ماذا يجب أن تفعل الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني في إندونيسيا؟

آية سيد
إندونيسيا

ما يسبب الفجوة في علاقة واشنطن مع جاكرتا هو غياب الاستراتيجية الاقتصادية الحقيقية، التي تجعل الصين في صدارة السياسة الخارجية لإندونيسيا.


لطالما عُرفت إندونيسيا بالتزامها بمبدأ عدم الانحياز في السياسة الخارجية، منذ استضافتها لمؤتمر باندونج في جاوة الغربية عام 1955، ولكن هذا المبدأ انهار في منطقة “الهندوباسيفيك”.

وفضلت جاكرتا العلاقات مع واشنطن، بدلًا من الابتعاد عن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، على الرغم من أنها لا تملك الكثير من الخيارات، وفق مقال للمحلل الدفاعي البارز والأستاذ المساعد في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جنوب كاليفورنيا، ديريك جروسمان.

التمسك بعدم الانحياز

في مقاله المنشور على موقع مؤسسة “راند” الأمريكية، يوم الأربعاء 14 سبتمبر 2022، يرى جروسمان أن روح مؤتمر باندونج لا تزال حية حتى يومنا هذا في العاصمة الإندونيسية، التي تستضيف قادة العالم مجددًا في قمة مجموعة العشرين، في نوفمبر المقبل، وأعلنت أن الرئيسين، الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، مدعوان بغض النظر عن غرابة الأمر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة.

وفي يونيو الماضي، التقى الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، بنظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، في كييف، ثم التقى بوتين في موسكو، مشددًا على حياد جاكرتا. غير أن إندونيسيا لم تستطع الحفاظ على هذا الحياد في منطقة الهندوباسيفيك، لأنها فضلت العلاقات مع الولايات المتحدة على الصين، رغم أنها في الواقع لا تملك الكثير من الخيارات.

التعديات الصينية على إندونيسيا

وفق جروسمان، استخدمت بكين في السنوات الأخيرة خفر السواحل وميليشيا الصيد للتعدي على المنطقة الاقتصادية الخالصة لجاكرتا. ويذكر المحلل الدفاعي إحدى الحوادث التي وقعت عندما دخلت عشرات مراكب الصيد الصينية، بمرافقة خفر السواحل، المياه قبالة جزر ناتونا الإندونيسية في ديسمبر 2019. وتصاعدت المواجهة عندما أرسلت جاكرتا سفنًا حربية ومقاتلات إف-16 لحراسة المنطقة.

وفي أغسطس 2021، أرسلت بكين سفينة مسح إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا لمدة 7 أسابيع. ويقول جروسمان إن تكتيكات الاستفزازات الصغيرة التي تتبعها بكين مستمرة حتى اليوم، بحسب مسؤولي الأمن البحري الإندونيسيين، ولكن الحوادث الأخيرة لم تُعلن على نطاق واسع. ونتيجة للنزاع على منطقة جزر ناتونا، توقفت الحوارات الدبلوماسية والأمنية الثنائية بين البلدين.

علاقات اقتصادية قوية

على الرغم من الخلافات الدبلوماسية، تظل العلاقات الاقتصادية بين إندونيسيا والصين قوية، وفق جروسمان. وتبني الصين الآن أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في إندونيسيا، بقيمة 17 مليار دولار، في جزيرة بورنيو، ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وإضافة إلى هذا، من المحتمل أن يكتمل العام المقبل مشروع خط السكة الحديدية الذي يربط جاكرتا وباندونج، وهو مشروع البنية التحتية المميز لبكين في إندونيسيا. هذا إلى جانب وجود الكثير من مشروعات البنية التحتية الأخرى على الأجندة.

شراكة تجارية

يذكر جروسمان أن الصين تعدّ الشريك التجاري الأول لإندونيسيا، ومن المتوقع أن تنمو العلاقات التجارية أكثر بعد تصديق البرلمان الإندونيسي على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، الشهر الماضي. وفي خضم جائحة كوفيد-19، زودت الصين إندونيسيا باللقاحات ومعدات الوقاية الشخصية، وحصل الرئيس ويدودو على جرعة من اللقاح الصيني على الهواء مباشرةً.

ويقول جروسمان إن هذه الطبيعة التجارية للعلاقات بين إندونيسيا والصين كانت ظاهرة في زيارة ويدودو إلى بكين، يوليو الماضي، عندما التقى الرئيس الصيني، شي جين بينج. وركزت قمتهما المشتركة على المشروعات التجارية، في حين لم تركز كثيرًا على الرؤية والاستراتيجية المشتركة.

العلاقات بين إندونيسيا والولايات المتحدة

على عكس العلاقة مع الصين، فإن علاقة إندونيسيا بالولايات المتحدة متعددة الجوانب، حيث يتفق كلاهما على الحاجة إلى العمل معًا ضد بكين. ويذكر جروسمان أنه في الشهر الماضي، على سبيل المثال، شاركت جاكارتا وواشنطن في الدورة الـ16 لمناورات “جارودا شيلد” السنوية. وبصورة تقليدية، كانت هذه الفعالية ثنائية وتجمع الجيشين الأمريكي والإندونيسي. لكن هذا العام، توسعت لتضم 11 دولة ديمقراطية ذات تفكير متشابه وسنغافورة، وشملت تدريبات جوية وبحرية.

ويلفت جروسمان إلى أن واحدًا من التدريبات البحرية أقيم في جزر رياو، وهي مجموعة من الجزر تشمل جزر ناتونا، في إشارة ردع واضحة إلى الصين، مشيرًا إلى أن الصين لم تجري تدريبات عسكرية مماثلة مع إندونيسيا.

هندوباسيفيك حرة ومفتوحة

على الرغم من أن جاكرتا لا تصرح بهذا، يقول جروسمان إنها تشارك هدف واشنطن المتمثل في “مبادرة هندوباسيفيك حرة ومفتوحة لا تتساهل مع القسر”. وفي نوفمبر الماضي، بحث بايدن وويدودو الأمن البحري و”أهمية حرية البحار” على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ.

وبعدها بشهر، سافر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى جاكرتا لإلقاء خطاب رفيع المستوى بشأن استراتيجية إدارة بايدن لمنطقة الهندوباسيفيك. وردت وزيرة الخارجية الإندونيسية، ريتنو مارسودي، بأن “الالتزام الأمريكي لافت للنظر”، في إشارة قوية على نمو الثقة.

ماذا ينقص العلاقات الأمريكية الإندونيسية؟

يخلص جروسمان، من اجتماعات غير رسمية عقدها على مدار الشهر الماضي مع جماعات غير حكومية في إندونيسيا، إلى أن ما يسبب الفجوة في علاقة واشنطن مع جاكرتا هو غياب الاستراتيجية الاقتصادية الحقيقية، التي تجعل الصين في صدارة السياسة الخارجية لإندونيسيا.

ويقول جروسمان: “كون إندونيسيا دولة غير منحازة، لا ينبغي أن يتوقع أحد منها أن تؤيد علنًا العلاقات مع الولايات المتحدة على حساب الصين”، لافتًا إلى أنه تحت السطح، فإن واشنطن وبكين تفتقران للتكافؤ في نظر جاكرتا. فمن المنظور الجيواستراتيجي، تثمن إندونيسيا الولايات المتحدة لأنها تساعد في ردع الصين.

ويرى جروسمان أنه إذا استطاعت واشنطن تحديد نهجها الاقتصادي تجاه المنطقة، ربما تصبح قادرة على تقديم بديلًا عمليًّا للتعاون. وعلى الجانب الآخر، فإن علاقات إندونيسيا والصين تجارية بحتة، وبالتالي راكدة. ولكن يحذر جروسمان من التقليل من شأن النفوذ الصيني على إندونيسيا، لأنه يظل قويًا. وإذا لم يقل نفوذ بكين الاقتصادي، سيتعين على واشنطن التنافس بقوة لاستمالة جاكرتا.

ربما يعجبك أيضا