العولمة وتهديداتها الحالية كما يراها كبير محللي «فايننشال تايمز» الاقتصاديين

علاء بريك

شهدت العولمة منذ انطلاق الثورة الصناعية في القرن 19 فترتي ازدهار، وفترة تراجع وحيدة، يصفها كبير المحللين الاقتصاديين في "فايننشال تايمز" بالكارثية، ويبدو أننا نعيش فترة التراجع الثانية.


كتب كبير المحللين الاقتصاديين في صحيفة “فايننشال تايمز“، مارتن وولف، عن مهددات العولمة الحالية، وصعودها وهبوطها منذ ظهرت في التاريخ.

ورأى وولف في مقاله أن الصراع الجيوسياسي اليوم، يمثل التهديد الأخطر على العولمة، وأن تنافس القوى العظمى لن ينتهي، من منظوره، إلا إلى محصلة سلبية غير محمودة العواقب لكل الأطراف.

العولمة في صعودها وهبوطها

يشير وولف إلى أن ظاهرة العولمة، منذ انطلاقتها مع الثورة الصناعية في القرن 17، شهدت فترتي تكامل اقتصادي عالمي، وفترة واحدة من الانكفاء والتراجع، انتهت الفترة الأولى مع بداية عام 1914، وبدأت الثانية مع عقد الأربعينات من القرن الـ20، وتسارعت في السبعينات.

أما الفترة بين عام 1914 والعقد الرابع من القرن الـ20، أي فترة ما بين الحربين العالميتين، فشهدت تراجعًا في العولمة، وميلًا نحو الحمائية، عمّق تبنيها حالة الكساد الاقتصادي العالمي. ويرى وولف أن العولمة بعد أزمة 2007 المالية تشهد حالة من الجمود، فلا هي تعمقت ولا تراجعت.

فترة من الفوضى

حسب وولف، لم تكن فترة تراجع العولمة بين الحربين العالميتين مليئة بالازدهار والتقدم والرفاه، بل على العكس، شهدت انهيار النظام السياسي والاقتصادي، سواء أكان داخل الدولة الواحدة، أم في النظام الدولي. ويرى أن الثورة البلشفية كانت إحدى نتائج هذه الفترة.

لكن هذه الفترة، على الرغم من الفوضى والأزمات، حملت بعض النتائج الجيدة، منها على سبيل المثال ظهور دولة الرفاه، وزيادة  الإحساس بالمصير المشترك للبشرية، فضلًا عن إضعاف الإمبراطوريات الأوروبية القديمة، وفق رؤية كبير محللي “فايننشال تايمز”.

العولمة والسلم

يتساءل وولف، بعد هذه المقارنة التاريخية، عن مدى ارتباط العولمة بالسلم وكيفية ارتباطها به، ويجيب بالاستعانة بوجهات نظر زميله في الصحيفة نفسها، جون بليندر، بأن التجارة لا توفر السلم بالضرورة، بدليا اندلاع الحرب العالمية الأولى في حقبة شهدت ازدهارًا نسبيًّا في التجارة العالمية.

وعلى هذا الأساس يرى وولف أن السلم أسبق من التجارة، بمعنى أن حالة السلام تمثل حاضنة تزدهر في ظلها التجارة، ودليله على هذا الرأي أن أي صدام بين القوى العظمى دائمًا ما يترتب عليه انهيار التجارة، ولا أدل على هذا من مثال روسيا والغرب في أيامنا هذه.

بين التفاؤل والتشاؤم

يرجح العديد من المحللين، اليوم، احتمالية نشوب حرب باردة جديدة، في ضوء تراجع العولمة، وصراع القوى العظمى، غير أن وولف يصنف هذه التحليلات تحت بند “التفاؤل”، لأنه يرى أن تصارع القوى العظمى اليوم، سيأتي بنتائج وتبعات وخيمة على العالم، لا تضاهيها تبعات ما حصل في فترة ما بين الحربين.

وينبع هذا التشاؤم عند وولف من تركيزه على طبيعة التهديدات أمام عالم اليوم، بدايةً من التهديد النووي وما يترتب عليه من فناء للبشرية، والتهديد المناخي وما يستلزمه من عمل جماعي وجهود دولية لحماية الكوكب والفصيلة البشرية.

الصراع ومآلاته

سوداوية السيناريو السابق لا تعني حتميته، بل قد تكون دافعًا لتجنبه، وتبني التعاون العالمي لنزع فتائل الأزمات والمخاطر المتوقعة، وهو ما يرى وولف أنه لا يزال ممكنًا، بالنظر إلى اندماج الاقتصادات الصينية والغربية والعالمية، بما يجعل قطع العلاقات الاقتصادية مؤلمًا لكل الأطراف المتنافسة.

لكن يشير وولف هنا إلى “حرب تجارية” أمريكية تستهدف إبطاء النمو الاقتصادي للصين، ستكون لها عواقب جيوسياسية إذا استمرت، مختتمًا بأن من شأن الصراع الجيوسياسي والصراع على السلطة خلق مسار من عدم الأمان وغياب الثقة بين المتصارعين، وهو ما ذهب العالم بعيدًا فيه، دون خلاص في الأفق.

ربما يعجبك أيضا