مارتن لوثر كينج.. الذي قطع جبل اليأس بحجر الأمل

شيرين صبحي

لمدة 17 دقيقة، ألقى مارتن لوثر كينج خطبته الشهيرة "لدي حلم"، التي مثلت أكبر منعطفات حركة الحقوق المدنية.


ذات يوم تاريخي عام 1963، خرج الحقوقي الأمريكي إفريقي الأصل، مارتن لوثر كينج، وهو يقود ربع مليون شخص، ليلقي خطبة شهيرة يذكّر فيها أمريكا بحالة التطاحن، التي تعيشها.

وقال مارتن “جئنا لنعبر عن حالتنا المريعة، جئنا لعاصمة وطننا، لنصرف صكًّا أورثنا إياه بناة جمهورياتنا، عبر الكلمات الرائعة للدستور، وإعلان الاستقلال. جئنا لصرف هذا الصك، الذي يعطينا ثروة الحرية وضمانات العدالة.. حان الوقت لنرتفع من عزلة الوادي المظلم المهجور إلى طريق العدالة المشمس”.

AP6503210285

من هو مارتن لوثر كينج؟

تحتفل الولايات المتحدة بذكرى مولد مارتن لوثر كينج، في 15 يناير من كل عام، هذا الحقوقي الذي ينتمي لأسرة متدينة ولد في العام 1929 في أتلانتا بولاية جورجيا، لأبويه القس مايكل الأب وألبيرتا ويليامز كينج، وفق ما جاء بكتاب “مارتن لوثر كينج” للكاتب ستانيسلاف كوندراشوف.

وأطلقت عليه والدته اسم “مايكل” تيمنًا بوالده، لكن والده أصر على اسم مارتن لوثر، تيمنًا بالمصلح مؤسس الكنيسة البروتستانتية اللوثرية.

لا يبكي وإن سالت دموعه من الألم

كانت جدته جيني تلقي عليه الحكايات الدينية، أما والده فكان صارمًا، فرض على أولاده قراءة الإنجيل بصوت عالٍ في المنزل، وكان شديد التعنيف على الأخطاء، ويستخدم السوط في تربية أبنائه.

وحفظ مارتن آيات الكتاب المقدس، وهو لا يزال في سن الخامسة. وغالبًا ما كان يحير والده، لأنه “يتلقى السياط اللاذعة، لكنه لا يبكي وإن سالت دموعه من الألم”.

أفضل أم في العالم

كانت والدته ألبرتا كريستين ويليامز، مغنية وعازفة دربت مئات الطلاب، ونالت درجة البكالوريوس، وشهادة في التدريس. وصفها مارتن بأنها “أفضل أم في العالم”.

وكانت تعتقد أنه يمكن أن يحارب العنصرية من خلال الإيمان والمسيرات والمقاطعات، وكانت واحدة من أوائل أعضاء الرابطة الوطنية لحقوق الملونين، وعضوة نشطة في جمعية الشابات المسيحيات التي تعني بمكافحة العنصرية وتحقيق العدل.

كراهية البيض أينما كانوا

تلقى مارتن أول دروسه في التمييز العنصري، عندما رفض والديْ صديقه الأبيض أن يلعب معه. وعندما سألهما عن السبب قالا: “نحن بيض وأنت ملون”.

وذات يوم عندما كان يستقل حافلة مع أحد معلميه، أمره صبي أبيض أن يترك له مقعده. وعندما رفض، أخبره معلمه بأنه ينتهك القانون، وقد ينتهي به الأمر في السجن إن لم يستجب للأمر، ففعل. يقول مارتن: “يومها صممت على كراهية البيض، أينما كانوا. لكن أبويّ علماني أن الدين يحرم علينا الكراهية، لأي سبب كان”.

حبيبة مارتن لوثر كينج البيضاء

مارتن لوثر كينج وزوجته

مارتن لوثر كينج وزوجته

التحق مارتن بكلية مورهاوس، وهو لم يتجاوز 15 سنة، ثم التحق بكلية كروزر الدينية. وفي أثناء دراسته الجامعية، أحب كينج ابنة مهاجرة ألمانية، كانت تعمل طاهية في مطعمهما، واتفقا على الزواج. لكن أصدقاءه حذروه من “عواقب عداء أبيض، لا يعلم أحد مدى خطورته عليه وعليها، وعلى أبنائهما والمجتمع الأسود ككل”.

وكذلك حذره أصدقاؤه من أنه يغامر بإضاعة فرصته، في أن يصبح قسًّا معترفًا به في أي من كنائس الجنوب الأمريكي. وكان مارتن على استعداد للتضحية بكل شيء، من أجل حبيبته، إلا أن حزن والدته، التي صارت كسيرة القلب، هو ما جعله يتنازل عن حبه.

أما زوجته كوريتا سكوت، فالتقاها في بوسطن عام 1953، وهو يحضر دراساته العليا، وكانت مغنية تدرس في معهد نيو إنجلاند للموسيقى، ثم استقرا معًا في مونتجمري بولاية ألاباما، حيث صار راعيًا لكنيسة دكستر أفينيو المعمدانية، وأنجبا 4 أبناء. وهناك بدأ نشاطه، وأسهم في الفعاليات العامة ناشطًا للحقوق المدنية.

مقاطعة الحافلات

في الأول من ديسمبر عام 1955، استقلت ناشطة من أصول إفريقية الحافلة، وجلست في مكانها، لكنها فوجئت بالسائق يخبرها أن تتركه لصالح شخص أبيض، ما رفضته بكل عزيمة، فاعتقلتها الشرطة عدة أشهر، وتسبب في هياج شوارع مونتجمري بالرفض، وتصدرت قضية التمييز العنصري الولايات المتحدة.

وفور وقوع الحادثة، دعا مارتن الجميع إلى التخلي عن العنف، وقاد مظاهرة سلمية واقترح مقاطعة شركة الحافلات، التي كان أصحاب البشرة السوداء مصدر 70% من إيراداتها. واستمرت مقاطعة الحافلات 381 يومًا، حتى قضت المحكمة العليا بعدم دستورية المقاعد المنفصلة في الحافلات العامة في نوفمبر 1956.

مطالب بوضع حد للتمييز

93F11326 78BA 4962 A049 2AE90627AB65

مارتن لوثر كينج

تزعّم مارتن الاحتجاج، وصار المتحدث الرسمي الذي يقود الآلاف في مواجهة التمييز، حتى إنه دخل السجن 29 مرة لتنظيمه وقيادته مسيرات تطالب بالحقوق المدنية للسود.

وفي مايو 1957، ألقى كينج خطبته الأولى على المستوى القومي، تحت نصب أبراهام لينكون التاريخي. وطالب أمام نحو 30 ألف شخص بحق السود في التصويت، والمشاركة في تشكيل المؤسسة السياسية الأمريكية.

وبعد 6 سنوات، قاد مسيرة للسود في واشنطن، في 28 أغسطس عام 1963، شارك فيها ربع مليون شخص على الأقل، تطالب بالحريات ووضع حد للتمييز العنصري في البلاد.

مارتن يتحدث عن حلمه

لمدة 17 دقيقة، ألقى مارتن لوثر كينج خطبته الشهيرة “لدي حلم”، التي مثلت أكبر منعطفات حركة الحقوق المدنية، وكانت من أهم الخطب السياسية في تاريخ الولايات المتحدة. في تلك الخطبة، استلهم بنود “إعلان التحرر”، الذي حرر ملايين السود من قيود العبودية، ليقول إنه “بعد مرور 100 سنة على ذلك الإعلان يظل الزنجي مفتقرًا لحريته”.

وبينما يلقي خطابه، رفعت المغنية الشهيرة، مهاليا جاكسون، صوتها قائلة: “حدثهم عن حلمك يا مارتن”، فانطلق يتحدث عن حلمه بالحرية والمساواة، قائلًا: “لدي حلم أنه في يوم من الأيام على التلال الحمراء في جورجيا، سيتمكن أبناء العبيد السابقين، وأبناء مالكي العبيد السابقين من الجلوس معًا إلى طاولة الأخوّة”.

سنكون أحرارًا يومًّا ما

103890151 GettyImages 74280025 1

مارتن لوثر كينج

بعد أن سرد كينج أحلامه عن الحرية، قال: “بهذا الإيمان، سنكون قادرين على قطع جبل اليأس بحجر الأمل. بهذا الإيمان، سنتمكن من تحويل الخلافات المتوترة لأمتنا إلى سيمفونية أخوية جميلة. بهذا الإيمان، سنتمكن من العمل معًا، والصلاة معًا، والنضال معًا، والذهاب إلى السجن معًا، والدفاع عن الحرية معًا، مع العلم أننا سنكون أحرارًا يومًّا ما”.

وعرف خطابه في ما بعد بـ”لديّ حلم”، وقال عنه الساسة الأمريكيون البيض إنه وضع كينج على قدم المساواة مع عظماء التاريخ الأمريكي، وفي 1999 جرى اختيار هذا الخطاب الأهم بين سائر الخطابات في القرن الـ20 في أي مكان في العالم، في استطلاع لمؤرخي الخطب السياسية.

اغتياله

في 3 إبريل 1968، ذهب كينج إلى مدينة ميمفيس، لمساندة عمال جمع القمامة السود في إضرابهم، من أجل مساواة أجورهم بزملائهم البيض، وألقى عليهم خطابًا قال فيه: “كأي شخص آخر، أتمنى طول العمر. على أنني في هذه الليلة لا أحفل بذلك. فقد رأيت الأرض الموعودة. قد لا نصل إليها معًا، لكني أريد لكم أن تعلموا الليلة أننا -كشعب واحد- سنبلغها يومًا ما”.

وفي اليوم التالي لخطابه، كان مارتن يقف مع بعض أعوانه على شرفة غرفته في فندق “لورين” الصغير، وفي الساعة السادسة ودقيقة مساء 4 إبريل 1968، أطلق عليه شخص النار من بندقيته، فأصابه في خده برصاصة وجدت طريقها إلى نخاعه الشوكي.

وبعد نقله سريعًا إلى مستشفى سان جوزيف، خضع مارتن لجراحة غير ناجحة، فلفظ نفسه الأخير بعد ساعة و4 دقائق من إصابته. وكان مارتن لوثر كينج في سن 39 عامًا، عند اغتياله، لكن الطبيب الشرعي الذي شرح جثته، قال إن قلبه يعود إلى رجل في الـ60.

ربما يعجبك أيضا