ما أسباب العداء الأمريكي الإيراني؟ كتاب يكشف سر البغض

رنا أسامة

يغوص كتاب جديد في أصول العداء بين الولايات المتحدة وإيران، طارحًا أفكار حول كيفية العمل نحو تطبيع العلاقات.


قال الباحث دانيال لاريسون، في مقال بمجلة ريسبنسبل ستيت كرافت الأمريكية، إن العلاقات الأمريكية الإيرانية كانت مضطربة وشابها انعدام الثقة والعنف لأكثر من 40 عامًا.

وأضاف في مقاله المنشور بتاريخ 2 مايو 2022: “كافحت أمريكا وإيران من أجل التعاون حتى عندما أقرّت حكومتاهما بوجود مصالح مشتركة”، موضحًا أن “وضع سياسة أفضل وبنّاءة أكثر تجاه إيران يُعد أمرًا مهمًّا، لإحداث تغييرات مطلوبة تتعلق بالدور الأمريكي في الشرق الأوسط”.

قراءة “مدروسة وجذابة”

الخطوة الأولى في صياغة سياسة أمريكية أكثر ذكاءً تجاه إيران، تتمثل في فهم سبب توتر العلاقات بينهما طويلًا. واستشهد دانيال بكتاب يغوص في العلاقات الأمريكية الإيرانية، والروايات الوطنية التي قادت إلى فرض ضائعة واشتباكات كان ممكنًا تلافيها، ألّفه حسين باناي ومالكولم بيرن وجون تيرمان، بعنوان “جمهوريات الأسطورة: الروايات الوطنية والصراع الأمريكي الإيراني“.

ووصف الدراسة بأنها “مدروسة جيدًا ومكتوبة بجاذبية، تمثل قراءة أساسية لأي شخص مهتم بالسياستين الإيرانية والأمريكية بالشرق الأوسط على نطاق أوسع”. بيد أنه نوّه بأنه قد لا يكون مناسبًا محاولة الفهم الأعمق لأسباب الصراع الأمريكي الإيراني حاليًّا، نظرًا إلى تعثّر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.

جمهوريات الأسطورة.. حساب متوازن ودقيق للعلاقات الأمريكية الإيرانية

بحسب دانيال، يسرد مؤلفو الكتاب تاريخ العلاقات منذ ثورة 1979 حتى الآن، مع فصل مخصص لكل تطور رئيس، مضيفًا أن جمهوريات الأسطورة “يمثل حسابًا متوازنًا ودقيقًا لكيفية انخراط البلدين في فصول سوء التفاهم والاتهامات والصراعات، التي حددت ملامح العلاقة”. ويسعى إلى إبراز تأثير الروايات الوطنية لكليهما على خيارات صانعي السياسة، ودورها في إضاعة الفرص لتحقيق أي اختراق دبلوماسي.

ومع أن الروايات الوطنية التي يُشير إليها الكتاب لها أساس في الواقع، فإنها قد تضلل أيضًا صانعي السياسة الذين يتبنونها. على سبيل المثال، ترى الولايات المتحدة أن استعراضها للقوة ينطلق من منظور السرد الحدودي القديم المُبرر ذاتيًا، لكن إيران تنظر إلى ذلك على أنه دليل على أن الولايات المتحدة أحدث القوى الأجنبية التي تسعى إلى الهيمنة عليها.

الولايات المتحدة وإيران.. تصوّرات عالقة

الولايات المتحدة وإيران

في روايتين متناقضتين، ترى طهران التي تعتمد على تقاليدها الوطنية والدينية أنها تتحدى الظالمين الخارجيين، وتقول فيه واشنطن إنها تمثل تهديدًا إرهابيًّا. تتفاعل الروايتان وتتغذيان على بعضهم بعضًا، ومع تجدد الخلاف بين الجانبين، تتعزز الافتراضات المبني عليها الروايتان. وفق ما أورده دانيال، فأمريكا عالقة في تصورّها بأن إيران مصدر تهديد وغير جديرة بالثقة، وطهران لا تزال تتصور أن واشنطن تسعى إلى إسقاطها.

وذكر الكتاب، بحسب دانيال، أن التصورات العالقة نسجتها الروايات الوطنية في كلٍّ من واشنطن وطهران، مُحددة طريقة فهم القادة الأمريكيين والإيرانيين لهدفهم في العالم، ونظرتهم إلى البلد الآخر. وأضاف: “ليس من الضروري دائمًا أن تسود السرديات الوطنية المعارضة عندما يكون لدى دولتين أسباب قوية للتعاون، لكنها تحد من مدى وطبيعة هذا التعاون”.

دبلوماسية بنّاءة

أشار الكتاب إلى الطبيعة الفنية للمفاوضات النووية، التي قادت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، مثالًا على إمكانية مشاركة الولايات المتحدة وإيران في دبلوماسية بنّاءة، طالما أنها لا تنطوي على قضايا جوهرية متعلقة بكيفية فهم كل جانب للآخر. وقال المؤلفون: “كانت خطة العمل الشاملة المشتركة اتفاقية فنية محدودة من جميع النواحي، وإن كانت مهمة بالتأكيد، لكنها لم تُغيّر المواقف الأمريكية تجاه إيران”.

وأضافوا: “رأينا على مدى الـ5 سنوات الماضية، أن تلك المواقف هي التي عرّضت خطة العمل المشتركة الشاملة بشأن الاتفاق النووي الإيران إلى الخطر، وقد ينتهي بها الأمر إلى تدميرها”. ذلك أن الملف النووي الإيراني هو أبرز القضايا الشائكة بين طهران والولايات المتحدة الأمريكية.

العقبة الرئيسة

العداء الأمريكي الإيراني

وفق دانيال، فقد بيّن الكتاب أن عدم فهم كل دولة للأخرى هو إحدى العقبات الرئيسة أمام تحسين العلاقات الأمريكية الإيرانية، مُشيرًا إلى أن الشيء الذي أخفقت الولايات المتحدة مرارًا في فهمه هو رغبة إيران في “التعامل بكرامة واحترام”، الأمر الذي أصرّ عليه مسؤولون إيرانيون مرات عديدة، لكن تجاهلته واشنطن في معظم الأوقات.

ورأى أن الإصلاح ليس حلًّا سحريًّا لجميع المشكلات في العلاقات بين البلدين. لكن بالنظر إلى سجل المشاركة الأمريكية الإيرانية، “يبدو لافتًا للنظر لإمكانية إحراز تقدم دبلوماسي عندما تكون الولايات المتحدة مستعدة لإظهار الحد الأدنى من الاحترام للمخاوف والمصالح الإيرانية، وقد تنهار المحادثات المثمرة سريعًا إذا أرسلت واشنطن إشارات ازدراء بدلًا من ذلك”.

الهوس الأمريكي بإيران و”الفخ السردي”

في الوقت نفسه، شرح الكتاب، تفصيلًا، كيف أضحت الولايات المتحدة مهوَّسة بإيران، على نحو لا يتناسب مع التهديد الذي تمثله الحكومة الإيرانية على أمريكا. وفي حين بلغ هذا الهوس ذروته خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب، أوضح مؤلفو الكتاب أن “هوس ترامب لا يتعدى كونه مجرد نسخة مكثفة من وجهة النظر الأمريكية طويلة الأمد”.

وذكر أن هذا الهوس يخلق ما يسميه الكتاب “فخًّا سرديًّا”، يُخرّب مرارًا وتكرارًا الفرص الواعدة للتفاهم الدبلوماسي، مُشيرًا إلى أن “حقيقة أن المفاوضات الناجحة بشأن الاتفاق النووي تبعها، على الفور تقريبًا، رفض أمريكي للاتفاقية وتكثيف لحرب اقتصادية، تمثل شهادة على مدى عمق نمط العداء وانعدام الثقة بين البلدين، ودليل واضح على عجز إدارة بايدن عن الهرب من نفس الفخ”.

علاقات دبلوماسية طبيعية.. بداية تصحيح الفشل

أوصى الكتاب بالعمل على إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية بين واشنطن وطهران، منعًا لتكرار ضياع الفرص وسوء التفاهم مُستقبلًا. ونظرًا لأن الافتقار الأساسي إلى المعرفة لدى الحكومة الأمريكية بشأن إيران وشعبها تكرر في تاريخ علاقات الجانبين، فإن الحرص على وجود دبلوماسي منتظم من شأنه أن يُعوّض هذا النقص.

وأدى رفض واشنطن استعادة العلاقات الطبيعية مع طهران إلى إبقاء الولايات المتحدة في حالة عدم يقين، وغضّ بصرها عن المجالات المحتملة ذات الاهتمام المشترك مع إيران. واختتم دانيال قائلًا: “ليس مُفاجئًا أن تكون سياستنا تجاه إيران في فوضى عندما يكون لدى صانعي السياسة صورة محدودة ومشوهة عن البلاد، وستكون العلاقات الطبيعية طريقة جيدة للبدء في تصحيح هذا الفشل”.

ربما يعجبك أيضا