ماذا يعني «الغموض الاستراتيجي» الأمريكي تجاه تايوان؟

رنا أسامة

سياسة الغموض الاستراتيجي الأمريكية بشأن تايوان تواجه انتقادات من كلٍّ من واشنطن وتايبيه، وسط مخاوف من أنها مجرد التزام شكلي.


حينما سُئل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مؤتمر صحفي بالعاصمة اليابانية، طوكيو، في 23 مايو 2022، إذا كانت أمريكا ستتدخل عسكريًّا إذا غزت الصين تايوان، أجاب: “نعم، إنه التزام قطعناه على أنفسنا”.

وسرعان ما أقدم مسؤولون أمريكيون على توضيح أن الالتزام الذي قصده بايدن لا يُمثل خروجًا على الإطلاق عن سياسة أمريكا طويلة الأمد، بشأن تايوان، المعروفة باسم سياسة الغموض الاستراتيجي. فماذا تعني تلك السياسة بالضبط؟ وما أهمية الغموض؟

صيغة رياضية مُعقدة

قبل أيام قليلة من تصريحات بايدن، تحدّث مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، عن سياسة أمريكا بشأن تايوان، قائلًا إنها لم تتغيّر، وأظهرها كأنها صيغة رياضية معقدة، مستشهدًا بـ”سياسة الصين الواحدة”، و”البيانات المشتركة 3″ بين الصين وأمريكا، و”قانون العلاقات مع تايوان”، و”التأكيدات 6 المتعلقة بمبيعات الأسلحة التي قدّمتها واشنطن إلى تايبيه.

وقالت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية إن المشكلة في تلك السياسة أنها مليئة بتناقضات. وتشير “سياسة الصين الواحدة” و”البيانات المشتركة 3″ إلى الاتفاقيات المُبرمة بين واشنطن وبكين بين عامي 1972 و1982، التي أنهت القطيعة الطويلة بين البلدين. خلال زيارة الرئيس الراحل، ريتشارد نيكسون، إلى بكين عام 1972، أقرّ بحكومة تايبيه كحاكم شرعي للصين كاملة.

خيال مقبول

أقرّت واشنطن بأن كل حكومة تدّعي السيادة على الأراضي التي تسيطر عليها الأخرى، وكان يُنظر إلى ذلك الادّعاء على أنه خيال مقبول، واستمر حتى بعد 1 يناير 1979، عندما حوّلت أمريكا اعترافها الدبلوماسي للحكومة ببكين، بحسب المجلة. ولتحقيق ذلك، كان على أمريكا أن تلغي معاهدة الدفاع المشترك مع تايوان، الموقعة عام 1954. ومع ذلك لم تتخلّ الصين حينها عن حقها في استخدام القوة لـ”إعادة توحيد” تايوان.

وبدوره، صعد الكونجرس إلى الخرق، وأصدر في عام 1979 قانون العلاقات مع تايوان، الذي يُلزم أمريكا صراحة بالدفاع عن تايوان، لكنها وعدت بتزويد تايوان “بأسلحة ذات طابع دفاعي” و”النظر في أي جهد لتحديد مستقبل تايوان بطرق أخرى غير الوسائل السلمية، إذا تهدّد سلام وأمن منطقة غرب المحيط الهادئ على نحو مقلق للولايات المتحدة”.

غضب صيني

غضبت الصين ممّا عدّته تدخلًا أمريكيًّا مستمرًّا، وحصلت على التزام، عام 1982، بخفض الولايات المتحدة مبيعاتها من الأسلحة تدريجيًّا إلى تايوان، لكن لم توفّ به. وفي محاولة لإسكات الصين، قدّمت أمريكا “التأكيدات 6” لتايوان، ووعدت بعدم تحديد موعد لإنهاء إمدادات الأسلحة، وعدم إلغاء هيئة تنظيم الاتصالات، لكن الخارجية الأمريكية لم تنشر ذلك رسميًّا حتى عام 2020.

الغموض الاستراتيجي.. تأييد وانتقاد

سياسة الغموض الاستراتيجي الأمريكية بشأن تايوان تواجه انتقادات من كلٍّ من واشنطن وتايبيه، وسط مخاوف من أنها مجرد التزام شكلي. ويرى مُنتقدو تلك السياسة أنها تُخاطر بجرّ أمريكا إلى حرب غير ضرورية مع الصين، دفاعًا عن تايوان، وتدفع تايوان إلى عدم التحرّك كما يجب للدفاع عن نفسها. وكذلك يجادل آخرون بأن الغموض الذي تنطوي عليه تلك السياسة محدود للغاية، وقد يشجع الصين على المغامرة.

ولكن يجادل مؤيدوها بأنها أثبتت نجاحها على مدى 4 عقود، منذ أن حولت أمريكا علاقاتها الدبلوماسية من تايوان إلى الصين، وطمأنت بأن أمريكا لن تدع غزو الصين المُحتمل لتايوان يمر مرو الكرام دون ردع بكين، لكن ليس بقدر ما يشجع أولئك في تايوان الذين يفضلون إعلانًا رسميًّا للاستقلال، هو أمر طالما حذرت بكين من أنه بمثابة إعلان حرب.

افتقار إلى الغموض المطلوب

بالنظر إلى أن أن بايدن بات عضوًا في مجلس الشيوخ، بعد أقل من عام على زيارة نيكسون للصين، يُفترض أنه يدرك جيدًا الفروق الدقيقة في سياسة الولايات المتحد الأمريكية، تجاه تايوان، ولكن تصريحاته تُشير إلى أنه لا يزال يفتقر إلى الغموض المطلوب.

وبحسب المجلة، يوجد تفسيران محتملان لذلك، إما أنها زلة متكررة، وإما أنه خلُص إلى أن المضي قدمًا في التزام أمريكا تجاه تايوان لن يضر، خاصة أن العلاقات مع الصين سيئة للغاية على أي حال، ولكن الفجوة بين البيانات الرئاسية والسياسة الرسمية أظهرت نوعًا جديدًا من الغموض، قد يكون غموضًا استراتيجيًّا، أو ببساطة غير متماسك.

ربما يعجبك أيضا