ماكرون خسر فرنسا.. مظاهرات غاضبة وشعبية منهارة

محمد النحاس
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

من المتوقع أن يفيد إقرار إصلاحات قانون التقاعد في فرنسا الأحزاب اليمينة في ظل مزاج جماهيري عام رافض لها.


نجت الحكومة الفرنسية من التصويت على حجب الثقة بفارق 9 أصوات فقط، ما مهد الطريق أمام تمرير قانون إصلاح المعاشات التقاعدية المثير للجدل.

وحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية، قد تكون الأزمة السياسية المباشرة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، انتهت، لكن الاضطرابات الشعبية قد تتزايد في الفترة المقبلة، فما سبب ذلك؟ ولماذا تُصر حكومة باريس على تمرير الإصلاحات رغم الرفض واسع النطاق؟

المضي قدمًا لإقرار الإصلاحات

وفق تقرير للمجلة، في 20 مارس 2023، بعد فشل سحب الثقة ستمضي رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، وفريقها قدمًا، لكن ما زالت إصلاحات نظام التقاعد تنتظر الحصول على موافقة المجلس الدستوري، أعلى سلطة قضائية في البلاد.

وقرر ماكرون تجاوز مجلس النواب لإمرار الإصلاحات دون موافقته، واستخدم لذلك بندًا دستوريًّا يُعرف بالمادة 49.3 تسمح بتجاوز البرلمان، لكن أدى ذلك إلى اقتراح حجب الثقة، ووفق المجلة، فاز ماكرون بالرهان رغم تأييد 278 صوتًا لسحب الثقة في البرلمان.

رفض وغضب شعبي

تسعى الحكومة الفرنسية لرفع الحد الأدنى لسن التقاعد من 62 عامًا إلى 64 عامًا، وتقول إن سن المعاش الحالي يثقل كاهل خزينة الدولة، في حين ترفض المعارضة الإصلاحات، وكذلك قطاعات عريضة من الفرنسيين، ومنذ أشهر تعيش باريس على وقع احتجاجات حاشدة، وإضرابات متواصلة في العديد من القطاعات الحيوية.

وعلى المستوى السياسي، يترك هذا القرار طعمًا مريرًا، لأن قانون إصلاح المعاشات التقاعدية لا يحظى بشعبية على الإطلاق، فعلى مدار 6 أسابيع من النقاش البرلماني ومسيرات الاحتجاج والإضرابات، ظلّ ثُلثا الفرنسيين رافضين لرفع سن التقاعد، ولم تقنع أي حجة روجت لها الحكومة إلى التخفيف من حدة الغضب الشعبي، وفق الإيكونوميست.

إصلاحات ضرورية

ما زاد من غضب الجماهير، قرار الرئيس باللجوء للمادة 49.3، ويرفض 78% وفق استطلاع للرأي استخدام هذه المادة، ويرى المعارضون أنها سوء استخدام للسلطة ومناهضة للديموقراطية، وأشعل القرار مظاهرات غاضبة في شواع باريس، وأحرق المتظاهرون الغاضبون أكوام النفايات المُلقاة في شوارع العاصمة، نتيجة إضراب عمال البلدية.

لكن المفارقة، التي تشير إليها المجلة البريطانية، أنه على الرغم من أن إصلاحات نظام التقاعد لا تحظى بشعبية فإنها ضرورية للبلاد، ففرنسا تصرف 14% من ناتجها المحلي الإجمالي، على صناديق التقاعد، وهو رقم يقترب من ضعف المتوسط لدى دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التي تضم بلدانًا غالبيتها غنية.

20 مليون متقاعد في فرنسا

في عام 2004 ، كان لدى فرنسا 13 مليون متقاعد، لكن بسبب زيادة متوسط العمر، سيصل هذا الرقم إلى 20 مليون بحلول عام 2030، وتخلص الإيكونوميست إلى أنه على الرغم من أنّ تلك الإصلاحات قد تتسبب في خسارة الرئيس ماكرون شعبيته، فإنها تعد ضرورة وتستحق الدفاع عنها.

وهذا تمامًا ما شدد عليه الرئيس ماكرون، في حوار تلفزيوني بتاريخ 22 مارس، حين قال “هل تعتقدون أني أستمتع في حين أنفذ هذه الإصلاحات؟ لا،” معلنًا أنه “ليس ترفًا ولا متعة، بل ضرورة”.

محاولة للتوافق

أشارت المجلة إلى أن اللجوءه للمادة 49,3 ليس سابقة تاريخية، وكتبها شارل ديجول في دستور الجمهورية الخامسة كرد فعل على عدم استقرار الجمهورية الرابعة، واستخدمه ديجول نفسه في عام 1960، لإطلاق برنامج الردع النووي الفرنسي. ومنذ ذلك الحين، لجأت إليه حكومات اليسار واليمين، ما لا يقل عن 100 مرة.

وكان اقتراح ماكرون برفع سن التقاعد جزءًا من برنامجه، خلال حملة إعادة انتخابه، وحاول هو وحكومته التوصل إلى توافق في الآراء، وكرّس البرلمان 175 ساعة لمناقشة هذه القضية، لكن دون جدوى.

اقرا ايضا| ماكرون في مواجهة فرنسا الغاضبة بمفرده.. وقلق من التظاهرات

تأثير في صورة ماكرون

حسب المجلة البريطانية، فإنه من المؤسف أن البرلمان لم يوافق على الإصلاحات، تبعًا للإجراءات البرلمانية العادية، ورغم أنه من المتوقع، أن الإصلاحات ستقر بعد اللجوء للمادة 49,3، فمن المرجح أن تستمر الأزمة السياسية، وفق ما براه نائب حزب الجمهورية للأمام، جيل لو جيندر، وهو حزب الرئيس ماكرون.

ووصف الزعيم النقابي، لوران بيرجر، تداعيات التصويت بأنها “أسوأ أزمة اجتماعية منذ 10 سنوات”، وتؤدي هذه التطورات إلى الإساءة لسمعة ماكرون على الصعيد الديمقراطي، وقد ينظر إليه قطاعات واسعة من الفرنسيين باعتباره صاحب أسلوب حكم مستبد.

ووفق تقديرات تشير إليها المجلة، انخفضت شعبية الرئيس إلى 28% مقارنةً بأعلى مستوى لها سابقًا عند 41% منذ حركة احتجاج السترات الصفراء عام 2019.

ونوهت في الوقت نفسه بمحدودية الخيارات أمام الرئيس الفرنسي، خاصةً أنه من المتوقع أن يفيد إقرار الإصلاحات الأحزاب اليمينة في ظل مزاج جماهيري عام رافض لها.

اقرأ أيضًا: رغم الغضب الشعبي.. هل تمرر الحكومة الفرنسية إصلاحات قانون المعاشات؟

ربما يعجبك أيضا