لماذا ترفض إسرائيل إعادة الجولان إلى سوريا؟

عبدالمقصود علي
الجولان المحتل

الكاتبة الفرنسية فينسيان جولي تسلط الضوء على الأسباب التي تقف وراء رفض إسرائيل الانصياع لقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الجولان السوري المحتل، والتي أصبحت في الفترة الأخيرة منطقة حرب بالوكالة مع إيران.


تواصلت الضغوط الدبلوماسية الاثنين 29 يوليو 2024 لتجنب التصعيد بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية بعد غارة خلفت 12 قتيلاً في الجولان المحتل، وهي الهضبة السورية التي تعد منطقة استراتيجية وعازلة، ضمتها إسرائيل عام 1981.

الكاتبة الفرنسية فينسيان جولي سلطت الضوء في مقال لها بصحيفة “لاكروا” على هذه المنطقة الاستراتيجية التي تقع في قلب التوترات، وأسباب رفض إسرائيل الانسحاب منها رغم أن المجتمع الدولي يعترف بها، كجزء من سوريا إلى جانب بقية مرتفعات الجولان.

منطقة استراتيجية

قالت جولي: وعدت إسرائيل يوم الأحد 28 يوليو بتوجيه “ضربة قوية للعدو” بعد يوم من ضربة صاروخية أدت إلى مقتل 12 في منطقة “مجدل شمس” بالجولان، حيث ألقت تل أبيب باللوم في الهجوم على حزب الله اللبناني الذي ينفي ذلك ويعتقد أنه صاروخ اعتراضي إسرائيلي.

وأوضحت الكاتبة أن هذه الاشتباكات، التي تثير مخاوف اندلاع حريق إقليمي في خضم الحرب الدائرة بقطاع غزة، تسلط الضوء على مسألة مرتفعات الجولان، وهي الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ثم ضمتها عام 1981.

يتراوح عرض المنطقة من 12 إلى 25 كيلومتراً وطولها 67 كيلومتراً، يحدها من الشمال لبنان ومن الجنوب الأردن، وتبلغ ذروتها عند سفوح جبل الشيخ بارتفاع يبلغ أكثر من 2000 متر، فهي منطقة استراتيجية، تطل على وادي الأردن وبحيرة طبرية في الجليل غرباً، وسهول حوران السورية شرقاً.

استيلاء جديد

تؤكد الكاتبة أن هضبة الجولان كانت جزءًا لا يتجزأ من سوريا عندما حصلت على استقلالها عام 1946، واحتلتها إسرائيل خلال حرب يونيو 1967. ففر أكثر من 100 ألف سوري من الهضبة أو تم طردهم، بينما بقي أفراد الطائفة الدرزية، أي حوالي 6000 شخص.

ودعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قراره رقم 242 إلى “الانسحاب من الأراضي التي تحتلها” إسرائيل (الجولان السوري وسيناء المصرية والضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة). لكن دون جدوى.

كما حاولت دمشق استعادة الهضبة خلال حرب أكتوبر 1973، لكن تل أبيب احتلت 500 كيلومتر مربع إضافية. وبعد مرور عام أعادت إسرائيل ما استولت عليه في هذه الحرب، وقبلت بمنطقة عازلة منزوعة السلاح تضم قوة تابعة للأمم المتحدة(UNDF) مسؤولة عن مراقبة الامتثال للاتفاق.

قرار باطل

احتفظت إسرائيل بمعظم الأراضي، أي 1200 كيلومتر مربع، وأطلقت فيها سياسة الاستعمار اليهودي نهاية عام 1967، ولم يؤد وصول حزب “الليكود” إلى السلطة عام 1977 إلا إلى تضخيم حركة الاستيطان.

وفي عام 1981، صوت الكنيست (البرلمان) على ضم هضبة الجولان، فيما أعلن مجلس الأمن الدولي أن “القرار الإسرائيلي بفرض قوانينه وولايته القضائية وإدارته على مرتفعات الجولان السورية المحتلة لاغٍ وباطل” (القرار 497).

حصن هيدروليكي

وبعيدًا عن كونه استعمارًا قائمًا على أيديولوجية دينيةـ مثل تلك الموجودة في الضفة الغربية، فإن احتلال الجولان ثم ضمه سببه مصالح استراتيجية لإسرائيل، تقول الكاتبة.

فمن الناحية العسكرية، تمتلك إسرائيل بشكل خاص محطة تنصت على قمة جبل الشيخ شمال الجولان، على بعد حوالي ستين كيلومتراً فقط من العاصمة السورية، ويمكنها نشر قواتها هناك.

بالإضافة إلى ذلك، الجولان عبارة عن حصن هيدروليكي، فهو مورد طبيعي نادر ومرغوب فيه. فالأنهار التي تغذي نهر الأردن تقع على الهضبة.

أسباب كثيرة

وحتى قبل حرب يونيو 1967، كانت سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل تتنافس على السيطرة على البحيرات والأنهار. فإذا كانت إسرائيل (60% صحراوية) تنتج الآن جزءاً كبيراً من مياه الشرب عن طريق التحلية (600 مليون متر مكعب سنوياً)، فإنها تملك نحو 250 مليون متر مكعب من المياه العذبة بفضل الجولان.

ووفق الكاتبة الفرنسية فإن هناك أسباب كثيرة لرفض إعادة هذه الأراضي إلى سوريا، على الرغم من المفاوضات المتعددة، بل على العكس من ذلك، البرلمان الإسرائيلي يشدد تدريجياً شروط الانسحاب.

فمنذ عام 1999، يتعين على الحكومة الإسرائيلية، على سبيل المثال، أن تحصل على 65% على الأقل من الأصوات عن طريق الاستفتاء أو الأغلبية المؤهلة في البرلمان؛ لاتخاذ قرار بشأن التسوية بشأن الجولان، وفي الوقت نفسه، يستمر الاستطيان هناك، بهدف خلق وضع قائم لا رجعة فيه.

مضاعفة عدد المستوطنين

في مارس 2019، اعترفت الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وبعد ذلك بعامين، وافقت حكومة نفتالي بينيت (رئيس وزراء إسرائيل ما بين يونيو 2021 ويونيو 2022) على خطة “لمضاعفة عدد المستوطنين الإسرائيليين في منطقة الجولان” بحلول عام 2025، ثم مرة أخرى بحلول نهاية العقد، ليصل هذا الرقم إلى أكثر من 100 ألف.

وفي يونيو 2023، تجاوز عدد المستوطنين الإسرائيليين (25 ألفاً)، عدد الدروز (23 ألفاً)، وهؤلاء الأخيرون، على عكس إخوانهم في الدين بالجليل، ما زالوا معاديين لإسرائيل، التي رفض 80% منهم جنسيتها، وكثيراً ما تتركهم سلطة الاحتلال وراءهم، ويستمرون في القول بأنهم سوريون.

الجولان التي تعتبر إحدى مناطق الحرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل منذ 7 أكتوبر الماضي، استهدفها حزب الله من قبل، لكن الضربة الأخيرة تدفع بمنطقة الشرق الأوسط إلى تصعيد إقليمي كبير.

ربما يعجبك أيضا