طالبان عن كثب بشأن القضايا، لكن من غير المرجح أن تعترف رسميًا بنظام طالبان في شكله الحالي، ورغم حاجة طالبان الماسة إلى الأموال الصينية من خلال الاستثمار في التعدين، لكن عدم ثقتها في الحركة ستمنعهم من ذلك الآن، فضلًا عن أن مسؤولو طالبان لن يخاطروا بالانشقاق الداخلي، بسبب التغييرات في مواقفهم الأيديولوجية.

ربما يعجبك أيضا