لماذا ترفض إيران «مهادنة الغرب» رغم الاختلالات مع روسيا والصين؟

أحمد ليثي

على الرغم من وجود اختلالات في التوازن بين إيران وروسيا والصين، فإنه يبدو أن سياسة "التطلع إلى الشرق"، التي تنتهجها طهران، تستمر وتزدهر.


تأثرت سياسة إيران الخارجية، إلى حد كبير، بالمرشد الأعلى الراحل، الخامنئي ومساعديه المقربين، بغض النظر عمن يقود الحكومة.

وبجسب تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست“، يوم السبت 22 أكتوبر 2022، تعدّ الاستراتيجية الكبرى لإيران هي عدم مهادنة الغرب، ورغم أن بعض الحكومات تسامحت معه بعد الثورة الإسلامية.

التطلع إلى الشرق

بحسب جواد حيرانيا، كاتب التحليل، تعتزم إيران تشكيل كتلة ضد أمريكا بقيادة الرئيس الحالي، إبراهيم رئيسي، عبر الاتجاه نحو الشرق، من خلال تعميق العلاقات مع روسيا والصين وأمريكا اللاتينية، ولكن سياسة التطلع إلى الشرق كانت سارية بعد الثورة الإيرانية في 1979، خاصة في عهد محمود أحمدي نجاد.

وتعدّ هذه النظرة الشرقية جوهر شخصية إيران الثورية، وفق التحليل، وبالتالي مثّلت أساسًا لسياستها الخارجية، وعلى الرغم من أن شعار الثورة كان “لا شرق ولا غرب”، شُكلت الحكومة الثورية في معارضة صريحة مع الغرب، في حين لم تثر صراعًا جوهريًّا مع الشرق.

تعزيز الهوية الثورية

أشار التحليل إلى أن سياسة “التطلع إلى الشرق” عززت هوية إيران الثورية، التي عارضت قيم ومعايير ومؤسسات النظام العالمي الليبرالي، ومنذ ذلك الحين، حاولت الجمهورية الإسلامية تحقيق نوع من التعاون الاستراتيجي مع روسيا والصين، من أجل دفع سياسة خارجية تصادمية مع الغرب، خاصة أمريكا.

وسعت حكومة رئيسي إلى توسيع علاقاتها مع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وآسيا والمحيط الهادئ، مع التركيز على الصين وروسيا، من خلال عضويتها الدائمة في منظمة شنجهاي للتعاون، وكذلك فإن الوصول إلى اتفاقية دائمة مع روسيا والعضوية الدائمة في الاتحاد الاقتصادي يتصدران جدول أعمال الرئيس الإيراني.

نظرة إلى الغرب

شدد التحليل على أن سياسة التطلع إلى الشرق متجذرة بعمق في القاعدة الاجتماعية والأيديولوجية لمؤيدي النظام الإيراني، ولكنه يشير في الوقت نفسه، إلى وجود أجنحة أخرى تدعم “التطلع إلى الغرب”، وسياسة خارجية متوازنة للبلاد، غير أن هذه الأجنحة كانت غائبة في الانتخابات الأخيرة، التي أفضت إلى فوز رئيسي.

ومن المرجح أن يقوض نهج السياسة الخارجية الموجه نحو الشرق، الذي يتبعه رئيسي، موقف الأجنحة الموجودة في هيكل القوة الإيراني، التي تدعو بانتظام إلى أهمية التقارب مع الغرب، ما يعزز موقف المحافظين في النظام السياسي الإيراني، ومؤيديهم على مستوى المجتمع.

انفصال أوسع عن الغرب

يجادل المحلل جواد حيرانيا بأن الإزالة التدريجية للإصلاحيين من هيكل السلطة في إيران، وتآكل الطبقة الوسطى، والسيطرة المتزايدة للحرس الثوري على مختلف مقابض السلطة، أدت في النهاية إلى انفصال أوسع عن الغرب.

ويشير إلى أن هذه السياسة لها تداعيات سلبية على السياسة الخارجية الإيرانية ومصالح الأمن القومي، وستؤدي إلى زعزعة الأسس السياسية الإيرانية على المدى الطويل، في حين يرى أن الحفاظ على التوازن بين المعسكرين يخفّف من التبعية غير المتوازنة لأي من المعسكرين.

روسيا وإيران

في حين أصبحت إيران أكثر اعتمادًا استراتيجيًّا على روسيا والصين، لا تزال الدولتان تحتفظان بحرية التصرف على النحو الذي تريانه مناسبًا. وعادة ما تقف روسيا إلى جانب إيران، عندما يتصاعد الضغط الغربي، حتى لا تتنازل طهران للغرب بدافع اليأس.

وعند انخفاض التوترات بين إيران والغرب، تميل روسيا إلى البقاء على مقربة من خصوم إيران الإقليميين، حتى لا يؤدي خفض التصعيد إلى النمو غير المنضبط لقوة إيران ونفوذها، بحسب ما جاء في تحليل “ناشيونال إنترست”.

الصين وإيران

بحسب التحليل، لن تضحي الصين بعلاقاتها مع أمريكا ودول الخليج العربي، لتحسين علاقاتها مع إيران، مدللًا على ذلك بتصويت الصين وروسيا، لصالح قرارات مجلس الأمن الدولي ضد برنامج إيران النووي قبل توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015 (الاتفاق النووي).

ومن جهة أخرى، فإن التركيز على التنمية الاقتصادية وتوسيع العلاقات التجارية مهم بالنسبة لبكين، ولكن القادة الصينيين ليسوا على استعداد لوضع أنفسهم في مواقف جيوسياسية خطيرة بسبب إيران، وبالتالي، رأى الكاتب أن انخراط روسيا والصين مع إيران محدود.

سياسات غير متوازنة

على الرغم من وجود اختلالات في التوازن بين إيران وروسيا والصين، يبدو أن سياسة “التطلع إلى الشرق”، التي تنتهجها طهران، والقائمة على الاصطفاف الأيديولوجي والمصالح الاقتصادية والنفع السياسي، من المرجح أن تستمر وتزدهر، في حين أن اعتماد إيران على روسيا والصين قد يعيق قدرتها على المناورة في سياستها الخارجية.

وتتجذر سياسة “التطلع إلى الشرق” في فهم إيران للنظام الدولي، فوفقًا للبيئة النفسية للمؤسسة الإيرانية في مواجهة البيئة العملياتية الدولية، لم تعد الولايات المتحدة القوة المهيمنة، بل ترى إيران دولة مثل الصين، هي أقطاب المستقبل للنظام الدولي.

أفول أمريكا

ترى إيران أن تركيز إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على احتواء الصين مؤشر على تنامي قوة الأخيرة وقدرتها على إجبار الولايات المتحدة على إعادة توجيه نفسها خارج منطقة الشرق الأوسط، وكذلك تعتقد المؤسسة الإيرانية بتراجع النظام الليبرالي وسط صعود الشعبوية والتيارات اليمينية المتطرفة في الديمقراطيات الغربية.

ومن جهة أخرى، تعكس الاتجاهات الحالية في هياكل السياسة الداخلية والخارجية لإيران تفضيلات المحافظين الراديكاليين، فهم يرون أن السياسة الخارجية الإيرانية ترتبط بالشرعية الداخلية، والقضاء على الخصوم الإصلاحيين، وبالتالي مع استمرار هيمنتهم، لا يمكن للمرء أن يتوقع تحسنًا في علاقات إيران مع الدول الغربية.

ربما يعجبك أيضا