مؤتمر ميونخ للأمن 2023 والنظام الدولي الجديد.. أبرز ملفات الدورة 59

رؤية

انطلقت، اليوم الجمعة 17 فبراير 2022، أولى جلسات مؤتمر ميونخ الدولي للأمن في ألمانيا، في دورته 59، التي تتزامن مع مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية.

وتجمع نسخة هذا العام أكثر من 450 من صناع القرار رفيعي المستوى وقادة الرأي البارزين من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم رؤساء الدول والوزراء وقادة المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وكذلك قادة من قطاع الأعمال والإعلام والبحوث والمجتمع المدني.

الشراكة عبر المحيط الأطلسي

يسلط مؤتمر ميونخ الضوء على أوروبا، تحت عنوان الأمن الإقليمي، ويركز جدول الأعمال على الشراكة عبر المحيط الأطلسي، وغالبًا ما ينظر إليه على أنه منصة مهمة لإظهار التضامن الغربي، لذلك يطلق عليه أيضًا “اجتماع الأسرة عبر الأطلسي”.

ومن السمات الخاصة للمؤتمر هذا العام، أنه ينعقد مباشرة قبل الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، علمًا بأن دورة العام الماضي انتهت قبل انطلاق أول رصاصة في الحرب.

ولم يعتقد معظم الأوروبيين أن الصراعات العسكرية ستعود إلى أوروبا. أما الآن، فهم يرون أن العالم تغير كثيرًا خلال عام، حسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

النسخة الـ59 من مؤتمر ميونخ للأمن 2023

النسخة الـ59 من مؤتمر ميونخ للأمن 2023

أبرز الملفات والقضايا المطروحة للنقاش

سيكون رأب “خطوط الصدع العالمية” محور المناقشات خلال مؤتمر ميونيخ للأمن لهذا العام. ومن وجهة نظر رئيس المؤتمر كريستوف هيوسجن، وهو مستشار السياسة الخارجية السابق لأنجيلا ميركل وسفير ألمانيا السابق لدى الأمم المتحدة) أن التهديد الذي يواجه أوروبا مباشرة هو سبب لمضاعفة الحوار.

ويستكشف تقرير ميونيخ للأمن لعام 2023 المنافسة المتزايدة بين الرؤى المختلفة للنظام الدولي. ويحفز النقاش بشأن كيفية توسيع وتعزيز الائتلاف الذي يدافع عن رؤية النظام الليبرالي القائم على القواعد الرأسمالية.

وتركز نسخة هذا العام على مختلف المجالات التي تدور فيها المنافسة على النظام الدولي المستقبلي حاليًّا، مثل حقوق الإنسان، وحوكمة البنى التحتية العالمية، والتنمية، وأمن الطاقة، والاستقرار النووي. وتشكل الرهانات الرئيسة في مؤتمر ميونيخ حول الأمن على الآتي:

أولًا- ملف حقوق الانسان

يجد منظمو المؤتمر أن عالمية حقوق الإنسان أصبحت موضع نزاع، فمن جهة تجادل الصين بأن احتياجات التنمية في أي بلد قد تضفي الشرعية على القيود المفروضة على الحقوق المدنية والسياسية، في حين أن روسيا تسلط الضوء على أن القيم التقليدية قد تبرر إنكار حقوق الأقليات.

ومن جهة أخرى، ازداد الضغط على الحقوق المدنية والسياسية بقدر كبير في المجتمعات الديمقراطية نفسها.

مؤتمر ميونخ للأمن 2023

مؤتمر ميونخ للأمن 2023

ثانيًا- ملف أزمة أوكرانيا

قال مدير الحدث كريستوف هوسجن اليوم الجمعة، خلال مؤتمر صحفي، إن المؤتمر يواجه بعد سنة على ارتكاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “انتهاكا للحضارة” سؤالًا لمعرفة “كيف يمكن احترام نظام عالمي مبني على قواعد” محددة.

وتساءل هوسجن: “في المستقبل هل سيتوافر نظام تسيطر عليه قوة القانون أو نظام تسوده شريعة الغاب؟” وأضاف أن مسألة “طريقة التعامل مع أفراد وقادة سياسيين لا يحترمون دولة القانون” ستكون مطروحة أيضًا.

ثالثًا- ملف البنى التحتية العالمية

من منطلق أن البنية التحتية للتجارة العالمية القائمة على قواعد منظمة التجارة العالمية وقوى السوق والاعتماد المتبادل آخذة في التآكل بنحو متزايد مع لجوء الصين والولايات المتحدة والهند، وحتى المدافع القوي عنها، الاتحاد الأوروبي، إلى الحمائية وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي.

رابعًا – ملف النظام الدولي الجديد

يجد المراقبون الغربيون أن رغبة الصين وروسيا في إعادة كتابة النظام الدولي، رفعت الاستخدام الاستراتيجي للتعاون الإنمائي إلى مستوى آخر، لتأمين الفرص الاقتصادية، وتشكيل التحالفات السياسية، وتشكيل قواعد التنمية.

وأصبحت الصحة والأمن الغذائي وكذلك تمويل المناخ مجالات سياسية رئيسة، وتتحدى الصين النهج الأمريكي والأوروبي في التعامل مع التعاون الإنمائي مع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، في حين أن الولايات المتحدة ودول أوروبا تشعر بالقلق من توسيع روسيا نفوذها في مناطق أخرى من العالم، وخاصة القارة الإفريقية، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم الاستقرار في سياقات هشة بالفعل.

وبينما تحاول القوى المتنافسة تعزيز علاقاتها التجارية والاستراتيجية مع دول “الجنوب العالمي”، يوجد خطر من أن تنجر تلك البلدان مرة أخرى إلى منافسة القوى العظمى. ولكن هذا يفتح أيضًا فرصًا أمام بلدان “الجنوب العالمي” للضغط من أجل نظام عالمي أكثر إنصافًا.

خامسًا- ملف أمن الطاقة

تراجعت التصورات عن روسيا كشريك موثوق به في مجال الطاقة. وسوف تنقطع علاقات الطاقة بين روسيا وأوروبا بنحو دائم، والنتيجة هي تعديل كبير لتدفقات تجارة الطاقة الدولية، وهو ما يعكس على نحو متزايد خطوط الصدع الجيوسياسية بدلًا من منطق السوق. ومن جهة أخرى، سيزيد الاعتماد على الطاقة الخضراء.

سادسًا- ملف النظام النووي

يواجه النظام النووي القائم تحديات مختلفة، منها سياسة حافة الهاوية النووية التي تنتهجها روسيا وكوريا الشمالية، والتوسع النووي الصيني، ومخاطر الانتشار الأفقي المختلفة.

ولأن الضمانات التي توفرها معاهدات تحديد الأسلحة آخذة في التآكل باطراد، يحتاج النظام النووي إلى مراجعة لكي يحظى مرة أخرى بالدعم الواسع بين المجتمع الدولي، لضمان الاستقرار النووي والحد من التسلح.

إعادة التركيز على الأمن الأوروبي

تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في إعادة تركيز مؤتمر ميونخ على النظام الأمني في أوروبا، الذي يحتاج الآن إلى مراجعته بالكامل. وسوف يتطلب هذا كتابة قواعد جديدة وإصلاح المؤسسات، ولكن أيضا إعادة التفكير في أداة الدفاع الأوروبية بالكامل في ضوء التهديدات الجديدة.

ويعرف هذا في ألمانيا باسم Zeitenwende (نقطة التحول) ، أو التحول النموذجي التاريخي لسياسة الدفاع الألمانية في اتجاه عسكرة أكثر حزمًا.

أكبر وفد من الكونجرس الأمريكي

يحضر قادة أكثر من 40 دولة وأكثر من 90 مسؤولًا وزاريًّا مؤتمر ميونخ هذا العام. وعلى الرغم من وجود الكثير من القادة من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، تنتمي الغالبية العظمى من المشاركين إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

ومؤتمر هذا العام يضم أكبر وفد من الكونجرس الأمريكي في تاريخه، يتكون من 50 عضوًا برئاسة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

ومن القادة الذين سيحضرون القمة المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إلى جانب وزير الخارجية الصيني وانج يي، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرج، بالإضافة إلى وفد الاتحاد الأوربي بقيادة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وممثل الاتحاد للشؤون الخارجية جوزيب بوريل.

حماية حقوق الإنسان

تشارك الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أجنيس كالامارد، مؤتمر ميونيخ، لتطالب الوزراء ورؤساء الدول والقادة العسكريين بوضع حماية حقوق الإنسان في صميم نهجهم تجاه الأمن.

وقالت كالامارد: “على القادة الذين يحضرون عطلة نهاية الأسبوع هذه، أن ينظروا إلى ما هو أبعد من ساحات المعارك والنزاعات والحروب التجارية”، مشيرة إلى تجدد سباق التسلح الذي “يخلق المزيد من طرائق القتل” وانتهاكات حقوق الإنسان بحجة الأمن، وأزمة المناخ التي تؤجج النار، معلقة: “نظامنا الدولي على شفا الانهيار”.

غياب تركيا وروسيا

من الشرق الأوسط، سيحضر رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، والرئيس اليمني رشاد العليمي، والعديد من وزراء الخارجية العرب. أما تركيا، التي لا تزال تمسك بعضوية السويد وفنلندا في الناتو، فلن تكون ممثلة في الوقت الذي تتعامل فيه الحكومة مع سقوط الزلزال المأساوي.

وبعد عام مما أسماه “قطيعة” الغرب مع موسكو، جذب رئيس المؤتمر هويسجن الانتباه إلى اجتماع ميونيخ من خلال عدم دعوة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إلى مؤتمر الأمن. وتجدر الإشارة إلى غياب أي مسؤولين روس هذا العام، لعدم دعوتهم من الأساس، وقد اختاروا عدم الحضور في العام الماضي، لكن قائدي المعارضة الروسية جاري كاسباروف وميخائيل خودوركوفسكي سيحضران.

لا أحد يرغب في حضور إيران

بالمثل، مع تلاشي آمال التوصل إلى اتفاق نووي إيراني واستمرار الاحتجاجات في إيران، لم يتلق المسؤولون الإيرانيون دعوة إلى المؤتمر. وبدلاً من ذلك، سيحضر ممثلون للمعارضة، منهم رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران.

وقد انتقدت طهران مؤتمر ميونخ الأمني لعدم دعوته مسؤولين إيرانيين للمشاركة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني: “قرار المؤتمر ذو الدوافع السياسية، هو سوء تقدير ويضع معايير خاطئة”، مضيفًا أنه إذا كان الهدف من المؤتمر هو السلام العالمي والإقليمي، فإن هذه الانتقاءات ليست خاطئة فحسب، بل تنتهك أيضًا الحياد السياسي للمؤتمر”.

وبرر رئيس المؤتمر كريستوف هويسجن، خطوته بأنه لا أحد يرغب في حضور نظام “ينتهك حقوق الإنسان الأساسية جذريًّا، لكن بالطبع نريد أيضًا أن نمنح أعضاء المعارضة الإيرانية مساحة”، موضحًا أن المؤتمر الأمني لا يرى نفسه محايدًا، بل إنه منظمة “تؤيد السياسة القائمة على القواعد في هذه الآلية الدولية”.

مناقشات على هامش مؤتمر ميونخ

يخضع المؤتمر كله وجميع مكوناته لما يعرف بـ”قاعدة ميونخ”، التي تعني المشاركة والتفاعل بين جميع المشاركين، فالأمر لا يقتصر على إلقاء الكلمات أو التصريحات الصحفية، بل تقوم الفعاليات على أساس التفاعل، والمفاوضات الجانبية.

وأعلن البيت الأبيض أن كاميلا هاريس ستجتمع مع قادة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وستجتمع أيضًا مع رئيسي وزراء فنلندا والسويد لبحث عملية انضمام البلدين إلى الناتو، وستناقش العلاقات مع الصين في اجتماعات مع الزعماء الأجانب، وكذلك ستبحث الخطوات المقبلة في دعم أوكرانيا بساحة المعركة.

اجتماع بلينكن وكبير الدبلوماسيين الصينيين

رغم التركيز على أوكرانيا، سيستخدم المشاركون في المؤتمر وقتهم في ميونيخ لمعالجة التوترات الأخرى. وعلى رأس جدول الأعمال، اجتماع متوقع بين بلينكن وكبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي، وسط خلاف مستمر بشأن مزاعم واشنطن بأن الصين تستخدم مناطيد عالية الارتفاع للتجسس. وترفض الصين هذه المزاعم، لكن بلينكن ألغى زيارة لبكين بسبب النزاع.

ويأمل الوفد الأمريكي، إلى جانب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، إقناع المسؤولين الأتراك الحاضرين باستخدام حق النقض (الفيتو) الذي تستخدمه أنقرة ضد انضمام السويد إلى الحلف الدفاعي، وسط تلاشي آمال انضمامها بالتوازي مع فنلندا.

حلقة نقاش بمناسبة انطلاق مؤتمر ميونيخ

شارك نائب الأمين العام للناتو ميرسيا جيوانا، في 13 فبراير 2023، في حلقة نقاش بمناسبة انطلاق مؤتمر ميونيخ للأمن في برلين بألمانيا الآثار المترتبة على الأنظمة التي تحاول تخريب وإعادة تشكيل عناصر النظام الدولي.

وشهدت الحقة مشاركة نائبة رئيس وزراء أوكرانيا للتكامل الأوروبي، والأوروبي الأطلسي، ووزيرة الدولة الألمانية في وزارة الخارجية الألمانية توبياس ليندنر، ومديرة معهد الشؤون الدولية في روما ناتالي توتشي، وسفير ورئيس مؤتمر ميونيخ للأمن كريستوف هويسجن.

مقياس حرارة للمناقشات الأمنية الأوروبية

يهيمن على مؤتمر ميونخ للأمن الدولي وجود دول الناتو، بما في ذلك وفد أمريكي قوي (الرئيس بايدن في عام 2021، ونائب الرئيس هاريس في عام 2022)، ويعمل المؤتمر كمقياس حرارة للمناقشات الأمنية الأوروبية، ويساعد في تحديد الاتجاهات المستقبلية.

ويمكن وصف مؤتمر ميونخ بأنه منتدى ينقل فيه القادة من خارج الحلف الرسائل، كما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2007 عندما اتهم الولايات المتحدة للمرة الأولى علنًا، بدعم التوسع غير المعقول للناتو إلى الشرق.

وفي هذا السياق، سيستمر الدعم الألماني والفرنسي للمجهود الحربي الأوكراني في توليد تغطية إعلامية مكثفة. وفي خلاف واضح مع المستشار الألماني، يدعو رئيس المؤتمر إلى تسليم الطائرات المقاتلة لأوكرانيا، ويبدو أن البنتاجون يتقبل هذه الفكرة بعد إرساله 31 دبابة أبرامز إلى أوكرانيا في يناير 2023، لكن من غير المرجح إجابة أسئلة عن كيفية انتهاء الحرب وإلى متى يمكن للجانبين تحملها.

مجموعة جديدة من التوترات بين الشرق والغرب

وفر ميونخ هذا العام خلفية لمجموعة جديدة من التوترات بين الشرق والغرب، خاصة بين الولايات المتحدة والصين. ويأتي الاجتماع بعد أن أسقطت الطائرات الأمريكية منطاد تجسس صينيًّا مزعومًا في المجال الجوي لأمريكا الشمالية، في بداية فبراير 2022. ويأمل المنظمون أن تؤدي المحادثات المتوقع عقدها بين وزيري خارجية الصين وأمريكا على هامش المؤتمر، إلى إخماد بعض التوتر الناجم عن قضية المنطاد.

ويتميز مؤتمر هذا العام بحضور أمريكي أكثر من السنوات السابقة، وهو محاولة من الولايات المتحدة لتوحيد صفوف الناتو ضد روسيا. وتكمن أهمية مؤتمر ميونخ، في أنه “غير رسمي”، ما يحرر القادة من بروتكولات الدبلوماسية، ويعطيهم حرية ومرونة الحركة وعقد اجتماعات ثنائية، وتبادل الرأي والمشورة، ولا تنتج عنه عادة مخرجات أو قرارات، بقدر ما يقدم تنبيهات أو توصيات لحل مشكلات الأمن الدولي.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا