ليست مجرد سلاح.. كيف تحولت «الطائرات المسيرة» إلى أداة دبلوماسية؟

رنا أسامة

دبلوماسية الطائرات المسيرة آخذة في الصعود لأنها تلبي الطلب المتزايد، وسط قناعة دولية بأن الطموحات الدفاعية والسياسات الخارجية للدول، مرهونة بامتلاك أسلحة يمكن التحكم فيها عن بعد.


أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية تحول الطائرات المسيرة إلى أداة دبلوماسية، تتحكم عن بعد في مسار الأحداث بساحة المعركة.

ويأتي ذلك بعدما أضحت مسيرات إيرانية تخترق سماء العاصمة الأوكرانية كييف بصفة روتينية، توازيًا مع أخرى تركية وأمريكية الصنع، بما يسهم في استهداف القوات الروسية بسهولة. وينم كل هذا عن حقبة جديدة لتجارة الأسلحة.

الطائرات المسيرة أداة دبلوماسية

في تقرير أعده إريك لين جرينبيرج، أستاذ العلوم السياسية المساعد بمعهد ماساتشوستس الأمريكي للتكنولوجيا، قالت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية إن دولًا عززت نفوذها على الساحة العالمية بفضل صادرات الطائرات المسيرة.

وأضافت المجلة في تقريرها المنشور يوم 20 ديسمبر 2022، أن صعود الطائرات المسيرة يأتي في إطار اتجاه راسخ ممثل في تعامل الحكومات مع صادرات الأسلحة على اعتبارها “أداة دبلوماسية”.

حقبة تجارة أسلحة جديدة

حسب التقرير، لا تساعد مبيعات الأسلحة فقط على ملء خزائن الدول وتغطية تكاليف البحث والتطوير، لكنها تسهم أيضًا في تطوير أجندات سياساتها الخارجية، فيمكن لدول أن تبيع أو تتبرع بتلك الأسلحة إلى شركاء أجنداتهم مشابهة، نظير انتزاع تنازلات، أو مواجهة خصوم، أو تعزيز علاقات عسكرية.

ونوه التقرير بأن حقبة تجارة أسلحة جديدة بدأت في الظهور، في وقت يزيح فيه مصدرون جدد، مثل إيران وتركيا، موردي الأسلحة التقليديين، بالاعتماد على صادرات الطائرات المسيرة لتوسيع نفوذهم خارجيًّا.

نموذج من الطائرت المسيرة

نموذج من الطائرت المسيرة

صعود الطائرات المسيرة

في حين أن صادرات الطائرات المسيرة تهدد نفوذ واشنطن وأمن شركائها، أوصى التقرير صانعي السياسة الأمريكية بمساعدة حلفاء الولايات المتحدة على إعداد برامج لتلك الطائرات، وكذلك تطوير آليات لمواجهة تهديد المسيرات المنافسة.

وأوضح التقرير أن دبلوماسية الطائرات المسيرة آخذة في الصعود لأنها تلبي الطلب المتزايد، وسط قناعة دولية بأن الطموحات الدفاعية والسياسات الخارجية للدول، مرهونة بامتلاك أسلحة يمكن التحكم فيها عن بعد.

تغيير طابع الصراع الحديث

وفق التقرير، غيرت الطائرات المسيرة طابع الصراع الحديث، في وقت مكنت فيه دولًا من إظهار القوة في ساحة المعركة، أو جمع معلومات استخباراتية حساسة، بأقل مخاطر ممكنة، واستشهد التقرير في ذلك الصدد باستخدام روسيا لطائرات مسيرة بدلًا من الهجومية المأهولة لضرب أهداف أوكرانية مؤمّنة جيدًا.

وفي الوقت ذاته، توفر الطائرات المسيرة دعمًا جويًّا ورؤية شاملة للقوات البرية، التي غالبًا ما تقلب موازين المعارك، فضلًا عن أنها أرخص وأسهل تشغيلًا وصيانة من الصواريخ والطائرات المأهولة، بما يسهل من دمجها في العمليات العسكرية.

تجارة مسيرات

لفت التقرير إلى أن مصدري الأسلحة التقليديين، مثل الولايات المتحدة، أحكموا سيطرتهم في البداية على إنتاج الطائرات المسيرة، بطرزات شملت “إم كيو- 9 ريبر”، لكن قيودًا تصديرية، تشمل اتفاقية نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ، قلصت بشدة بيع المسيرات الأمريكية، حتى إلى أقرب حلفاء واشنطن.

وأمام ذلك، سارعت شركات من دول غير موقعة على الاتفاقية، كالصين وإسرائيل، لسد ذلك العجز والانخراط في تجارة مسيرات غير منظمة. وكذلك عززت دول لم تكن تصدر طائرات مسيرة في العادة، من برامج إنتاجها، مثل إيران التي باعت مسيراتها إلى دول، وأتاحتها لوكلائها مثل “حزب الله” اللبناني والحوثيين باليمن.

مسيرة تركية

الطائرة المسيرة التركية “بيرقدار- تي بي 2”

تعزيز القوة الدبلوماسية

الطائرات المسيرة التركية، التي طورتها أنقرة لتقليل الاعتماد على موردي أسلحة أجانب، سرعان ما شاع استخدامها تحت اسم “بيرقدار- تي بي 2″، التي نشرتها تركيا للمرة الأولى ضد الأكراد في العراق وسوريا، قبل بيعها إلى قرابة 20 دولة في أنحاء إفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط.

ومع تزايد الطلب على الطائرات المسيرة، يكون من شأن تصديرها أن يعزز القوة الدبلوماسية للدول الموردة بـ3 طرائق، وصفها التقرير بأنها مهمة ومتشابكة في أحيان كثيرة، أولاها تعميق العلاقات مع الحكومات العميلة. ويلازم صادرات الطائرات المسيرة تدريب طويل الأمد، ودعم لوجستي، واتفاقات صيانة.

بوابة تصدير

الاتصالات بين موردي الطائرات المسيرة ومستورديها تفتح آفاقًا جديدة، تؤثر في عملية صنع السياسات في الدول الموردة. وفي هذا الشأن، أشار التقرير إلى أن صادرات إيران من الطائرات المسيرة “عمقت نفوذها الاستراتيجي” دوليًّا.

وتعزز الدول الموردة للطائرات المسيرة نفوذها بفتح مصانع في الخارج، مثل إيران التي دشنت خطي إنتاج مسيرات في طاجيكستان وفنزويلا، وتركيا التي تخطط لبناء مصنع لمسيرات “بيرقدار- تي بي 2” بأوكرانيا. ومن ثم، وصف التقرير المسيرات بأنها بوابة لتصدير أسلحة على نطاق أوسع مستقبلًا.

تحدي الخصوم

الطريقة الثانية لتعزيز القوة الدبلوماسية تتمثل، وفق التقرير، في تمكين الدول الموردة للطائرات المسيرة من تحدي خصومها الإقليميين.

فعلى سبيل المثال، أشار التقرير إلى أن تزويد أذربيجان بمسيرات تركية في حرب ناجورنو كاراباخ عام 2020 مكنها من إذلال خصم تركيا القديم، بهزيمة أرمينيا وإجبارها على التنازل عن الأراضي المتنازع عليها. وبالمثل، سلحت إيران وكلاءها بطائرات مسيرة لمهاجمة أهداف في دول خليجية، بجانب إسرائيل واليمن.

حروب بالوكالة

نبه التقرير أيضًا إلى أن صادرات الطائرات المسيرة قد تؤجج حروبًا بالوكالة. ففي الحرب الروسية الأوكرانية، زودت إيران روسيا بمسيرات إيرانية، في إشارة إلى دعمها مهاجمة أوكرانيا التي تدعمها الولايات المتحدة، وهو ما ينطوي على مخاطر سياسية وعسكرية في حال نشب صراع مستقبلًا بين واشنطن وطهران.

وتسببت صادرات الطائرات المسيرة الإيرانية في فرض عقوبات جديدة على موسكو، وحفزت الولايات المتحدة وحلفاءها على تطوير إجراءات مضادة. ومع ذلك، ترى إيران أن تعميق علاقتها مع روسيا يفوق العواقب المحتملة، حسب التقرير.

مسيرات إيرانية

طائرات مسيرة إيرانية

انتزاع امتيازات

أخيرًا، أسهمت صادرات الطائرات المسيرة في انتزاع امتيازات من الدول المستوردة. ففي ديسمبر 2022، قال مسؤولون حكوميون أمريكيون إن روسيا تزود إيران، على نحو غير مسبوق، بمعدات عسكرية متطورة، من المحتمل أنها تضم الجيل الخامس من مقاتلات “سوخوي اس يو-35″، وذلك نظير بيعها مسيرات إيرانية.

ومن هذا المنطلق، تهدد دبلوماسية الطائرات المسيرة الاستقرار الإقليمي. فموردون مثل إيران يسلحون، روتينيًّا، دولًا كالسودان وسوريا وفنزويلا، بما قد يفضي إلى إعادة إشعال صراعات مجمدة، وارتكاب انتهاكات حقوقية، وتقويض جهود حل النزاعات بقيادة دولية.

«لم تعد مجرد سلاح»

فيما تبرز الحرب الروسية الأوكرانية دور الطائرات المسيرة في الأمن الدولي، يوصى التقرير الولايات المتحدة وحلفاءها بالوقوف أمام صادرات الطائرات المسيرات إلى دول مارقة، مثل إيران، عبر توقيع عقوبات وضوابط على عملية التصدير.

ومن الضروري، حسب التقرير، تزويد حلفاء الولايت المتحدة بطائرات مسيرة أمريكية إضافية، وأنظمة مضادة للطائرات، لمساعدتهم على بناء برامج مسيرات خاصة بهم، خاصة وأن “الطائرات المسيرة لم تعد مجرد سلاح في ساحة المعركة، بل أضحت أداة دبلوماسية أيضًا”.

ربما يعجبك أيضا